هل لا يزال الأمل بالمصالحة الفلسطينية قائماً؟ وهل من الممكن التعويل على الحراك الأخير لخالد مشعل في العواصم العربية، على اعتبار أنه جزء من الجهود لإعادة إحياء هذا الملف؟ وهل ستتمكن العواصم من تحريك المياه الراكدة؟ الأجوبة عن هذه الأسئلة قائمة على النفي، إلى الآن، ما دامت القاهرة لا تزال قابضة على الملف
حسام كنفاني
حين حطّ رئيس المكتب السياسي لـ«حماس»، خالد مشعل، في الرياض والتقى الملك السعودي عبد الله، راجت الكثير من التحليلات والتقديرات عن دور سعودي قريب في ملفّ المصالحة الفلسطينية يذكّر بمساعيها لإبرام اتفاق مكّة في عام 2007، ولا سيما أن استقبال القيادي في الحركة الإسلاميّة كانت سابقة منذ عملية الحسم العسكري في قطاع غزّة في 14 حزيران من العام نفسه.
زيارة مشعل للسعوديّة فتحت له أبواب العواصم الخليجية، الكويت والإمارات والبحرين، ما زاد من شدّة التكهنات بحراك ما على صعيد ملف إنهاء الانقسام الفلسطيني. تكهنات دعمتها مواقف مسؤولين رفيعي المستوى من حركة «حماس»، في مقدمتهم مشعل نفسه، الذي قال، بعد اجتماعه مع وزير الخارجيّة السعودي سعود الفيصل: «قطعنا شوطاً كبيراً في المفاوضات والحوارات الفلسطينية الفلسطينية». كلام مشعل أرفق مع موقف مماثل من رئيس الحكومة المقالة في قطاع غزّة، إسماعيل هنيّة، الذي أعلن أن القاهرة وافقت على استقبال وفد من «حماس» لمناقشة ملاحظاتها على الورقة المصريّة للمصالحة.
الأجواء الإيجابيّة هذه، أُلحقت بزيارة لوزير الخارجية السعودي لشرم الشيخ، حيث التقى الرئيس المصري حسني مبارك، ليعلن بعدها أن الرياض تدعم جهود القاهرة في ملف المصالحة الفلسطينية.
على ما يبدو، كان هذا التصريح كافياً لاندثار الأجواء الإيجابية، لتحلّ مكانها الأصوات التشاؤميّة، التي كان آخرها للقيادي في «حماس»، محمد نزال، الذي أكد أن المصالحة الفلسطينية وصلت إلى طريق مسدود.
مَن سدّ هذا الطريق، وكيف؟ تتقاطع المصادر على اسم القاهرة عائقاً أساسياً في هذا المجال، وخصوصاً لجهة إصرارها على رفض إعادة فتح «الورقة المصرية» للنقاش أو التعديل، وتقر في الوقت نفسه بأنّ «حماس» لن توقّع على الورقة بصيغتها الحاليّة.
وينقل مصدر فلسطيني مطّلع عن مسؤول رفيع المستوى في الاستخبارات المصرية تقديره المسبق أن «حماس» لن توقع في المرحلة الحالية، واستخفافه بتصريحات مشعل وهنية من الرياض وغزّة على اعتبار «أنها لم تحمل جديداً».
المسؤول الاستخباري يلخّص الموقف المصري: «التوقيع على الورقة أولاً». ويشير إلى أن المسؤولين في القاهرة أبلغوا الحركة الإسلامية بضرورة «التوقيع على الورقة المصريّة كما هي، من دون تعديل. وأن أي تعديلات على الورقة يُتَّفَق عليها بين الفلسطينيين أنفسهم بعد التوقيع». ويشدّد على أن «الورقة لن تفتح مرّة أخرى للنقاش».
المسؤول الاستخباري نفسه يلمّح إلى أنه لا رأي واحداً لـ«حماس» في ما يخصّ الورقة المصريّة، وهو ما تنفيه مصادر مقرّبة من الحركة، مشيرة إلى أن موقف «حماس» من داخل قطاع غزّة أكثر ليونة من القيادات في الخارج التي تملك القرار. غير أن مصدراً مقرّباً من الحركة الإسلامية ينفي التباين، مشيراً إلى أن الفارق في المواقف هو في القدرة على المناورة لقيادات الخارج أكثر من قيادات الداخل الخاضعة للحصار والضغط.
الموقف المصري من المصالحة لم يقف عند حدود رفض فتح «الورقة المصرية» للنقاش، بل يتعداه إلى ما يشبه وضع فيتو على أي جهود من الممكن أن تجمع بين مشعل والرئيس الفلسطيني محمود عبّاس خلال زيارته المرتقبة لدمشق. ويؤكد المسؤول الاستخباري المصري، مسبقاً، أن أبو مازن لن يلتقي مشعل في العاصمة السورية. ويشير، كأن بحوزته جدول أعمال زيارة الرئيس الفلسطيني، إلى أنها ستقتصر على لقاءات مع المسؤولين السوريين. ويقلّل المصدر نفسه، حسبما نُقل عنه، من أهميّة زيارة مشعل للسعودية، وما قد ينتج منها من ضغط على الجانب المصري لتذليل العقبات أو إبداء ليونة في ما يخصّ ملف المصالحة، مبدياً اطمئنانه إلى أن الرياض «تدعم الجهود المصريّة، ولن تكرّر تجربة اتفاق مكة».
المسؤول المصري يقرّ بأنّ العقبة الأساسية في طريق المصالحة هي بسبب «استمرار حالة الاحتقان في العلاقات بين مصر وكلاً من قطر وسوريا وإيران». ويكرّر اتهامه دمشق والدوحة وطهران بالتدخّل لدى خالد مشعل لمنع «حماس» من التوقيع على الورقة المصرية والمطالبة لاحقاً بتعديلها، مستدلاً على ذلك بأن المصريين كانوا حتى اللحظات الأخيرة في أجواء التوقيع على الورقة، وجُهِّزت دعوات لاحتفاليّة المصالحة قبل أن «تصبّ حماس ماءً بارداً على ما كان يُعدّ، عبر إعلانها عن تحفّظات». ويشير إلى أن القاهرة رفضت رسميّاً تسلّم ملاحظات «حماس»، التي وصفها بأنها «تافهة»، مضيفاً أن بعض النقاط المعترض عليها كانت «حماس» قد صاغتها وقدمتها في حوارات القاهرة. ورأى أن التعديلات غير مفهومة «ولا علاقة لها بالورقة المصرية، بل بعرقلة التوقيع. ولا تتضمن أي نقاش حقيقي أو جاد، بل هي مجرد مضيعة للوقت واستنزاف للعبة الزمن».

