بغداد | يحذر سياسيون عراقيون من التغيير الديموغرافي الذي حصل بعد سقوط ثلث مساحة العراق بأيدي تنظيم «داعش» على اعتبار أنها خطوة نحو تقسيم البلاد إلى «ثلاث دول طائفية» ونحو إنهاء التعايش السلمي بين المكونات العراقية.ولم يكن التغيير الديموغرافي وليد اللحظة، بل امتداداً للتغيير في التركيبة السكانية التي حصلت خلال اندلاع ما سمي «الحرب الطائفية» عام 2005، ولكن بعد احتلال «داعش» أصبحت هذه المناطق تسكنها طائفة واحدة.

ومن أكثر المحافظات التي شهدت تغييراً ديموغرافيا: نينوى وكركوك وديالى. ففي نينوى توجد مدينة تلعفر ذات الأغلبية التركمانية وسهل نينوى الذي يسكنه المسيحيون، وهي أصبحت الآن تحت سيطرة «داعش».
يقول النائب عن محافظة ديالى، رعد الدهلكي، إن «ديالى تمثل خليطاً متجانساً لجميع مكونات الشعب العراقي، ولكنها شهدت بعد احتلال داعش لمناطق منها تغييراً ديموغرافياً متعمداً من قبل جهات خارجية، لأنها تتمتع بموقع جيوسياسي متميز وذي تأثير كبير نتيجة إحاطتها بكل من إيران وبغداد وإقليم كردستان». ويضيف، في حديث إلى «الأخبار»، إن «هناك مناطق حررت من سيطرة داعش مثل جلولاء والسعدية، ولكن القوات الأمنية رفضت إعادة سكانها الأصليين بحجة أن الطرق والمنازل مفخخة».
يرى مراقبون
أن الأكراد هم الأكثر استفادة من التغيير الديموغرافي

ويدعو الدهلكي الحكومة العراقية والسياسيين إلى «إدراك خطورة هذا الإجراء لأنه يهدف إلى زرع الفتنة الطائفية والكراهية بين مكونات المحافظة»، لافتاً إلى أن «ديالى شهدت قبل العاشر من حزيران أكثر من صراع لتغيير هويتها وإزالة مكون معين منها».
من جهته، يقول عضو «التحالف الوطني»، فوزي أكرم ترزي، في حديثه إلى «الأخبار»، إن «هناك مؤامرة دولية وإقليمية لتمزيق النسيج العراقي واللحمة الوطنية، تنفذها بعض الأجندات العربية»، معتبراً أن التغيير الديموغرافي هو مشروع نائب الرئيس الأميركي، جو بايدن، الذي يهدف إلى تقسيم العراق إلى ثلاث دول طائفية.
ويرى عضو «التحالف الوطني» أن الخاسر الوحيد من مشروع بايدن هم التركمان، القومية الثالثة في العراق، لأن «جميع أراضيهم مغتصبة منذ سقوط الموصل باستثناء آمرلي»، مشيراً إلى أن «الحكومة العراقية ضعيفة والعراق ليس دولة، وإنما مشروع دولة، وإذا أردنا إنقاذ البلاد فعلينا التفكير بعقلية الدولة وتطبيق النظام».
بدوره، يؤكد رئيس «المجموعة العراقية للدراسات الاستراتيجية»، واثق الهاشمي، أن «التغيير الديموغرافي بداية لتقسيم العراق على أساس طائفي». ويقول لـ»الأخبار» إن «التغيير الديموغرافي الذي حصل أخيراً في بعض المناطق، حدث بسبب الحرب على تنظيم داعش، وهناك بعض الأطراف استغلت هذا الأمر وتمددت بشكل كبير من أجل تقسيم العراق على أساس طائفي».
ويشير الهاشمي إلى أن «ضعف القدرة السياسية لبعض المسؤولين العراقيين أدى إلى حدوث التغيير الديموغرافي، والذي سيؤدي إلى كارثة كبيرة في البلاد تصل إلى الناس البسطاء الذين فقدوا منازلهم بالقوة». ويلفت إلى أن «محافظة كركوك شهدت زيادة في القومية الكردية خلال عام واحد... بعدما كانت (نسبتها) 2.3% في السنوات السابقة، وهذا مؤشر خطير يؤكد أن كركوك ستفرغ من السنّة والقوميات والطوائف الصغيرة».
ويعتبر الباحث العراقي أن «أساس التغيير الديموغرافي وقع في الحرب الطائفية خلال أعوام 2005 و2006 و2007 والتي أدت إلى تكوين كانتونات طائفية داخل المدينة الواحدة».
ويفتح هذا الموضوع الباب أمام مسائل مهمة، يتطرق إليها الصحافي العراقي احمد محمد، إذ يقول إن «التغيير في التركيبة السكانية يدعم السياسيين الداعين إلى الانفصال، لأن بعض المحافظات أصبحت تضم لوناً واحداً من الطيف العراقي». ويوضح أن «التعايش بين المكونات العراقية أصبح ينكسر لصالح أجندات وأفكار تدعو إلى التقسيم وإلى نبذ الآخر والدفاع عن المكون وليس الوطن».
ويعتبر مراقبون أن الأكراد أكثر «القوميات» استفادة من التغيير الديموغرافي، بعدما وضعوا أيديهم على العديد من المناطق في محافظات صلاح الدين وديالى ونينوى، إضافة إلى سيطرتهم الكاملة على محافظة كركوك بعد العاشر من حزيران الماضي، وهي أمور تمهيدية لإعلان «الدولة الكردية».
برغم ذلك، يؤكد رئيس «التحالف الكردستاني» في البرلمان، محسن السعدون، أنه «لم يحصل أي تغيير ديموغرافي في محافظات ديالى وصلاح الدين ونينوى وكركوك». ويضيف، في حديث إلى «الأخبار»، إن «المعارك مستمرة مع تنظيم داعش في هذه المحافظات، وبالتالي من الصعوبة إرجاع السكان إليها. وعند انتهاء المعارك سيرجعون بالتأكيد»، لافتاً إلى أن «داعش حالة طارئة وذات دوافع إرهابية، وعند تحرير المدن منه ستظهر دوافع بعض المكونات التي تريد أن تغير التركيبة السكانية لبعض المناطق».