أربيل | أدى عدم حسم مشكلة كرسي الرئاسة في إقليم كردستان ــ العراق وتراكم المشاكل الاقتصادية، إلى ظهور احتجاجات كبيرة وساخطة في بعض المدن الكردية، ومهاجمة مقار «الديموقراطى»، ما خلق تشنّجاً سياسياً لا مثيل له، منذ الحرب الداخلية، في تسعينيات القرن الماضي.
منذ الخميس الماضي، خرجت تظاهرات في محافظتين لإقليم كردستان، تطالب بإصلاحات سياسية واقتصادية، من أهمها حسم مسألة كرسي الرئاسة في الإقليم، وهو ما لم تستطع الأحزاب السياسة الاتفاق عليه، رغم مرور أكثر من شهرين على انتهاء ولاية مسعود البرزاني.
في بعض مناطق حدود محافظتي سليمانية وحلبجة، هاجم المتظاهرون مقار الحزب «الديموقراطي»، محمّلين الحزب مسؤولية سوء الأوضاع السياسية والاقتصادية، بسبب عدم صرف رواتب الموظفين المتراكمة من ثلاثة أشهر وعدم تنازله عن الكرسي الرئاسي.

اشتعلت التظاهرات بعدما لم تستطع الأحزاب الـ5 الاتفاق على حلّ لمشكلة الرئاسة


اشتعلت نيران التظاهرات، بعدما لم تستطع الأحزاب الخمسة الرئيسية في إقليم كردستان في اجتماعها، المنعقد يوم الخميس الماضي، الاتفاق على حل لمشكلة كرسي الرئاسة. فبعدما قدّمت الأحزاب الأربعة ــ وهي «الاتحاد الوطني الكردستاني» برئاسة جلال الطالباني و«حركة التغيير» و«الاتحاد الإسلامي الكردستاني» و«الجماعة الإسلامية» ــ اقتراحين إلى «الديموقراطي» لحل مشكلة الرئاسة، لم يوافق الأخير على أيّ منهما وتقدم بمشروع جديد، تراه الأحزاب الأخرى إعادة لقانون رئاسة الإقليم الحالي، الذي تسعى إلى تعديله باتجاه تقليص صلاحيات الرئيس وعدم تولّي البرزاني ولاية أخرى في رئاسة إقليم كردستان.
بعد تسع جولات من الاجتماعات، قررت الأحزاب الأربعة تعليق اجتماعاتها مع «الديموقراطي» بشأن مشكلة الرئاسة، في معضلة ظلت تشغل الرأي العام في الإقليم، منذ شهر حزيران الماضي.
وكشف عضو الوفد المفاوض لـ«حركة التغيير» في اجتماعاته الخماسية، رابون معروف، عن وصول مفاوضات الأحزاب الأربعة مع «الديمقراطي» إلى طريق مسدود في ما يتعلق بمشكلة كرسي الرئاسة، وهذا الأمر بسبب أجندات «لاديموقراطية» للـ«الديموقراطي»، بحسب قوله.
وقال رابون معروف لـ«الأخبار» إن الحزب «الديموقراطي» «ليس لديه أي مشروع ديموقراطي لحل المشكلة، ويجب أن يراجع سياسياته وسيناريواته، وإلا فسيتأزم الوضع السياسي أكثر في إقليم كردستان».
في المقابل، يصرّ «الديموقراطي» على ضرورة الاستمرار في الاجتماعات من أجل حلّ مشكلة الرئاسة وعدم تعليقها، خشية تحويلها إلى برلمان الإقليم لحلّها، حيث قد لا يستطيع الحزب «الديموقراطي» عرقلة غالبية الأحزاب الأربعة في ما يتعلق بحسم القضية، بما يتماشى مع مطالباته بإعادة البرزاني إلى كرسي الرئاسة للعامين المقبلين.
وقد شدد عضو برلمان إقليم كردستان وكتلة «الديموقراطي» بيار دوسكي على ضرورة الاستمرار في الاجتماعات لحسم مشكلة كرسي الرئاسة. وقال لـ«الأخبار» إنه «يجب حل المشكلة عن طريق التوافق، وليس داخل البرلمان، حيث تحاول الغالبية فرض إرادتها علينا». في مقابل ذلك، يرى عضو برلمان كردستان من كتلة «الاتحاد الوطني الكردستانى» عباس فتاح، في حديث إلى «الأخبار»، أن «لا خيار أمام الأحزاب إلا بالرجوع إلى شرعية برلمانية، في حال أصرّ الحزب الديموقراطي على مطالباته الحالية».
وليس بعيداً عن الاجتماعات الخماسية والحساسيات السياسية بين أحزاب الإقليم، أصبح الشارع أكثر تشنّجاً من ذي قبل. ففي حدود محافظتي سليمانية ودهوك، اللتين تعدّان من أهم معاقل الأحزاب الأربعة المنافسة لـ«الديموقراطي»، هاجم المتظاهرون مقار هذا الحزب وأشعلوا النيران فيها، وأدّت المواجهات بين المتظاهرين وأفراد حماية المقار إلى قتل خمسة متظاهرين وإصابة العشرات.
وإثر الهجمات على مقاره، صبّ «الديموقراطي» جام غضبه على «حركة التغيير» واتهمها بالوقوف وراء الاحتجاجات وتأجيجها. وفي بيان رسمي للمكتب السياسي للحزب، أصدره السبت، وعد بردّ قاسٍ ضد «حركة التغيير» التي يترأسها نيجرفان مصطفى، النائب السابق للطالباني، والذي انشق عنه في عام 2009.
وبعد يوم على البيان، قامت قوات الأمن التابعة لـ«الديموقراطي» بإقفال مكاتب محطتين تلفزيونيتين في أربيل ودهوك، ورحّلت موظفيهما إلى حدود السليمانية.
في مواجهة ذلك، أصدرت «حركة التغيير» بياناً اتهمت فيه الموقف الرسمي لـ«الديموقراطي» بـ«غير المسؤول»، واتهمته باتباع الخطاب ذاته الذي اتُّبع أيام الحرب الداخلية، في محاولة منه لجعل إقليم كردستان إدارتين، وحمّلت الحركة حزب البرزاني المسؤولية عن كل الأحداث والمشاكل السياسية التي كانت وراء ظهور التظاهرات في الأيام الماضية.