أُعدم علي حسن المجيد «الكيماوي» ليقلّ عدد رجال صدام حسين في العراق. دُفنت معه حقبة كانت سمتها جرائم النظام السابق
بغداد ــ زيد الزبيدي
من الصعوبة أن يتحدث أحد في عراق اليوم عن أي دور إيجابي لابن عم الرئيس السابق صدام حسين، علي حسن المجيد، الذي نُفِّذ فيه حكم الإعدام صبيحة أول من أمس. حتى رغد حسين، ابنة صدام، أصبحت تصفه ـــــ بعد الاحتلال ـــــ بأنه «عنصر السوء في العائلة». لكن لن يستطيع أحد أن يمحو صور علي المجيد وعزة الدوري وجلال الطالباني ومسؤولين أكراد آخرين، وهم يرقصون الدبكة الكردية في عام 1991، من دون أن يتذكروا أن «الكيماوي» قصف حلبجة بالأسلحة الكيميائية، وقتل قرابة خمسة آلاف مواطن كردي، ومن دون أن يذكروا شيئاً عن «قمع الانتفاضة في الشمال والجنوب» التي تزامنت مع نهايات الحرب الأميركية الأولى على العراق.
وتكتسب استعادة هذه الذكريات أهمية، لأن البعض يربط بين إعدام المجيد وصدور الحكم الرابع عليه بالإعدام في «قضية حلبجة»، بعدما سبق لدول غربية أن اتهمت إيران في حينها بارتكاب تلك المجزرة، فيما اتهم الرئيس جلال الطالباني، أخيراً، نائبه السابق نوشيروان مصطفى بأنه كان السبب في القصف، لأنه أدخل الإيرانيين، وخصوصاً قوات «الباسيج»، إلى منطقة حلبجة رغم تحذيرات صدام. إلا أن نوشيروان برّر خطوته بالقول إنه لم يكن على علم باتصالات الطالباني مع صدام حسين والحكومة العراقية آنذاك.
ويعترف الساسة الأكراد بأنهم استفادوا من قضية حلبجة، وخاصة من الناحية الإعلامية، لذا كان تركيزهم على المجيد باعتباره «نقطة ضعف»، لما عرف عنه من قسوة بلغت حد قتل أخيه كامل، وولديه حسين وصدام، أزواج بنات صدام حسين في عام 1995، لأنهم «خرجوا عن تقاليد العائلة» باختلافهم مع صدام ولجوئهم إلى الأردن، إذ لم تشفع لهم عودتهم تائبين.
ونقطة الضعف الأخرى هي أنّ «الكيماوي» تقلّد مناصب مهمة وأصبح وزيراً للدفاع، وحمل رتبة فريق أول ركن، رغم أنه كان نائب ضابط ولم يتخرج من كلية عسكرية. إلا أن ولاءه لصدام كان كافياً لإيصاله إلى أعلى المراتب.
قتل شقيقه وابنيه ويرى البعض أن توقيت إعدامه لغايات انتخابية
وُلد في 30 تشرين الثاني 1941، في تكريت، ولم تعرف له نشاطات سياسية قبل وصول حزب البعث إلى الحكم عام 1968. إلا أن صلة القربى جعلت صدام حسين يعتمد عليه في الكثير من القضايا الحساسة، وقد برز عندما أصبح صدام رئيساً للجمهورية ولحزب البعث عام 1979، ولا سيما عندما جرت تصفية عدد من قادة «البعث» بتهمة التآمر على صدام بالتعاون مع سوريا، فأدى المجيد دوراً رئيسياً في عملية «تطهير حزب البعث».
وقبل أسبوع من إعدامه، ويوم أصدرت المحكمة الجنائية الخاصة حكم الإعدام الرابع عليه، بدا الرجل غير مكترث، كعادته، إذ سبق أن سمع هذا الحكم ثلاث مرات من قبل في «حملات الأنفال» و«انتفاضة الشيعة» و«أحداث صلاة الجمعة». وكعادته، ردّد المجيد، مرتدياً الزي العربي التقليدي، «الحمد لله، الحمد لله».
وسبق للرجل أن تقلّد العديد من المناصب البارزة، من بينها وزارة الدفاع إبّان نظام صدام حسين، وعُين حاكماً للكويت بعد احتلالها في آب 1990، ثمّ شغل منصب وزير الحكم المحلي في 1991، وكان يشغل المنصب نفسه عام 1989. ولم يشغل، في السنوات الأخيرة السابقة للغزو الأميركي، أي منصب وزاري، حتى عيّنه صدام حسين في 15 آذار 2003 قائداً لجنوب العراق، وذلك بعد تقسيمه إلى أربع جبهات، بهدف تنظيم الوضع عسكرياً استعداداً للحرب.
اعتقلته قوات الاحتلال في 21 آب 2003، وكان يحتل الرقم خمسة على لائحة أوراق اللعب التي أصدرتها واشنطن لأكثر من 55 مطلوباً من مسؤولي النظام العراقي.
ومن المفارقات في إعدام «الكيماوي»، أنّ الطالباني، عضو «الاشتراكية الدولية» التي ألغت عقوبة الإعدام، أصدر مرسوماً جمهورياً بالتصديق على إعدام المجيد، إلا أن الحكومة لم تنفذه. إلا أنّ نائب الرئيس طارق الهاشمي رأى أنّ أحكام الإعدام لا تُنفَّذ دستورياً إلا بمرسوم جمهوري، ما أوقف عجلة الإعدامات، وخاصة أنّ الطالباني كان من المعترضين على إعدام وزير الدفاع السابق سلطان هاشم.
من هنا يرى البعض أنّ إعدام المجيد في هذا التوقيت، حصل لهدف انتخابي، وخصوصاً أنّه أعقب زيارة نائب الرئيس الأميركي جوزف بايدن لبغداد.
وفي السياق، أعلن حزب البعث، في بيان، أنّ «هذه الجريمة تأتي في سياق نزعة إجرامية حاقدة على العراق والعروبة ورموزهما، وتعبّر عن أحقاد دفينة في نفوس أعداء العراق والأمة العربية». وأضاف أنّ «توقيت الجريمة يؤكد أنها جزء من التنافس والمزايدات الانتخابية بين الكتل العميلة للاحتلال الأميركي ـــــ الإيراني في العراق».