تتخطى حاجة الولايات المتحدة إلى إنشاء قواعد ثابتة لها في العراق حدود المصلحة الاستراتيجية في هذا البلد، لتلامس أهدافاً إقليمية ودولية. من هنا، يولي الجيش الأميركي أهمية خاصة لقواعده المنتشرة على امتداد مساحة بلاد الرافدين. وقد تحولت هذه القواعد إلى ما يشبه المدن الأميركية، في مشهد يؤكد أنه لا نية في الأفق للانسحاب من العراق
علي شهاب
في بدايات الغزو عام 2003، أنشأ الاحتلال الأميركي ما يزيد على مئة قاعدة عسكرية لإحكام قبضته على مقدرات العراق. في عام 2006، انخفض عدد القواعد إلى 55، لأسباب تتعلق بضربات المقاومة، فضلاً عن موازنات وزارة الدفاع. وبعد ما يقارب سبع سنوات، يعيد الجيش الأميركي انتشاره ليقتصر على قواعد ثابتة خارج المدن مستقلة استقلالاً كاملاً عن السيادة العراقية وقادرة على استضافة الجنود لسنوات طويلة، بحسب ما تشير إليه البنى والمنشآت والخدمات الملحقة بهذه القواعد.
وقبل الخوض في أشكال الانتشار الأميركي في العراق، لا بد من تسليط الضوء على الأهداف التي يحققها بناء القواعد الثابتة، وهي كالآتي:
• توفير دعم لوجستي للقوات (سواء في العراق أو في حالة الحرب على دولة مجاورة).
• توفير محطة انطلاق لمختلف أذرع الجيش في عملياته القتالية.
• الضغط لتحقيق مكاسب جيوسياسية واقتصادية.
علماً بأن هذه القواعد تتنوع بحسب الأدوار المطلوبة منها، وهكذا يمكن الحديث عن: حصون ومعسكرات تدريب ومواقع رادار.
على صعيد فرق الجيش، يتوزع الانتشار العسكري الأميركي في العراق على ثلاث فرق:
تتميز قواعد الاحتلال بأنظمة الصرف الصحي والشوارع النظيفة وشبكات الإنارة الدائمة
• فرقة القوات الأميركية في الشمال: تُعرف أيضاً بـ«قوة مهمات البرق». وهي مسؤولة عن العمليات في بلد، كركوك، تكريت، الموصل وسامراء. وتتولى فرقة المشاة الثالثة الآتية من قاعدة «فورت ستيوارت» في ولاية جورجيا الأميركية، قيادة هذه الفرقة.
• فرقة القوات الأميركية في الوسط: تتولى قيادتها قوة مشاة البحرية الأميركية الاستطلاعية الثانية. تنتشر في الرمادي والفلوجة، فيما تنتشر فرقة «سلاح الفرسان» الأولى، الآتية من قاعدة «فورت هود» في ولاية تكساس الأميركية، في العاصمة بغداد.
• فرقة القوات الأميركية في الجنوب: تُعرف أيضاً بـ«فرقة ريد بول». تعمل في المنطقة الممتدة ما بين جنوب العراق ومشارف بغداد. تتولى فرقة المشاة الـ34 الآتية من قاعدة روزيمونت في ولاية مينيسوتا الأميركية قيادة فرقة القوات الأميركية في الجنوب.
تشغل الفرق الثلاث القواعد العسكرية على اختلاف أحجامها، ففيما يتركز آلاف الجنود في قواعد كبيرة، يحتفظ الاحتلال أيضاً بمئات الجنود داخل قواعد صغيرة في المدن لـ«أهداف إرشادية واستشارية».
مدن مستقلة
على عكس مدن العراق التي تعاني حرماناً في أبسط مقومات الخدمات، تتميز قواعد الاحتلال بأنظمة الصرف الصحي والشوارع النظيفة وشبكات الإنارة الدائمة، علماً بأنّ انكفاء القوات إلى داخل القواعد يفرض توفير كل حاجات الجنود، من دون الاضطرار إلى شراء سلع وبضائع من أسواق العراقيين. لهذا الهدف، يعمل آلاف العمال من جنسيات مختلفة، من أفريقيا وآسيا، في توفير خدمات للقوات، بدءاً بمراكز التدليك والترفيه إلى مطاعم الوجبات السريعة، مع الإشارة إلى أن معظم هؤلاء العمال يبيتون في أماكن خاصة خارج القواعد، ويخضعون لترتيبات أمنية خاصة قبل توجههم إلى العمل.