ما هي ملاحظات «حماس»؟

لم تعلن «حماس» صراحة عن تحفّظات كاملة على ما ورد في الورقة المصريّة، غير أن الكثير من المواقع المقرّبة من الحركة الإسلاميّة نشرت مقتطفات من البنود المعترض عليها، مع إضافة تفسيرات تعلّل سبب رفض الحركة التوقيع على الورقة بصيغتها الحاليّة. ويمكن تجميع تسعة تحفّظات أساسية لـ«حماس» على الورقة المصرية:
1 ـــــ البند الذي يربط مهمات حكومة الوفاق الوطني برفع الحصار. سبب الرفض في نظر «حماس» هو الخشية من أن يعني هذا الرضوخ لمطالب اللجنة الرباعية (الاعتراف بإسرائيل، وبالاتفاقات الموقعة، ونبذ العنف).
2 ـــــ رفض الاكتفاء بعبارة إعادة هيكلة الأجهزة الأمنية الفلسطينية، من دون الإشارة إلى شمول هذا الإجراء لقطاع غزة والضفـة الغربية.
3 ـــــ الاعتراض على إضافة فقرة «التعاون المشترك مع أجهزة الدول الصديقة المشابهة لمكافحة أي أعمال تهدد السلم والأمن المشترك، أو أي من مجالات الأمن الداخلي، شرط المعاملة بالمثل». وتعلّل «حماس» رفضها، بأن بقاء هذا البند قد يبرر التعاون الأمني مع إسرائيل، وهو ما لا ترفضه.
4 ـــــ إضافة فقرة تنص على «حظر إقامة أي تشكيلات عسكرية خارج إطار الهيكل المقرر لكل جهاز أمن». وترى «حماس» أن هذه الفقرة من الممكن أن تستخدم لتفكيك فصائل المقاومة التي لا تنتمي أصلاً إلى أي تنظيم عسكري أو أمني رسمي للسلطة.
5 ـــــ تحفّظ على إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية متزامنة. على اعتبار أن التوافق على تمديد ولاية الرئيس الفلسطيني لا يعني إجراء انتخابات تشريعية.
6 ـــــ اعتراض على البند المتعلّق بالتمثيل النسبي في

