يعيش قادة «حركة المقاومة الإسلامية ــ حماس» وعناصرها هذه الأيام حالة من الفرح بعد نجاح «ابنهم» الاستشهادي، عبد الحميد أبو سرور، في تفجير باص تابع لشركة «إيجد» الإسرائيلية، ما أسفر عن إصابة ٢٠ إسرائيلياً في القدس المحتلة، قبل أيام. لا تقتصر فرحة هؤلاء على تمكن أبو سرور من الوصول إلى هدفه وعدم انكشافه فحسب، بل صاروا على يقين بأن «انتفاضة القدس»، بعد التفجير، دخلت مرحلة جديدة ستصعّد فيها المقاومة عملياتها ضد العدو، وستتغيّر طبيعتها من دهس وطعن إلى محاولة تنفيذ تفجيرات إذا استطاع المخططون والمنفذون ذلك. وبعد إعلان إعلام العدو الإسرائيلي استشهاد «المشتبه فيه» بتفجير الحافلة، سارعت «حماس ــــ الضفة»، إلى إعلان اسم المنفذ ونشرت صوره في مخيم عايدة، في بيت لحم. الهدف من سرعة تبني الاستشهادي (مع عدم تبني العملية)، تأكيد أن «الانتفاضة لم تنطفئ كما فاخر (رئيس حكومة العدو بنيامين) نتنياهو، وأن عملياتنا في تصاعد نوعي»، تقول مصادر في المقاومة الفلسطينية.
وتعترف المصادر بأنه في الأشهر الماضية نجحت الأذرع الأمنية للسلطة الفلسطينية والعدو، على حد سواء، في خفض عدد العمليات، بعدما ألقت القبض على بعض الخلايا النائمة، لكنها تؤكد أن «العمل على ضرب العدو في الداخل لا يزال مستمراً.. هناك خلايا تعمل بصمت وستضرب في الوقت المناسب».
اختيار صغار السن للتخطيط والتنفيذ موضع بحث قديم

ففي الشهور الماضية، راقبت قيادة المقاومة في الضفة مسار العمليات الفدائية، فوجدت أن عددها انخفض وأن العدو صار ينعم ببعض الأمن، لذلك كان يجب تنفيذ عمل كبير «لإعادة الزخم الى الانتفاضة، ولتحفيز الشباب للخروج وتنفيذ عمليات طعن ودهس، فكانت عملية القدس». أما عن توقيتها، فتقول مصادر المقاومة إنها اتت رداً على استمرار «(رئيس السلطة الفلسطينية محمود) عباس في تنسيقه الأمني، وطلبه من الإسرائيليين الخروج من المنطقة (أ) لبسط سيطرته الأمنية عليها، وللرد على تفاخر مدير مخابراته ماجد فرج في إحباط ما يقارب مئة عملية، ولتأكيد أن كل الإجراءات الأمنية لن تمنع الشبان من الخروج لتنفيذ عمليات جديدة».
وبعد ٢٤ ساعة على تنفيذ العملية، أعلنت شرطة العدو اعتقال الخلية «المسؤولة عن تخطيط العملية وتنفيذها»، وفق بيان صادر عن المتحدثة باسم شرطة العدو، لوبا السمري. ووفق المعلومات، فإن أفراد الخلية، هم ثلاثة شبان من عايدة، أكبرهم لا يتجاوز العشرين عاماً، والمعتقلون من أصدقاء الاستشهادي، في الصف الدراسي نفسه.
اختيار صغار السن في التخطيط لعمليات فدائية وتنفيذها كان موضع بحث قيادة «حماس» خلال اجتماع عقد في دمشق عام ٢٠١٠. حينذاك، قرر المجتمعون أن الطريقة الفضلى للعمل في الضفة المحتلة هي تشكيل خلايا من الشباب أو ما يسمى «جيل أوسلو». ففي نظر قيادة المقاومة، هؤلاء لا يملكون أي ملفات أمنية، لدى السلطة الفلسطينية أو العدو، ما يصعّب من اعتقالهم. كما كان التقدير أنهم يملكون الحافز لتنفيذ عمليات ضد العدو، فأغلبهم سمع روايات وقصص عن شهداء الانتفاضة الثانية، وهم يعانون يومياً ممارسات العدو القمعية، وأدركوا أن ما وعد به آباؤهم كقيام دولة لم ولن يتحقق.
هذا التخوف من غضب هذه الفئة من المجتمع الفلسطيني وقدرتها على تنفيذ عمليات وأخذ الأمور إلى تصعيد أكبر قد لا تريده الفصائل، هو ما عبر عنه مسؤول الساحة الفلسطينية في شعبة «الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية ــ أمان»، خلال مقابلة أجراها أمس لتقويم الأوضاع الأمنية. ورأى أن «العامل المركزي الذي يصعب حل لغزه في الهبّة الحالية هم الشباب؛ حتى الآن كانوا يسمونهم جيل المصالحة الذي نسي معنى أن يكون المرء فلسطينياً، والآن وجدوا لأنفسهم صوتاً». ثم أضاف: «هذا جيل يركل كل شيء: يركل السلطة، يركل إسرائيل، يركل جيل الآباء ويركل الفصائل. هو أكثر تعقيداً على الفهم».
