القاهرة | لا يخفى أن القاهرة أجلت «الملف الإثيوبي» تماماً طوال الأشهر الماضية من أجل التنسيق مع الأطراف الإقليمية والدولية التي تفيدها في التصويت والحصول على المقعد غير الدائم في مجلس الأمن، وذلك كي تضمن أصوات الدول الأفريقية. وعموماً، حصلت مصر، يوم أمس، على المقعد بأغلبية 190 إلى 179، من بداية عام 2016 حتى نهاية 2017.
الحسابات المصرية كانت تقول إنه ليس من المجدي تفجير الأزمة من جديد في مثل هذا التوقيت، وخصوصاً أن شروط الفوز بالمقعد كانت تتطلب حصول الدولة المرشحة على 129 صوتاً، أي ثلثي عدد الدول في الجمعية العامة للأمم المتحدة، والأهم أن أكثر من 50 دولة من الأعضاء في الجمعية العامة هي دول أفريقية كان يجب ضمان أصواتها، ولهذا كانت تتخوف القاهرة من أن يقابل أي تصعيد تجاه أديس أبابا في مسألة «النهضة» بانخفاض نسبة التصويت لها. أي أنها كيف ستهاجم إثيوبيا وهي تقول إنها تسعى إلى مساعدة أفريقيا عبر المقعد؟
اتفق ذلك تماماً مع التصريحات المصرية المطمئنة، التي خرجت بعد تأجيل الاجتماع الثلاثي الأخير بين مصر والسودان وإثيوبيا، بالقول إنه «لا صحة لما تردد حول تغيير مسار مفاوضات سد النهضة، وما تم هو تعديل موعد انعقاد الاجتماع فقط». وكان مقرراً للاجتماع أن ينعقد في الرابع والخامس من الشهر الجاري، وفق بيان الرئاسة المصرية.
وبرغم مساوئ تأجيل المفاوضات على مصر في ظل استمرار الجانب الإثيوبي في بناء السد، بل الانتهاء من 48% من هيكله، فإن مصر لم تصعّد وخرجت بأكثر من تأكيد رسمي بأنه لا خلافات حول المفاوضات.
في الوقت نفسه، تريد القاهرة من الاجتماع الثلاثي المقبل حل الخلافات بين المكتبين الاستشاريين المختصين بدراسات السد، على قاعدة «تقريب وجهات النظر بينهما حسب النسب المتفق عليها (70% للفرنسي، و30% للهولندي)» (راجع العدد ٢٥٥٠ في٢٤ آذار).

بعد الحصول على مقعد مجلس الأمن، ستسارع القاهرة للوصول إلى حل

وما يدل على أهمية مقعد مجلس الأمن أكثر من أي شيء الآن هو تصريحات سابقة لوزير الخارجية، سامح شكري، عن أن الرئيس عبد الفتاح السيسي بنفسه، هو من كان ينسق للترويج للمقعد. قال شكري آنذاك، إنه «خلال لقاءات السيسي وزياراته الخارجية، دائماً ما يكون موضوع ترشيح مصر لمجلس الأمن على قائمة الموضوعات التي تُثار في الاجتماعات في إطار استقطاب التأييد. لنا دوائر مختلفة ننتمي إليها، ونتوقع منها أن تكون مؤيدة لنا، لكننا نطرح أيضاً رؤيتنا إزاء المسؤوليات التي سنضطلع بها في المجلس».
الآن، وفق المتوقع، فإن الخمول المصري في القضية الأهم مستقبلياً مع تصاعد المخاوف الشعبية من تأثير سد النهضة في حصة مصر السنوية من مياه النيل (تبلغ 55.5 مليار متر مكعب) آن له أن ينتهي.
انقطاعات مياه الشرب الأخيرة في محافظة الجيزة، جنوبي القاهرة، كانت بسبب انخفاض منسوب مياه النيل 10 سم، فكيف إذا بدأت إثيوبيا تخزين المياه؟ كما أن الدولة مقبلة على مشروع زراعة مليون ونصف مليون فدان، وهو مشروع يوليه الرئيس السيسي اهتماماً خاصاً ويعتبره إحدى أفكاره الخاصة بالتنمية مثل قناة السويس الجديدة والمشروع القومي للطرق.
في غضون ذلك، يرى وزير الخارجية الأسبق، محمد العرابي، أن مصر «لن تتخلى أبداً عن ملف التفاوض في أزمة السد الجديد». وأضاف: «لكل مرحلة وسائلها، ونحن الآن في مرحلة حسن النوايا، ومصر مستمرة في مسار التفاوض بشأن السد، وملتزمة بالنقاط التي وقع عليها الرئيس السيسي أخيراً في السودان».
لكن، في حال تعثر المفاوضات، وفق العرابي، «سيكون هناك تدخل رئاسي كما حدث من قبل»، لافتاً إلى أن حصول مصر على مقعد مجلس الأمن كان متوقعاً وجاء «نتيجة التوافق الأفريقي». وبناءً على ذلك، فإن «الحرص كان واجباً، لكن الجميع يتوقعون محاولات سريعة من الجانب المصري لفتح هذا الملف الشائك مرة أخرى».
يشار إلى أن مصر حصلت على عضوية مجلس الأمن غير الدائمة أربع مرات من قبل، آخرها في عامي 1996 و1997. وأيد الاتحاد الأفريقي ترشحها حينما اعتمد المجلس التنفيذي لوزراء الخارجية الأفارقة في كانون الأول الماضي في إثيوبيا بنداً يتعلق بدعم هذا الترشح، ولأفريقيا ممثلون في مجلس الأمن الآن هم: أنغولا ونيجيريا وتشاد.