دمشق | تنتقل حماسة وزير التنمية الإدارية حسان النوري بالعدوى إلى فريق عمله ضمن مكاتب الوزارة الباردة. برودة الغرف تشي بفترة التأسيس التي لا يزال يشهدها المبنى حتى اللحظة. وزارة المغتربين، سابقاً، أضحت وزارةً للمصالحة الوطنية في طبقتيها الأوليين، فيما تحتلّ وزارة التنمية الإدارية الطبقات الأربع الباقية.
مع انتهاء الدوام الرسمي، يكاد يخلو المبنى من الموظفين والمراجعين، غير أن الوزير كان في اجتماع مع متخرجي المعهد الوطني للإدارة العامة، وهو حريص على لقائهم بين وقت وآخر. العلاقة ليست مباشرة بين الوزارة والمواطنين، إذ إنها تعنى بوضع القوانين الإدارية للعاملين في الدولة، وتقويم عمل باقي الوزارات، إضافة إلى الاهتمام بمكافحة الفساد الإداري. يأخذ الوزير النوري مكانه، على مكتبه الأنيق، بين صور عدة، يتضمن بعضها أداءه القسم الوزاري أمام الرئيس الراحل حافظ الأسد، وأُخرى أمام الرئيس بشار الأسد. تحتل مصنّفات عدة مكانها على مكتبه. قربها من متناول اليد يوحي بجدّية دراستها، وعدم الاستهتار بإنهائها، وأهمها: قانون الاستثمار الجديد الذي يصدر قريباً. يبدو الرجل متسلّحاً بتبنّي منافسه السابق في الانتخابات الرئاسية الرئيس بشار الأسد «مشروع الإصلاح الذي تشكل وزارة التنمية الإدارية أهم مفاصله». لم تفصّل وزارة التنمية الإدارية على مقاس المرشح الرئاسي حسان النوري. للإصلاح المتعثر منذ عام 2000 فرص نجاح أقوى في ظل الأزمة الحالية، بحسب رؤية النوري، في ظل وجود «إرادة قوية لدى السوريين لبناء وطن حقيقي». وبما أن اختصاص الوزارة مكافحة الفساد الإداري، يؤكد النوري «بدء التحضير لورشة عمل كبرى يحضرها عدد من المسؤولين الحكوميين»، مضيفاً: «لا يتمثل الفساد الإداري باستغلال المنصب فحسب، بل يتمثل أيضاً في الكذب والبيروقراطية والممارسات غير الأخلاقية للمهنية الإدارية، إضافة إلى عدم الانتماء للمؤسسة».
مكافحة الفساد ضرورة
لصون انتصار الجيش الذي بدأنا نلمس تحقيقه

