Strong>مهجّرو وسط بيروت: هل تعود حقوقنا بعد 7 حزيران؟لا يخفى على أحد أن إنشاء دولة «سوليدير» جاء على حساب أصحاب الحقوق الأصليين الذين حصلوا على أسهم لقاء تقديم عقاراتهم على مذبح الدولة الجديدة التي استفادت منها، واليوم يُمنّي هؤلاء النفس بالحصول على تعويضات منصفة بعد 7 حزيران المقبل، يأملون أن تكون على شاكلة تعويضات نقدية أو تبديل الأسهم بالأمتار

محمد وهبة وأيمن فاضل
في كانون الأول 1991 صدر القانون 117/91 عن المجلس النيابي مشرّعاً عمل «سوليدير» ثم بدأت المراسيم التطبيقية بالصدور تباعاً مكرّسة سلطة الأمر الواقع، فعُيّنت 7 لجان تخمين بدائية ولجنة تخمين عليا و4 لجان توزيع كلّفت تخمين عقارات لنحو 65 ألف صاحب حق في منطقة وسط بيروت، علماً بأن عددهم كان عام 1974 يبلغ نحو 40 ألفاً.

سلب الأملاك

أُغري أعضاء اللجان بتعويضات مالية كبيرة، وأُعطيت التعليمات لهم بتوحيد الأسعار ضمن منطقة جغرافية واحدة، فجرى تخمين 1630 عقاراً خلال 13 شهراً بقيمة 1170 مليون دولار، أي بمعدل 1532 دولاراً للمتر المربّع الواحد من الأرض، و100 دولار للمتر المربع الواحد المبني، فيما كان متوسّط الأسعار حينها يراوح بين 2500 دولار و4 آلاف دولار لسعر الأرض وبين 300 دولار و500 لسعر البناء. وبعد مشاحنات مع أصحاب الحقوق جرت زيادة عدد المباني المستثناة من الهدم من 190 مبنى إلى 265 وسُمح لأصحابها باستردادها لكن بشروط تعجيزية أبرزها دفع 10 في المئة من قيمة المبنى للشركة، على أن يكون ترميمها على حسابهم وبدفتر شروط خاص وبضمانات مالية باهظة.
ولتأسيس الشركة اعتُمدت صيغة تقوم على نوعين من المساهمات في رأس مالها، جمع الأموال بطريقة نقدية عبر الاكتتاب بالأسهم، وجمع المساهمات العينية وإبدالها بأسهم، فأُطلقت عملية الاكتتاب وأُدخل سياسيّون ورجال أعمال، ثم عُقدت الجمعية التأسيسيّة للشركة في أيار 1994 وحينها كان قد بلغ إنفاق «سوليدير» 30 مليون دولار. لكن أصحاب الحقوق يؤكدون أنه جرى «إخراجنا من أملاكنا بالترهيب والترغيب وكل أنواع الضغط وصولاً إلى القوة المسلّحة».
ثم بدأ برنامج تعويضات إخلاء للمهجرين، الذي أخذته «سوليدير» على عاتقها، وبلغ إنفاقها في هذا المجال أكثر من 285 مليون دولار بدلاً من 37 مليوناً كانت ملحوظة. وبعد ثلاث سنوات على بدء المشروع كانت ميزانية «سوليدير» قد ارتفعت من 650 مليوناً إلى 1018 مليون دولار. أما أصحاب الحقوق فلم يحصلوا إلا على سبعة توزيعات لأنصبة الأرباح خلال 13 سنة بمعدل سنوي يبلغ 20 سنتاً للسهم الواحد.
النتيجة اليوم أصبحت كالآتي: ارتفاع عدد أصحاب الحقوق إلى 100 ألف، لا يوجد إلا 950 مكتباً و150 عائلة في الوسط مقارنةً بـ 15 ألف مكتب ومحل و6300 عائلة سابقاً، نسبة تملّك خليجي كبيرة، المنطقة محصورة بعدد محدد من الرواد وبشريحة اجتماعية واقتصادية معروفة، إنفاق مالي ضخم لم تستفد منه الدولة ولا أصحاب الحقوق.

