رام الله | سارعت وزيرة القضاء الإسرائيلية المتطرفة، أييليت شاكيد، إلى تنفيذ سياسات رئيس حكومتها بنيامين نتنياهو، بالإعلان أن وزارتها شرعت في إجراءات سحب الجنسية أو حق الإقامة الدائمة من منفذي العمليات ضد العدو وعائلاتهم، وفوق ذلك مصادرة أملاك منفذي العمليات وهدم منازلهم. هذه الإجراءات التي يجري تطبيقها بأثر رجعي في كل من الضفة المحتلة والقدس وأراضي الـ48 ليست إلا تجلياً واضحاً لمنهج الانتقام الذي تحكمه العقلية الصهيونية.
وكانت إسرائيل قد عمدت إلى هدم البيوت منذ عام 1967 بحجج مختلفة، منها: الذرائع الأمنية، وأن المنزل مقام من دون ترخيص، ولوقوع هذه المنازل قرب المستوطنات أو بمحاذاة الطرق الالتفافية. ومنذ 35 عاماً ومحمكة العدو العليا تشرعن المسّ بالأبرياء وتمنح الضوء الأخضر لهدم البيوت كوسيلة عقابيّة. وقد هُدمت مئات البيوت الفلسطينية خلال السنوات الماضية لمنفذي عمليات، أو حتى ممن اشتُبه فيهم بتنفيذها، وكان ذلك أداة ضغط كبيرة على الفلسطينيين بحجة ردعهم عن أي عمليات ضد المستوطنين والجنود.
وإذا ما احتسب أن تدمير البيوت في غزة بالصواريخ الكبيرة، خاصة منازل منفذي العمليات أو سكان المناطق الحدودية، ضمن السياسة نفسها، فإن أعداد المنازل التي دمرتها إسرائيل لهذه الأسباب تتخطى عشرات الآلاف. ورغم أن الهدف المعلن إسرائيلياً هو أن الهدم يشكل عامل ردع، فقد تبين أن من فقدوا منازلهم أصبحوا أكثر احتقاناً وغضباً من ذي قبل، خاصة أن المتضرر الأول هو النساء والأطفال وكبار العمر.
وقبل سنوات، تحديداً في عام 2005، تبنّى رئيس هيئة الأركان السابق لجيش العدو، شاؤول موفاز، توصيات اللجنة العسكرية التي طلبت التوقف عن هدم بيوت عائلات الفلسطينيين المشتبه فيهم بتنفيذ عمليات. وحددت اللجنة آنذاك أن هدم البيوت ليس وسيلة مجدية لردع الفلسطينيين، بل على العكس تزيد حدة العمليات وعددها. رغم ذلك، لم تكفّ سلطات العدو عن تسليم إخطارات بالهدم أو الهدم الفعلي لمنازل الفلسطينيين في مختلف المناطق، شملت أخيراً المناطق المصنفة «أ» التي تقع تحت سيطرة السلطة الفلسطينية.
ووفق إحصاء لـ«مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الانسانية ــ أوتشا»، فقد هدمت قوات العدو منذ بداية العام الجاري ما مجموعه 417 مبنى في الضفة المحتلة، بما فيها شرقي القدس، ما أدى إلى تهجير 495 فلسطينياً، من بينهم 277 طفلاً.
وحالياً، مع ارتفاع وتيرة العمليات الفردية، زاد في المقابل هدم المنازل الفلسطينية، وآخرها أول من أمس، حينما هدمت قوات العدو منزل الأسير ماهر الهشلمون في الخليل، وهو منفذ عملية دهس وطعن مجموعة من المستوطنين في تجمع «عتصيون» في الخليل، قبل أكثر من عام، وقد حكم عليه بقضاء أربعة مؤبدات وغرامة مالية.
بعد هدم البيت، سارعت زوجة الأسير لتكتب على صفحتها في «فايسبوك»: «صحيت من النوم عالوحدة وربع ع خبر هدم البيت. إي والله افرحت. والله انهم مش عارفين كيف بدهم يقهرونا، بس بصراحة احنا شعب مالو حل. من الآخر بستاننا بصدرنا... وفرحنا بمولاتنا لربنا. ما حد يزعل. ما حد يتدايق. الله الجبار بجبرنا. مسائي بفوزي بمنزل جديد». وفي حديث إلى «الأخبار»، قالت: «ماهر ما زال حياً الحمد لله، رغم تنكيل قوات الاحتلال. أملنا بالله كبير، أولاده ينتظرونه ويشتاقون إليه، ولن نيأس»، مشيرة إلى أنها تقيم الآن في منزل جده في الخليل.
ولعل كون ماهر الهشلمون حياً ساهم في زيادة صبر هذه العائلة، على خلاف حال مئات العائلات التي فقدت أبناءها ثم منازلها. من هؤلاء عائلة أبو جمل، التي استشهد ابناها غسان وعدي في عملية قتل فيها خمسة مستوطنين متطرفين وأصيب نحو 13 آخرين بجراح في القدس قبل أشهر، وهدمت لها ست شقق قبل نحو أسبوعين، ليخسر أكثر من 45 شخصاً أمكنة سكنهم، رغم أن قرار المحكمة الإسرائيلية كان يقضي بهدم منزل الشهيد غسان فقط.