ومن المعروف أن معظم القواعد العسكرية الأميركية كانت في السابق قواعد للجيش العراقي. لكن بعضها، مثل «معسكر بوكا» الذي يضم معتقلاً أيضاً قرب الحدود الكويتية العراقية، شُيِّد بعد الغزو.
أما أبرز قواعد الاحتلال في العراق:
1 ـــــ المنطقة الخضراء: المنطقة الخضراء في بغداد هي مركز ثقل قيادات الاحتلال العسكرية والسياسية والأمنية، فضلاً عن ضمها السفارة الأميركية الأضخم في العالم (ستة أضعاف مساحة مقر الأمم المتحدة في نيويورك) ومقارّ الشركات الأمنية وسفارات معظم الدول التي تملك تمثيلاً في العراق. في عهد النظام السابق، كانت تضم القصر الجمهوري والعديد من المؤسسات الحاكمة سابقاً وحالياً. تتعرض المنطقة لقصف مستمر من العديد من فصائل المقاومة. وبالرغم من انتقال المسؤولية الأمنية إلى القوات العراقية، فإن الإجراءات الأمنية والخطط المطبقة في هذه المنطقة تخضع لإرادة الاحتلال.
أُنشئت بعض القواعد لتلبية حاجات القوات في حالة الحرب مع إيران
2 ـــــ معسكر «فيكتوري»: داخل بغداد. يتكون عمليّاً من خمس قواعد تضم أكثر من 20 ألف جندي. وعلى الرغم من أنه يمكن قطع المسافة من هذا المعسكر إلى وسط العاصمة العراقية خلال مدة زمنية لا تزيد على ربع ساعة بالسيارة، وبالرغم من امتداده على جانبي حدود بغداد، يقول المسؤولون العراقيون إنهم وافقوا على اعتبار أنه خارج المدينة، لذا لم يسرِ عليه قرار انسحاب القوات من المدن. إضافة إلى معسكر «النصر» الرئيسي، يضم المعسكر قاعدة «الحرية» ومعسكر «كروبر»، الذي يضم «أخطر» المعتقلين. ويضم المعسكر القسم العسكري من مطار بغداد بمساحة خمسة كيلومترات مربعة. يشمل المعسكر في مرافقه أيضاً قصر «الفاو» المخصص لاستضافة مؤتمرات القوات الأميركية ولقاءات كبار مسؤولي الاحتلال.
3 ـــــ معسكر «فالكون» (أو «الصقر»): يقع عند الأطراف الجنوبية للعاصمة بغداد. هو عبارة عن قاعدة عمليات متقدمة لسلاح الجو تستوعب 5 آلاف جندي. بنته كتيبة الهندسة 439 في أواخر أيلول 2003. وترى الحكومة العراقية أنه خارج العاصمة، وذلك لتفادي إصدار استثناء بشأنه.
4 ـــــ معسكر «الرفاهية»: يقع بالقرب من مجمع السفارة الأميركية في المنطقة الخضراء. يضم القوات المقاتلة التابعة لفوج المدفعية السابع الميداني. يمثّل الجنود في هذا المعسكر قوة تدخل سريع لتوفير حماية للسفارة وأطقم الاحتلال من المدنيين في المنطقة الخضراء، وقد استُثني من الاتفاق بين الحكومة العراقية والاحتلال تحت هذه الذريعة، مع العلم بأنه يضم أكثر من 14 ألف جندي ومتعاقد.
5 ـــــ قاعدة بلد: وسط العراق، إلى الشمال من بغداد. تمتد على مساحة 15 ميلاً مربّعاً، وتستوعب ما يقارب عشرين ألف جندي. هذه القاعدة هي الأكثر شهرة بين القواعد التي شيدها الاحتلال في العراق، حيث تشهد ازدحاماً في الحركة الجوية، لأنها تضم طائرات نقل ومقاتلات جوية. وهي ثاني أضخم مهبط جوي في العالم بعد مطار هيثرو في لندن. بالقرب من هذه القاعدة يقع معسكر «أناكوندا» المخصص لتوفير الإمداد والدعم والخدمات اللوجستية لهذه القاعدة القادرة على أداء دور إقليمي في أي صراع في الشرق الأوسط. تضم مجمعين كاملين للرياضة ومسابح أولمبية، وملعباً للغولف، ودار سينما وسوقين ضخمين.