أبو مازن لن يلتقي مشعل في دمشق وزيارته ستقتصر على الجانب الرسمي

استئناف مفاوضات التسوية أسهل، وقد يسبق استئناف جهود المصالحة

الانتخابات التشريعية، الذي يقول «إن قانون الانتخابات يجب أن يُراجَع وفقاً لما تقتضيه مصلحة الوطن». وترى «حماس» أن «هذا كلام فضفاض، يترك المجال مفتوحاً أمام التحليلات والاجتهادات، ويُبقي باب المدة الزمنية لتنفيذه موارباً».
7 ـــــ التحفظ على إدراج موضوع «التهدئة والمفاوضات مع إسرائيل» في الورقة المصريّة. وتبرّر «حماس» ذلك بـ«أنّ الحركة لا ترى أن للمصالحة علاقة بالتهدئة والمفاوضات».
8 ـــــ الاعتراض على حذف نص كان موجوداً في الورقة الأولى، وهو: «وتُعَدّ هذه المهمات غير قابلة للتعطيل باعتبارها إجماعاً وطنياً جرى التوافق عليه». وترى الحركة أن الحاجة ملحّة إلى هذا البند، لأنّ غيابه يعني «ترك السلطة تتصرف بدون مرجعية وطنية، ما قد يؤدي إلى اتخاذها قرارات تمسّ بالمصالح الوطنية الفلسطينية العليا».
9 ـــــ في ما يخص تأليف قيادة مؤقتة لمنظمة التحرير لحين إعادة بنائها، تتكون من رئيس وأعضاء اللجنة التنفيذية، ورئاسة المجلس الوطني، والأمناء العامين للفصائل، وشخصيات مستقلة. واستبدلت كلمة بالتوافق في فقرة «تشكيل اللجنة العليا للانتخابات بالتوافق وأن يصدر مرسوم رئاسي بتشكيلها في ضوء هذا التوافق»، بـ«بعد التشاور مع القوى السياسية»، وحذفت كلمتا «إعادة بناء» وهيكلة الأجهزة الأمنية.
وتشير «حماس» إلى أن هذا معناه أن «تكون القيادة المؤقتة هي صاحبة القرار والإقرار، وأن المراسيم التي ستصدر عن رئيسها، وهو رئيس السلطة، ستُعَدّ ملزمة».

«التسوية أسهل»

وفق هذه الاعتراضات، تسيّر «حماس» موقفها من الورقة المصرية. اعتراضات كبيرة، لا يبدو أن القاهرة في أجواء القبول بها. وعلى هذا الأساس يأتي كلام المسؤول الاستخباري المصري، وفق ما نقلت عنه المصادر الفلسطينية، «لا مصالحة قبل أشهر. واستئناف مفاوضات التسوية أسهل، وقد يسبق استئناف جهود المصالحة». المسؤول نفسه يؤكّد واقعة باتت مسلّمة: «لا فتح لمعبر رفح قبل المصالحة».


اليمن أولاً

بعد توضّح الصورة في ما يخص جهود المصالحة، وظهور مدى إحكام القبضة المصرية على الملف، تتقاطع المصادر على أن زيارة رئيس المكتب السياسي لـ«حماس»، خالد مشعل، إلى الرياض لم تكن مخصّصة للمصالحة في المقام الأول، بل إن هذا الملف جاء في المرتبة الثالثة على قائمة المناقشات.
ويتّفق مصدر مقرّب من «حماس»، مع آخر مطلع في السلطة، على أن البند الأول في جدول نقاشات مشعل كان اليمن والمعارك التي تخوضها السعودية مع الحوثيين، ولا سيما أن الرياض تسعى إلى حشد ما أمكن من المواقف إلى جانبها، وهي بالتالي أرادت الاستماع من مشعل صراحة إلى موقف «حماس» من الحرب مع الحوثيين. أما البند الثاني فهو الموقف من إيران، وهو ما عبّر عنه سعود الفيصل أخيراً. وثالثاً تأتي المصالحة.