أيضاً، سحب الجنود هوية نادية أبو جمل، زوجة الشهيد غسان، ونفوا الأطفال عن أمهم، كما حرموا العائلة العلاج في المراكز والمستشفيات في الداخل الفلسطيني المحتل، ومستحقات التأمين والخدمات الأخرى. أما بيت الشهيد عدي، فجرى إغراقه بالإسمنت وأغلقت نوافذه وأبوابه، وطردت العائلة منه. وسياسة إغراق البيوت بالإسمنت تنفذها قوات العدو في حالة كان يقع البيت في عمارة سكنية كبيرة لا تعود إلى العائلة نفسها.
في المنطقة نفسها، في جبل المكبر في القدس، فجرت قوات العدو منزل الشهيد محمد جعابيص، الذي دهس إسرائيلياً حتى الموت العام الماضي وقُتل مباشرة برصاص الاحتلال. وقد فجّرت شقته في الطابق العلوي من المنزل، حيث تسكن والدة محمد جعابيص اليوم وحدها. ونتج من هذا التفجير ضرر كبير في الطابق السفليّ، حيث يسكن شقيقه شاكر وزوجته وأولادهم الأربعة.
إلى جانب ذلك، تتواصل آلاف الإخطارات وأوامر الهدم التي يسلمها الاحتلال للفلسطينيين يومياً في المناطق كافة. ويشير المدير العام لـ«مركز القدس للمساعدة القانونية»، عصام العاروري، إلى معاناة هذه العائلات في ما يخص عملية البناء لاحقاً. ويقول: «عادة يكون إخطار الهدم أو أمر الهدم مرفقاً بقرار منع بناء في المكان نفسه، وخاصة في مدينة القدس»، مستدركاً: «في الخليل، قبل حوالى شهر، جرت حملة جمع التبرعات من عائلات ميسورة من أجل إعادة إعمار المنازل التي هدمها الاحتلال».

نتج من تدمير البيوت هذا العام تهجير 495 فلسطينياً منهم 277 طفلاً

أما عن حال أصحاب البيوت التي يجري إغراقها بالإسمنت، فيقول العاروري: «في هذه الحالة لا تستطيع العائلة إعمار بيتها أو دخوله، فيضطر كثيرون إلى السكن في بيوت بالأجرة أو عند ذويهم. كل حالة تختلف وفق قرار محكمة الاحتلال، فمنهم من يُنفى من مدينته أو يبقى فيها».
لكن، بمتابعة العائلات التي هدمت بيوتها، لا تخفى المعنويات العالية دائماً، وإصرار من فقد بيته على إكمال حياته رغم التشريد والإحباط. رغم ذلك، فإن ثمة استنزافاً مادياً كبيراً إضافة إلى صعوبة البناء، خاصة في مناطق القدس، وغلاء البيوت في ظل غياب أي مساعدة قيمة من السلطة الفلسطينية.
عطفاً على ذلك، يشير الأمين العام لـ«تجمع أسر الشهداء»، محمد صبيحات، إلى وجود معونات للعائلات المتضررة بفعل الهدم، من وزارتي الأشغال والمالية، لكن «الإجراءات الروتينية تأخذ وقتاً طويلاً، إضافة إلى العجز المالي الذي تعانيه السلطة، إلى حدّ أن هناك بعض ملفات البيوت عالقة منذ الانتفاضة الثانية».
وفي الهبة الشعبية الجارية، أظهر الفلسطينيون ممانعتهم لمزيد من عمليات الهدم. وسعى الشبان إلى تشكيل دروع بشرية حول المنازل المخطرة بالهدم وداخلها. مثلاً، منذ تسليم عائلة الشهيد مهند الحلبي، في رام الله، إخطار الهدم، يرابط الشبان والناشطون من مختلف المناطق حول البيت.
الأمر نفسه في مخيم قلنديا الذي تسلم فيه عدد من العائلات إخطارات هدم، ومنهم الأسير محمد أبو شاهين الذي اعتقل بتهمة تنفيذه عملية إطلاق نار قرب قرية دير بزيع، غرب رام الله، كان نتيجتها مقتل مستوطن وإصابة اثنين آخرين. وأمام منزل أبو شاهين، يتناوب الشبان يومياً في خطوة لمنع هدم منزل العائلة.
«رغم غياب الاستنكارات العربية والدولية، فإن إسرائيل بكل الأحوال تضرب عرض الحائط بالقوانين الدولية ودعوات المنظمات الدولية»، يقول الخبير القانوني حنا عيسى، «تستند سلطات الاحتلال في منهجها المنظم في هدم البيوت إلى نص المادة (119) فقرة (1) من قانون الطوارئ البريطاني لسنة 1945، مع معرفتها المسبقة بأن هذا القانون تم إلغاؤه لحظة انتهاء الانتداب على فلسطين».
يضيف عيسى: «يندرج هذا تحت سياسة التطهير العرقي، وهو مخالفة جسيمة لنص المادة 53 من اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 التي تحرّم تدمير الممتلكات مهما كانت، وهو انتهاك صارخ لنص المادة 17 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان التي تنص على أنه لا يجوز تجريد أحد من ملكه تعسفاً».