في المقابل، أدركت المقاومة الغضب الموجود لدى هؤلاء الشباب، فغيرت نمط عملها ونوع عملياتها ليتماشى مع الجيل الجديد، وطلبت من مقاوميها تشكيل خلايا صغيرة من أنصار أو منتمين تنظيمياً، لا يتعدى أفرادها أربعة أشخاص يحددون الأهداف التي تناسبهم لضربها، أو حتى إلى حد ينفذ كل فرد منهم عمليته الخاصة.
مع تغيير نوعية العمليات، غيّرت الفصائل طريقة تعاطيها معها، فلم تعد تسارع إلى تبنيها كما كان يجرى خلال الانتفاضة الثانية (في بعض الحالات كان أكثر من فصيل يتبنى العملية نفسها)، بل اعتمدت سياسة المبادرة إلى «التبريك» بالعمليات فقط، وتبني منفذها من دون تبني الفعل بحد ذاته.
ولمجاراة طريقة عمل الجيل الجديد، باركت الفصائل أي عمل يستهدف العدو، وأعلنت عدم الحاجة إلى وجود قرار مركزي بتنفيذ أي عملية (على عكس الانتفاضة الثانية). تضيف مصادر المقاومة أن «العمل في الضفة يختلف عن غزة، ويتطلب الاعتماد على اللامركزية المطلقة حتى يصعب على العدو ضرب الخلايا أو الإمساك بها».
هذه السياسة، وفق بعض المسؤولين، «ستلجم يد العدو وستمنعه من الرد مباشرة، مثل شن حرب على غزة أو تنفيذ عملية اغتيال معلنة... قد تجبره على رد موضعي لا يجر إلى حرب». وبرغم هذه القراءة «المطمئنة»، فإن قيادة المقاومة في غزة والخارج شددت إجراءاتها الأمنية، خوفاً من عمل أمني قد يستهدفها عبر تسميمها أو تفجير عبوات ناسفة. وتقول المصادر إن «إسرائيل لن تسعى الى الرد علناً، لكننا نتوقع رداً أمنياً يحمل بصمات إسرائيل ولا يحمّلها مسؤولية مباشرة».
بالنسبة إلى إسرائيل، وبرغم الضربة التي تلقتها، فإنها لا ترى أن ما جرى في القدس سيجرها إلى حرب، برغم حالة «الردع الهش» الذي قد ينفجر في وجهها في أي لحظة، لأن «الظروف المعيشية الموجودة في القطاع الآن تشبه التي سادت قبل حرب عام ٢٠١٤». ووفق الضابط في «أمان»، فإن «حماس مردوعة من المواجهة بسبب الضائقة المعيشية التي يعانيها سكان القطاع. ففي غزة، يوجد اليوم ثماني ساعات غير متوالية من الكهرباء في اليوم، ونسبة البطالة تصل إلى ٥٠٪، لذلك فإن قدرة الحركة على أخذ السكان الى مواجهة هي قدرة محدودة».
وقال الضابط، أيضاً، إن هناك ثلاثة سيناريوات قد تؤدي إلى اندلاع حرب على غزة (الرد على ما يجري في الضفة ليس أحدها): الأول مبادرة الحركة إلى شن عملية بعد تيّقنها من أنه لا يمكنها المواصلة في الوضع الحالي من حصار وضائقة اقتصادية، وذلك بتنفيذ عملية أسر جديدة تأتي بمفاجأة كبيرة، وهذا الخيار يقوده (قائد «كتائب القسام» محمد) ضيف و(مسؤول لواء خان يونس يحيى) السنوار. أما السيناريو الثاني، فهو تنفيذ عملية استباقية أو وقائية، إذا شعرت الحركة بأن إسرائيل حلت لغز الأنفاق وتعرف طريقة تدميرها، لذا ستقرر استخدامها قبل فقدانها. السيناريو الثالث، وهو الأكثر إثارة للقلق الإسرائيلي، تصعيد عمليات إطلاق الصواريخ وتكثيفها، مثلما جرى قبل حرب «الجرف الصامد».
كذلك رأى الضابط نفسه أنه في أي حرب مقبلة مع «حماس»، ستكون الحركة «معنية ببدئها بإدخال عدد كبير من المقاتلين لضرب أهداف عسكرية ومدنية على حد سواء، لأنها تعتبر أن تحقيق إنجاز بهذا الحجم في بداية الحرب لا يمكنه أن يمحى مهما استمر القتال. لهذا الغرض، فإن الحركة تبني هذه الأنفاق الهجومية والدفاعية: هذا هو لب عقيدتها القتالية». واختتم بأن «النفق الذي اكتشف هو جزء من هذا الجهد، برغم أنه قديم ولم يكتشف خلال الجرف الصامد... يحتمل ألا تكون حماس استخدمته بسبب عدم جاهزيته العملياتية، أو أن النشاط في الجانب الإسرائيلي جعل استخدامه صعباً».