وبحسب الوزير، «يمكن الحديث عن بدء مكافحة الفساد عند تحسّن الإدارة العامة». ويلفت إلى «ضرورة البحث عن إطار تكويني لمفهوم الفساد، الذي تعتبر مكافحته شأناً وطنياً، يعادل محاربة الإرهاب». ويصعّد الوزير موقفه بالقول: «ساحة المرجة مشتاقة لبعض الأعناق التي لن تلتزم بمشروع مكافحة الفساد في سوريا، وهو ما سأسعى إلى العمل عليه، رغم تجذّر الفساد في نفوس كثير من المواطنين والمسؤولين على السواء». ويستدرك بالقول: «أقول ذلك بصفتي المواطن حسان النوري، وليس كوزير، باعتبار مكافحة الفساد ضرورة لصون انتصار الجيش الذي بدأنا نلمس تحقيقه أخيراً». ويشير إلى «وجود طبقة في الشارع السوري أثرت خلال الأزمة، ويسميهم الشارع تجار الأزمة، إذ عرفوا كيف يجنون الأموال مستفيدين من الفوضى الحاصلة». ويضيف: «هناك من يدّعون أنهم حيتان في السوق. غير أنها محض ادعاءات لم أعد أؤمن بوجودها على أرض الواقع». ويشدد النوري على وجوب «محاربة الفساد بذكاء، وبشكل تدريجي، مستغلين الوقت المناسب»، ويؤكد أن «بعض المنعكسات السلبية لا يجب أن تولد يأساً، إذ إن الرئيس الأسد اتخذ القرار بمكافحة الفساد بقوة، وعلى الشارع السوري الصبر على النتائج قليلاً»، لأن الفساد، بحسب الوزير، «لا يُمحى بقرار، بل يحتاج الى معالجة ذكية ودائمة». ويعطي مثالاً «علاج أزمة المحروقات التي ولدت فساداً إضافياً»، مشيداً بالحل الذي اتبعته الدولة، وهو: عقلنة الدعم، أي منحه لمن يستحق.
القيادة القطرية تدعم... وأختلف عن الدردري
يشيد المرشح الرئاسي السابق بتعاون الحكومة مع مشروع وزارة التنمية الإدارية، على الرغم من «غموض بعض مفاصل المشروع بالنسبة إلى البعض»، معتبراً أن «هناك من يتعاون مع الوزارة دون يقين من جدوى المشروع وأهميته». ويضيف: «هناك التزام علني من الجميع بالتعاون. وهذا يكفيني». ويلفت إلى أن «آلية التناغم مع المشروع كانت أقل في الماضي»، مشيداً بالدعم الكبير الذي تناله الوزارة من القيادة القطرية لحزب البعث، في حين «كانت القيادة القطرية عام 2000 سبب فشل مشروع التنمية الإدارية». تظهر ملامح الغضب على وجه الوزير عند استذكار موقف نائب الرئيس السوري الأسبق عبد الحليم خدام، من مشروع التنمية الإدارية، واصفاً إياه بـ«الخائن». تركيز الوزير يتمحور حول ضرورة «وجود تأهيل فكري وفلسفي من خلال ورشات عمل دقيقة، للحصول على مشروع تنمية إدارية سوري بالكامل، بعد الاكتفاء من الفرنكوفونية وماليزيا، وضرورة التعويل على كوادر قيادية سورية».
يرفض الرجل التخوف من محرقة سياسية تعرضت لها شخصيات رسمية سابقة طوتها الأزمة. يكمن الحل الاقتصادي، من وجهة نظر النوري، في «ضرورة التفاعل مع القنوات الاقتصادية المحلية، إضافة إلى تفعيل دور المغتربين السوريين حتى من ابتعد منهم سياسياً، وذلك لأهمية استعادتهم مجدداً». تأكيد النوري مضاعف على «ضرورة التعامل مع ملف الأصدقاء بذكاء، للاستفادة منه بحيث لا يمكن بناء الوطن إلا من خلال سواعد أبنائه». ويصف ليبراليته بالأقرب إلى «الليبرالية الذكية في إيران وروسيا والصين»، إذ لا يؤمن باستراتيجية أميركا الاقتصادية، رغم دراسته في جامعاتها. ومن اللافت أن الوزير لا يرفض السياسية الاقتصادية السابقة في سوريا، بل يرى الخطأ في ممارستها وتطبيقها، محمّلاً المسؤولية الكاملة للفريق الاقتصادي الحكومي قبل الأزمة الحالية. ولا يوافق على تشبيه وجوده وسياسته بعمل النائب الاقتصادي (لرئيس الحكومة) الأسبق عبد الله الدردري، إذ يرى نفسه بعيداً عن الرجل المقيم خارج البلاد. ويعلّق بقوله: «أختلف عن الدردري بأني لا أملك أجندة مخفية. وأرى نفسي أكثر شفافية ووضوحاً من النائب الاقتصادي. أقرأ له أفكاراً تعجبني أحياناً، إنما نختلف بآليات الإصلاح الاقتصادي والإداري».

«ألبسوني قانون الاستثمار الجديد»

تحديات الوزارة كانت كثيرة، خلال الشهرين الفائتين، باعتبار النوري تسلم «عمل وزارة غير موجودة». ويضيف: «لا يمكن تحسين الإدارة بكبسة زر. يجب العمل تدريجاً، بحكم أن الإدارة العامة تكلّست وهرمت وتحتاج إلى إعادة خلق». ويقلّب أوراق مصنّف على مكتبه يتضمن تقارير تشرح أداء جميع الوزارات، ويقول: «من الخطأ العمل على نظام داخلي مشترك بين جميع الوزارات. أعلم أن مشروعي الأفقي ليس سهل التطبيق في كل مؤسسات الدولة. تخيّلي أن مشروع التوصيف الوظيفي غير موجود في سوريا، وإنجازه لن ينتهي قبل سنة على الأقل. أما مشروع تبسيط الإجراءات، فقد بدأت نتائجه تُلحظ».
أما حول قانون الاستثمار الجديد، فيؤكد صدوره خلال شهر أو أكثر. ويضيف: «ألبسوني إياه. لا أزال أؤمن بضرورة أخذ فرصة أكبر في دراسة هذا المشروع ليكون قانوناً شاملاً، يصلح للجميع. وأنا بحاجة إلى اجتماع مع وزير السياحة والعاملين في القطاع السياحي لدراسة وجهات النظر». ويتابع قوله، وهو يقلّب أوراق القانون على مكتبه: «لست مع أن يكون لوزارة السياحة، مثلاً، قانون خاص بها، بل يجب أن يكون هناك قانون استثمار واحد يشمل جميع قطاعات الدولة».