القاهرة | لا يبدو أن الترحيب المصري بالحكومة الليبية الجديدة، المزمع عقدها برئاسة فايز السراج (عضو مجلس النواب الليبي عن حكومة طرابلس)، يتعدى أن يكون ترحيباً دبلوماسياً. ترحيبٌ لا يخفي قلق القاهرة من هذه الحكومة وأعضائها المقترحين حتى الآن، وذلك بعد وفاق طويل مع الحكومة المؤقتة السابقة برئاسة عبد الله الثني في طبرق.
وإن لم يستمر الوفاق مع الحكومة الجديدة (لا تزال أسماؤها مقترحة)، فقد تتغير سياسات القاهرة ناحية الأزمة الليبية، نظراً إلى ما تحمله الحدود المشتركة بين البلدين من أهمية للطرفين، خصوصاً لمصر التي ترى أن تأمين هذه الحدود يجعلها تتفرغ لحربها الداخلية مع «الإرهاب».
حكومة الوفاق الوطني، الأصل بها أن تكون أمل ليبيا الأخير لوجود جهة واحدة معترف بها دوليا تحكم الدولة. وفضلاً عن اقتراح فايز السراج رئيساً لها، اتُّفق على أن يرأس عبد الرحمن السويحلي مجلس الدولة، لكنه رفض ذلك، ثم اقترح ثلاثة نواب للسراج هم: موسى الكوني وأحمد معيتيق وفتحي المجبري، والثلاثة ممثلون عن شرق وغرب وجنوب ليبيا، بجانب وزيرين آخرين هما عمر الأسود من الزنتان، ومحمد العماري ممثل «المؤتمر العام الوطني» فى طرابلس. مع هؤلاء، ثمة 17 اسماً لوزراء مقترحين يبدو أنها أخضعت لفكرة المحاصصة بين الأحزاب والأقاليم الرئيسية للبلاد (طرابلس وبرقة وفزان).
أما الخارجية المصرية، فإنها بعد دقائق من إعلان المبعوث الأممي، برناردينو ليون، أسماء حكومة الوفاق، أكدت في بيان أنها «ستقف إلى جانب أشقائها الليبيين في كل لحظة لمساعدتهم على تحقيق طموحاتهم وتطلعاتهم وحفظ أمنهم واستقرارهم»، وأنها «مرتاحة لهذا التطور المهم». ولعل هذا في ظاهره طبيعي، لأن جزءاً من حوار حكومة الوفاق حصل أساساً في القاهرة حينما اجتمع ليون مع أعضاء في مجلس النواب الليبي. لكن مصر تعلم جيداً أن الإسلاميين لهم نصيب من هذه الحكومة لإرضاء كل الأطراف الليبية، وما يزيد قلقها أن يتخذ «الإخوان المسلمون» هذه الحكومة سبيلاً للانتقام لجماعتهم في مصر من نظام عبد الفتاح السيسي.

يزيد قلق القاهرة من أن يتخذ «الإخوان» هذه الحكومة سبيلاً للانتقام من نظام السيسي

ففي حال تشكيل الحكومة بهذه الطريقة، سيكون على النظام المصري الجلوس معهم، تأميناً لجبهته الغربية وحدوده المتسعة مع ليبيا، ولكن عينه لن تغفو كلياً. سراج نفسه آتٍ من طرابلس التي تسيطر عليها «فجر ليبيا» المدعومة من «الإخوان» وقطر وتركيا. كذلك إن عبد الرحمن السويحلي الذي كان مرشحاً أولاً لرئاسة مجلس الدولة هو عضو «المؤتمر العام»، وأحد من يتهمهم الليبيون بإفشال الحوار من الأساس، وهو أيضاً الشخص الذي تقدمت دول مثل الولايات المتحدة وبريطانيا بطلب لمجلس الأمن في حزيران الماضي لفرض حظر سفر عليه.
كذلك إن فتحي بشاغة (رئيس مجلس الأمن القومي)، من مصراتة، التي يسيطر عليها الإسلاميون، فضلاً عن وزير الدولة المرشح محمد العماري، وهو عضو «المؤتمر» ومؤيد لجماعة «الإخوان» أيضاً.
هذه الأسماء المعلنة لا يمكن أن تضمن الوفاق مع مصر، ويكفي أن اختيار طارق محمد يوسف المقريف، محافظاً للمصرف المركزي في ليبيا، يدعم هذه الفكرة، لأنه يعمل في قطر وتربطه بسياسييها علاقات قوية، فيما الدوحة على خلاف دائم مع القاهرة.
مقارنة بالماضي الذي قد يستمر، فإن حكومة الثني كانت على وفاق كبير مع القاهرة، ولم تنقطع لقاءاتها مع السيسي والخارجية المصرية، منذ توليها المسؤولية في الحادي عشر من آذار 2014. ويبدو أن ذلك لم يكن مع الحكومة الجديدة بأسمائها المقترحة الآن.
وأكثر ما يثير المخاوف المصرية هو أن اللواء خليفة حفتر (القائد العام للجيش الليبي الذي يسيطر على بنغازي) معرض للإقالة في حال إقرار الحكومة بقيادة فايز السراج، لأن المسودة المقترحة تتيح لرئيس الوزراء تغيير القائد العام للجيش. ومنذ مدة طويلة، يطالب «المؤتمر العام» بإبعاد حفتر، الذي يتهمه «الإخوان» بأنه يتلقى دعماً من القاهرة، فيما يدعم هو السيسي، الذي وصفه بأنه أنقذ بلاده والقارة الأفريقية من الفوضى.
هذه المخاوف يزيد عليها الخلاف الذي ظهر في حديث الرئيس التونسي، الباجي قايد السبسي، في زيارته الأخيرة لمصر، خصوصاً حول شخصية حفتر الذي لا تحبه تونس، فضلاً عن أنها ضد أي تدخل عسكري في ليبيا.
يقول الكاتب الليبي أحمد الفقيه، إن الموقف المصري من الحكومة الجديدة سيكون بالمثل، فإن «عادتهم سيعادونها»، وهو ما يعني أن «القاهرة ستنتظر حتى ترى كيف سيتصرف وزراء حكومة الوفاق لتتخذ موقفها». وأضاف: «منذ البداية كانت القاهرة ممن يدفعون إلى هذا الحل، ولأنها تعرف أنّ الحكومة الجديدة مطلب دولي فقد كانت أول المرحبين». وعن تمثيل المجموعات الإسلامية المسلحة، قال الفقيه: «كان يجب مراضاتهم»، وعلينا استيعاب الميليشيات فى إطار رسمي لكي تحيا ليبيا».