بغداد | منذ أسابيع، ينشغل الوسط السياسي العراقي بالحديث عن «الإصلاحات»، في ظل ضغط واضح لتراجع أسعار النفط وتكاليف الحرب على «داعش». ومع التحدي الأمني تخشى الأطرف مجتمعة من أن التباطؤ في معالجة المشكلات الداخلية سيضاعف من الأعباء التي تواجهها الحكومة العراقية.البرلمان العراقي الذي وجد نفسه، قبل شهرين، أمام خيار واحد هو التصويت على تأييد حزمة «الإصلاحات الحكومية»، لم يستمر في تطبيق ما أعلنه رئيسه سليم الجبوري، في جلسة الحادي عشر من آب الماضي، التي تضمنت أيضاً إعلان حزمة أخرى سميت «الإصلاحات البرلمانية».

ما تتفق عليه غالبية الأطراف داخل العراق هو أن «أي إصلاح يفترض أن يؤسَّس على مواجهة الفساد، من دون الانصراف إلى قضايا ثانوية». هذه القاعدة لم تكن كافية لتدفع بالسلطة التشريعية نحو التخلص من ضغط المحاصصة السياسية، التي عطلت دور البرلمان لأعوام. بدا ذلك واضحاً خلال عمليتي استجواب كان هدفهما المعلن مواجهة ملفات فساد مفترضة، الأولى مع وزير الكهرباء، انتهت بالتصويت على «القناعة بالأجوبة»، ليتكرر الأمر مع وزير الدفاع، ما أثار جدلاً واسعاً، مع العلم بأن ملف الكهرباء كان السبب في تظاهرات المدن العراقية، قبل أن تتوسع بمطالب أخرى، منها إصلاحات سياسية.
الحماية السياسية كانت واضحة داخل البرلمان للوزيرين، كذلك التبريرات التي رافقت تجديد «الثقة» بهما، لم تكن ذات جدوى، إضافة إلى ذلك، بدا الحديث باهتاً عن أن ملفات الفساد في العراق تعود إلى الحكومات السابقة، إذ لم يجرِ، حتى الآن، فتح أي من ملفات الفساد التي ترتبط بوزراء الكتل الكبيرة السابقين، ضمن حملة الإصلاحات، وأغلب الظن أن السبب هو احتفاظ عامل «التوافق» بقدرته على التأثير في القرار السياسي.
يقر صادق اللبان، وهو عضو ائتلاف «دولة القانون» ــ الذي ينتمي إليه رئيس الحكومة حيدر العبادي ويتزعّمه رئيس الحكومة السابق نوري المالكي ــ بأثر الضغط السياسي على مشاريع الإصلاح، سواء داخل الحكومة أو البرلمان.
ويشير اللبان في حديث لـ«الأخبار» إلى أن «الإصلاحات إذا وقعت في شرك المحاصصة، لا يمكن أن تنجح وبالتالي تتحول إلى شكلية»، مضيفاً أن «أي إصلاحات يلمسها الشارع العراقي مرهونة بتجاوز حاجز حصص الكتل، وهذا لا يجري إلا عبر قرارات شجاعة لرئيس الحكومة».
اللافت أن «التغيير» الذي تحدثت عنه غالبية الأطراف السياسية، وهي تناغم الشارع والمرجعية الدينية في النجف، مرتبط بإصلاحات جذرية لا وقتية، وهذا لن يكون من دون أن ينصرف البرلمان العراقي إلى مهمة «الإصلاحات»، لا أن يترك للحكومة كما يجري الآن، لأن النظام البرلماني في العراق لا يتيح للسلطة التنفيذية سوى إجراءات سطحية وقتية.
وتؤكد عضو اللجنة القانونية في البرلمان العراقي، ابتسام الهلالي، لـ«الأخبار» أن «الإصلاحات في غالبيتها تحتاج إلى تشريعات وقوانين جديدة لأنها تصطدم بمعوّقات دستورية وقانونية». وتشير في هذا المجال، إلى ضرورة تحويل مجلس الوزراء قرار إعفاء نواب رئيس الجمهورية الثلاثة إلى البرلمان، بعدما كان قد أعلنه العبادي في حزمة الإصلاحات الأولى، ذلك أن الموضوع ليس من صلاحيات رئيس الحكومة، ومن المعروف أن تعيين نواب الرئيس جرى وفق قانون أقره البرلمان العراقي في دورته السابقة، استجابة لمتطلبات المحاصصة السياسية بين القوى الكبيرة.
وفي هذا الإطار، تظهر حالة التردد عند العبادي في حملة الإصلاحات، وهي لم تكن بمعزل عن مواقف الأحزاب الرئيسة، التي لا تبدو مستعدة للدفع بحصتها السياسية قرباناً للمساهمة في التخفيف من أعباء الأزمة الاقتصادية واستجابة لضغط الشارع والمرجعية الدينية.