رهان على الانتخابات

هذا الواقع يمكن تغييره إذا ما تغيّرت القوى السياسية الحاكمة في لبنان، فالموسم الانتخابي حمل نسائم أمل جديدة لأصحاب الحقوق المهدورة التي سلبتها سوليدير منذ 18 عاماً، فاجتمعوا منذ أسبوع في مسبح فندق السان جورج، وأعلنوا انحيازهم انتخابياً إلى من يعيد إليهم حقوقهم ويضمن «التغيير والإصلاح»، وقد بدا واضحاً أن الآمال معقودة على التيار الوطني الحر، على أن تكون التسوية المطروحة بفتح ملفات قانونية تتعلّق بالشركة بعد حصول التكتل وحلفائه على الأكثرية النيابية، واعتماد آلية ثنائية للتعويضات: «تعويضات مالية مع إعطاء حق إبدال الأسهم بالأمتار في منطقة الردم».
إلا أن مخاوف أصحاب الحقوق تتمثّل في محاولات الشركة والسياسيين تمييع أي تسوية كما حصل في عام 2004، حين طرح حل إبدال الأسهم بمساحات عقارية، ويروي المستشار القانوني في التجمّع خليل سركيس لـ«الأخبار» أن الشركة اعتمدت المبدأ نفسه عند بيع عقاراتها للمستثمرين، فقدمت إليهم عروضاً لشراء عقارات على أن يكون الدفع في جزء منه أسهماً، وآخر نقدياً، وإعطاء حسم بنسبة 15 في المئة للمشتري، وقد استفاد من هذا العرض، بحسب معلومات متداولة بين أصحاب الحقوق، 3 مشترين كان من بينهم رئيس مجلس إدارة سوليدير ناصر الشمّاع، الذي اشترى قطعة أرض في منطقة زقاق البلاط، وفي المقابل كان هذا المبدأ مرفوضاً كحل لأصحاب الحقوق.

«سرقة العصر»

وعلى ما يبدو فإن أصحاب الحقوق يمنّون النفس بحلٍ قريب لقضيتهم، إذ يؤكد سركيس أن المناخ ملائم لإيجاد حلّ عادل، وتشير رئيسة تجمع أصحاب الحقوق ريا الداعوق، إلى أن القضاء قد يصبح أكثر تفلّتاً من قبضة السياسة، متوقّعة إنصافهم قضائياً، لكن سركيس يبدو أكثر حذراً، «إذ إن بعض الأطراف الأخرى في المعارضة قد لا تستطيع فتح ملفات تدين غيرها لكي لا تُفتح ملفات تدينها في المقابل»، ويقول «هذه القضيّة تعدّ بمثابة سرقة العصر، وأكبر عملية سطو شملت ولا تزال آلاف العقارات في وسط بيروت». وسألت الداعوق: «لماذا لم يجرؤ أحد على نزع حقوق الناس في الضاحية الجنوبية لمدينة بيروت على أثر عدوان تموز 2006؟ لأنهم متضامنون دفاعاً عن حقوقهم ومصالحهم، وهذا ما يجب أن يفعله أصحاب الحقوق في وسط بيروت».
ويعتقد أصحاب الحقوق أن أي حلّ يجب أن يكون مبنيّاً على القواعد القانونية التي «خُرقت» بموجب مضمون القانون 117/91، إذ يجب تعديله لإبقاء أصحاب الحقوق في المنطقة عبر إعطائهم الحق باستبدال الأسهم بمساحات عقارية عينية توازي حقوقهم الأصليّة وذلك بعد أن تُقتطع نسبة 25 في المئة لمصلحة الدولة. ويعتقد أصحاب الحقوق أن هذا الأمر سيؤمّن عودة كثيفة للتجار وأصحاب المهن الحرة والحرفيين إلى المنطقة، ويؤمّن إعادة إحيائها وتنميتها لتعود القلب النابض للبلاد.
ولذلك فإن أي حل يجب أن يضمن عودة أملاك الدولة المتمثلة بنسبة 25 في المئة من مساحة الوسط التجاري الأصلي، وذلك لقاء تحمّلها كلفة البنية التحتية فيها، وبالتالي، يجب أن يخصّص عدد من مقاعد مجلس الإدارة بحجم المصلحة والمساحات العامة في المشروع للدولة، لتأمين مشاركتها في القرار، ووجود الرقابة الرسمية والتوازن بين مصالح الأفرقاء.
فهل ستتحقق آمال أصحاب الحقوق في 7 حزيران، أم أنها ستذهب أدراج الرياح على جاري العادة؟


50 مليون دولار

هي قيمة المبلغ الذي صرفته شركة «سوليدير» على ما أطلقت عليه «الهندسة المالية لدعم سعر سهم سوليدير»، وهذا المبلغ كان يوازي قيمة 5 ملايين سهم في فترة الإصدار، ويوازي أيضاً 23 في المئة من كلفة المشروع كما وُضعت على الورق.


13 ضعفاً قيمة التخمين