وصلت درجة هزال العلاقات العراقية ـــــ السورية إلى حدّ أنّ رجلاً واحداً يُدعى سطّام فرحان الكعود بات يهدّد مصيرها. ربطت بغداد اسمه بتفجيرات الأربعاء الأسود في 19 آب الجاري، بينما تصرّ دمشق على احتضانه، ربما لأنه أبرز شخصية مقربة من البعثيين قرر الطرف الأميركي الانفتاح على مفاوضات معه، فدبّ الهلع بحكّام بغداد الخائفين على حصّتهم من قطعة الجبنة العراقية
بغداد ــ زيد الزبيدي
يشير توتّر العلاقات العراقية ـــــ السورية على نحو مفاجئ، بعد انفراج ملحوظ، إلى أن «وراء الأكمة ما وراءها»؛ فمن غير المعقول أن يكون رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، الذي التقى القادة السوريين، وفي مقدمتهم الرئيس بشار الأسد قبل أيام، في هذا المستوى الانفعالي من إدارة العلاقات الدولية لبلاده، بعد أكثر من ست سنوات من العمل في قيادة الدولة، وسنوات أخرى قبلها من العمل السياسي، أمضى جزءاً كبيراً منها في سوريا التي أصرّت على رفض تسليمه هو ومعارضين آخرين لنظام صدام حسين، إلى الحكومة العراقية آنذاك.
ويُلاحظ المراقبون السياسيون أنّ تأزم العلاقات بين العراق وسوريا حصل في أعقاب تأزم الوضع الداخلي العراقي، ما يفسّر بأنه تنفيس لأزمة داخلية، سبّبتها تفجيرات يوم الأربعاء الدامي في 19 آب الجاري. تفجيرات سبقت إعلان «الائتلاف العراقي الوطني الموحد»، وقيل إنها كانت رسالة إلى المالكي مفادها: «أنت فاشل من دون الائتلاف». وأياً تكن الجهة المنفذة، فإن التفجيرات الضخمة جاءت لتثبت فشل الحكومة أمنياً وسياسياً ودعائياً؛ فكيف يمكن تفسير التصريحات الرنانة بأن «تنظيمات القاعدة والبعثيين تلفظ أنفاسها الأخيرة؟» وأين ذهب الاستعراض «البطولي» للقبض على زعيم تنظيم «القاعدة» أبي عمر البغدادي، وما هو مصيره؟
حتى إنّ آخر تصريح لقائد «عمليات بغداد»، عبود كنبر، أول من أمس، إثر اجتماعه مع وزير الخارجية هوشيار زيباري، أفاد بأن منفذي تفجيرات الأربعاء الدامي «لم يُقبض عليهم»، ما يدحض الاتهامات التي وجهتها الحكومة العراقية إلى أشخاص يقيمون في سوريا، في مقدمتهم سطام فرحان الكعود.
كذلك سبق للمتحدث باسم «عمليات بغداد»، قاسم عطا، أن أعلن القبض على بعثي سابق، اسمه وسام علي كاظم، اعترف بأنه تلقى تعليمات من سطّام فرحان، «الذي ينتمي إلى حزب البعث ـــــ جناح يونس الأحمد»، بتنفيذ التفجيرات. غير أنّ مصادر أمنية كشفت أخيراً أن المدعو وسام علي كاظم، كان قد اعتُقل قبل التفجيرات بأربعة أيام.
وكانت جميع الوقائع تشير إلى أن تفجيرات الأربعاء «شأن داخلي»، وهو ما عبّر عنه النائب عباس البياتي، المقرب من المالكي، عندما قال إن «الإرهاب الآن سياسي ـــــ إرهابي»، ما يعني انتقاله بوضوح إلى صلب «العملية السياسية».
لكن فجأة، تغير الموقف عبر اتهام سطّام فرحان المقيم في سوريا منذ أطلقت القوات الأميركية سراحه أوائل عام 2006، بالتورط بالتفجيرات، و«دعم الإرهاب». واللافت أن هذا التغيير طرأ بعد أيام قليلة من زيارة المالكي لدمشق، وإعلانه من هناك التوصل إلى اتفاق «شراكة استراتيجية» أمنية بين العراق وسوريا.
ومن الشراكة الاستراتيجية إلى تصريح المتحدث باسم الحكومة العراقية علي الدباغ، الذي كشف أن العراق اشترط لتطبيع علاقاته مع سوريا أن تبادر دمشق إلى تسليم المشتبه في أنهم خططوا للاعتداءات على أراضيه، مؤكداً أن بغداد «سلّمت قائمة من المطلوبين مرات عدة إلى السوريين الذين يراوغون في الإجابة».
غير أن الإجابة جاءت سريعاً من الطرف السوري، وهي أن 1.5 مليون لاجئ عراقي يقيمون في سوريا حالياً، ولا يمكن تسليم أيٍّ منهم من دون أدلة قاطعة، مع التذكير بأنه سبق لدمشق أن آوت المالكي والرئيس جلال الطالباني والكثير من المعارضين للنظام السابق، ولم تسلّم أياً منهم إلى نظام صدام آنذاك.
في المقلب الآخر، يعترف الطرف الأميركي بتعاون السلطات السورية في ضبط الحدود مع العراق، وهو ما لم يرضِ الدباغ، فعاد ليجزم بأن حكومته ستطالب «من خلال الأمم المتحدة وعبر علاقاتها الثنائية، بتسليم أولئك المطلوبين، إذا كانت دمشق ترغب بعلاقات جيدة معنا»، مشيراً إلى أن تلك «العلاقات وصلت إلى مفترق طرق، وبات على الحكومة السورية أن تختار إما علاقات جيدة مع العراق، وإما حماية أشخاص يستهدفونه».
جميعها تطورات طرأت بعد أيام من «اتفاق الشراكة الاستراتيجية»، وبعدما تسربت معلومات إلى بغداد تفيد بأن الأميركيّين أجروا اتصالات مع أقطاب المعارضة العراقية في سوريا، ومن بينهم رجل الأعمال المعروف سطّام فرحان الكعود، أحد أكثر شيوخ الأنبار تأثيراً، الذي يرأس «الجبهة الوطنية لمثقفي وجماهير العراق».