6 ـــــ قاعدة التاجي: إلى الشمال من بغداد، في منطقة التاجي. هي موقع سابق للحرس الجمهوري العراقي. أقرب ما يكون إلى مدينة أميركية، حيث تضم وسائل نقل متطورة (في أنفاق تحت الأرض) ومطعم «برغر كينغ» وفرعاً لـ«بيتزا هات» وغيرها من أماكن الترفيه.
7 ـــــ قاعدة الأسد الجوية: تقع على بعد 120 ميلاً إلى الغرب من بغداد، قرب بلدة «خان البغدادي». تستضيف 17 ألف جندي. تضم مطاعم عدة للوجبات السريعة، سوقاً لتجارة السيارات ونظام نقل خاص. في عام 2008، خصصت وزارة الدفاع مبلغ 39 مليون دولار لربط هذه القاعدة بشبكة الكهرباء العراقية وتوسيع مدرجاتها، ما يشير إلى نية الاحتلال للبقاء فترة طويلة فيها.
8 ـــــ معسكر «رينيغايد»: يقع عند حقول النفط ومصفاة التكرير ومصنع البتروكيماويات في مدينة كركوك. يستوعب 1664 جندياً من القوات الجوية يشغلون 13 مبنى.
9 ـــــ قاعدة الناصرية: جنوب العراق. تقع على ضفاف نهر الفرات. لا معلومات كافية عن هذه القاعدة، لأنها تؤدي دوراً في مواجهة «الخطر الإيراني» في تلك المنطقة. صرف البنتاغون مبلغ 22 مليون دولار لإنشاء سياج إلكتروني مزدوج وبوابة إلكترونية متطورة وأبراج مراقبة وخندق يحيط بالقاعدة.
10 ـــــ مركز الدوريات «شوكر»: على بعد أربعة أميال من الحدود الإيرانية قرب بلدة «بدرة» العراقية. يضم 240 جندياً ومتعاقداً يشغلون المركز منذ شهر تشرين الثاني عام 2007. هي واحدة من أربع قواعد أنشأها الاحتلال للتعامل مع مستجدات الملف الإيراني. القواعد الأربع تحوي منصات صواريخ ورادارات شبيهة بتلك التي استخدمها الجيش الأميركي في حرب الخليج الأولى. بحسب مصادر عراقية، أُنشئت هذه القواعد لأداء دور لوجستي في حالة الحرب مع إيران.
11 ـــــ قاعدة الحرية: في الموصل، هي أحد المواقع الرئاسية للرئيس السابق صدام حسين. تشغلها الوحدة 101 المحمولة جواً.
12 ـــــ معسكرات متفرقة في الفلوجة وتكريت والموصل وبين أربيل وكركوك.


الاتفاقية الأمنية

بحلول الحادي والثلاثين من كانون الأول عام 2011، يكتمل الانسحاب التدريجي للاحتلال من مدن العراق، بحسب الاتفاقية الأمنية، التي أتاحت للجيش الأميركي تنفيذ عمليات قتالية وتسيير دوريات أمنية «بالتنسيق مع القوات العراقية». وحتى موعد «جلاء» أخر جندي من العراق، تقضي الاتفاقية بسحب تدريجي حتى آب 2010، مع بقاء قوات يتراوح عددها ما بين 35 ألفاً إلى 50 ألف جندي يتولون تقديم «استشارات» للعراقيين.
غير أن الكثير من مواد الاتفاقية تتضمن مصطلحات وعبارات «فضفاضة»، كالمادة التي ترفض استخدام أراضي العراق ومياهه وأجوائه ممراً أو منطلقاً لشنّ هجمات على دول أخرى، أو المواد التي تتحدث عن عمليات الاعتقال شرط الحصول على إذن قضائي عراقي، إلا في الحالات التي تكون أثناء «عمليات قتالية».