اعتقله الأميركيون 3 سنوات وأُطلق سراحه وفقاً لترتيبات بخصوص توسّطه مع المسلحين

يعدّه الأميركيّون «الشخصية الوحيدة» المقبولة من بين المحسوبين على البعث ويفاوضونه حالياً

ولم يُعرَف عن الدكتور سطّام، المقرَّب من النظام السابق، أي نشاط يُذكَر في حزب البعث، لكن معروف أنه أدّى دوراً كبيراً في تصدير النفط العراقي «خلسةً وتهريباً»، لمصلحة الحكومة العراقية، إبان فترة الحصار الذي فرض على العراق بين 1990 و2003، ما أوجد له مكانة تجارية واقتصادية كبيرة في دول الجوار، وخصوصاً في سوريا والأردن.
وعندما أسس سطّام الكعود «الجبهة الوطنية لمثقفي وجماهير العراق»، بعد الاحتلال مباشرة، اتهمت هذه الجبهة بكونها «واجهة لحزب البعث». وقد اعتُقل سطّام من قوات الاحتلال في 22 نيسان 2003، وكان آنذاك يسعى، مع وجوه من عشيرته، لتوفير مخابئ لصدام وعائلته، وهو ما يعترف به سطّام رغم أنه ينفي وجود أي علاقة له مع الرئيس السابق، موضحاً أنّ علاقاته مع عدي صدام حسين كانت «رياضية»، لأنه كان يدعم «نادي الطلبة» الذي كان يضم أبرز لاعبي المنتخب الوطني العراقي، مثل حسين سعيد وأحمد راضي ونزار أشرف، وغيرهم، فيما كان عدي رئيساًَ للجنة الأولمبية.
وبحكم كون سطّام معتقلاً زهاء ثلاث سنوات لدى قوات الاحتلال، وبحكم كونه وعائلته من المؤثرين في محافظة الأنبار، حاول الطرف الأميركي كسب تعاونه للحدّ من النشاطات المسلحة في الأنبار، وأُطلق سراحه مطلع عام 2006، فتوجه إلى الإقامة في سوريا. وكانت شخصيات عراقية مطلعة قد ذكرت أنّ الأميركيين بدأوا سلسلة من الاتصالات مع الشيخ سطّام الكعود، «الذي أُطلق سراحه وفقاً لترتيبات سابقة تمّت معه بخصوص قيامه بالوساطة مع فصائل المسلحين في مناطق غرب العراق واستخدام نفوذه وتأثيره العشائري هناك».
ويتردّد بين العراقيين في الخارج، ومنهم بعض المسؤولين السابقين، أن الأميركيين يعدّون سطّام بمثابة «الشخصية الوحيدة» المقبولة لديهم من بين المحسوبين على نظام صدام حسين، لتكليفه إعداد ترتيبات لدمج مسؤولي النظام السابق وحزب البعث والمسلحين في العملية السياسية، باعتباره أحد شيوخ أكبر العشائر في المنطقة الغربية، وأبرزهم، ويحظى باحترام كبير، وخصوصاً بعد اعتقاله من الأميركيين، الأمر الذي منحه رصيداً شعبياً بين عموم سكان تلك المناطق. وقد تسربت أنباء من الأوساط المقربة من سطّام الكعود أنه بدأ فعلاً بإعداد الترتيبات اللازمة لهذه الحركات بهمّة ونشاط لافتين للنظر.
يُشار إلى أن التعاملات التجارية لأشقائه وأقربائه لم تتأثر بسبب اعتقاله، فاستمر تعاملهم التجاري مع القوات الأميركية ومشاريعها في العراق بعد الاحتلال، كشقيقه عبد السلام وأولاد عمومته طلال وجلال وحميد الكعود، والأخير هو شريك سطّام في العديد من أعماله، وهو أحد أكبر وأهم رجال الأعمال، وسبق أن اختير والده الشيخ بزيّع الكعود رئيساً لمجلس الحكم في محافظة الأنبار.
من جهة أخرى، رأت مصادر رسمية سورية أن تفجير العلاقات العراقية ـــــ السورية «أمر مبيَّت من جهات داخلية عراقية، تتشابك مصالحها مع جهات إقليمية ودولية متضررة من قيام علاقات سورية ـــــ عراقية قوية».
وفي المواقف العراقية، رأت النائبة عن القائمة العراقية ميسون الدملوجي أن الحكومة العراقية «لا تتعامل على نحو متوازن مع التدخلات الخارجية، ولديها موقف مزدوج مع إيران وسوريا»، مشيرة إلى أن هاتين الدولتين «حليفتان ولديهما خطط استراتيجية في العراق». وأوضحت أن على حكومة المالكي أن «توازن بين الدولتين وتنظر إليهما بعين متساوية»، معربة عن اعتقادها بأن «العلاقات السابقة بين الأحزاب الدينية العراقية وإيران لها تأثير على الصمت الحالي للحكومة العراقية إزاء تدخلات طهران في شؤون العراق الداخلية».
وفيما وضعت النائبة التفجيرات في خانة «محاولة لإبعاد العراق من مركزه العربي، وهذا خطأ، لأن غالبية سكان العراق من العرب وليس من صالحها الانقطاع عن الدول العربية»، ربطت ما بين اقتراب موعد الانتخابات (في 16 كانون الثاني المقبل)، ومحاولات تجديد التعصب القومي والطائفي.


توتّر تاريخي

اتسمت العلاقات العراقية ـــــ السورية تاريخياً، بطابع الالتباس واللغط الدائم، رغم أنّه في أواخر الأربعينيات من القرن الماضي، وقعت سلسلة من الانقلابات العسكرية في سوريا كان بعضها يدعو إلى الانضمام إلى العراق حلاً لأزمة عدم الاستقرار السياسي في هذا البلد. وعرفت العلاقات الثنائية بين البلدين سلسلة من التواريخ المفصلية منها:
ـــــ إعلان الجمهورية العربية المتحدة بين مصر وسوريا (1958 و1961) واتخاذ النظام الملكي العراقي موقف العداء منها.
ــ عودة «البعث» لحكم العراق في 1968 وفي سوريا عام 1970، وارتفاع حدة العداء بين البلدين، لأن كلاً من جناحَي الحزب الحاكم عدّ نفسه الممثل الحقيقي لحزب البعث. وضع استمر حتى احتلال بلاد الرافدين وشعور نظام الرئيس بشار الأسد بقلق بسبب وجود القوات الأميركية على حدوده.