Strong>منذ اليوم الأول للعدوان، وجّهت «حماس» أصابع الاتهام إلى السلطة الفلسطينية لتنسيقها مع القوات الإسرائيلية في الحرب على قطاع غزّة. اتهام بقي في إطار الشبهات، غير أن الأيام التالية لتوقف الحرب أماطت اللثام عن عدد من التقارير الإسرائيلية والعربية، التي تعزّز تلك الشبهات. تقارير عن وثائق وتسجيلات، أسندت بتصريحات إسرائيلية عن دور ما للسلطة، التي واظبت على الإنكارأين كانت السلطة من العدوان على قطاع غزّة؟ وهل حدّة الانقسام الفلسطيني تسمح للسلطة الفلسطينية بالتآمر على قطاع غزّة لضرب حركة «حماس» في مقتل، واستعادة السيطرة على هذا الشريط الساحلي؟ وهل يستحق هذا الأمر سقوط مئات الشهداء من المدنيين الأبرياء؟
أسئلة كثيرة تطرح لدى الحديث عن شبهة وجود دور للسلطة الفلسطينية في التنسيق مع الاحتلال خلال العدوان على قطاع غزّة. شبهات أثارتها حركة «حماس» في بادئ الأمر، عندما خرج الكثير من مسؤوليها ليتهموا الرئيس الفلسطيني محمود عبّاس بالضلوع في العدوان. اتهامات وضعت في بادئ الأمر في دائرة المناكفات السياسية التي أعاد طرفا الانقسام الفلسطيني القيام بها عبر سوق الاتهامات يميناً ويساراً.
غير أن مضيّ أيام ما بعد العدوان، وظهور تقرير المحقق الدولي ريتشارد غولدستون وبدء سريانه في أروقة مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، بدأ يكشف، على ألسنة مسؤولين إسرائيليين وتقارير دولية، عن أداء السلطة الفلسطينية دوراً في عملية صنع قرار الحرب الإسرائيلية.
وما تضمّنه تقرير غولدستون من اتهامات لإسرائيل بارتكاب جرائم حرب في العدوان على غزة، وضع سلطة محمود عبّاس في موقف حرج، مع تزايد المطالبات بالتوجّه إلى محكمة العدل الدوليّة. إجراء بدأته السلطة الفلسطينية مع لقاء وزير العدل الفلسطيني علي خشان مع المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية لويس مورينو ـــــ أوكامبو، أثارت من خلاله حنق المسؤولين الإسرائيليين، الذين صبّوا جام غضبهم على السلطة، وكشفوا عما يمكن أن يكون لها دور في العدوان.
كشف تناوب عليه مسؤولون رفيعو المستوى في الدولة العبرية. ففي الثالث عشر من أيار الماضي، كشفت صحيفة «هآرتس» عن أن رئيس الأركان الإسرائيلي غابي أشكينازي بعث برسالة إلى وزير العدل يعقوب نئمان، ووزير الخارجية أفيغدور ليبرمان، والمستشار القضائي للحكومة مني مزوز، احتجّ فيها على السلوك الفلسطيني. ورأى أن هذا السلوك «خطير في ضوء العلاقات بين إسرائيل والسلطة، ولا سيما في ضوء التعاون الأمني في محاربة حماس، والقتال المشترك ضد العدو المشترك في حملة الرصاص المصهور».
ليبرمان: السلطة الفلسطينية دعت إسرائيل إلى «سحق» حركة «حماس» خلال العدوان
كذلك ذكرت صحيفة «معاريف»، في التاريخ نفسه، أن محافل سياسية رفيعة المستوى في إسرائيل تعرب عن غضبها من سياسة السلطة في ما يتعلق بمحاولات تقديم ضباط من الجيش الإسرائيلي وسياسيين إلى المحاكمة أمام المحكمة الدولية في لاهاي. وكشفت عن وثيقة أُعدّت لعناية وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان، ورد فيها أنه في أثناء حملة «الرصاص المصهور»، «ضغطت محافل فلسطينية رفيعة المستوى على إسرائيل للعمل بحزم لإسقاط حكم حماس».
الغضب الإسرائيلي اعتبرته الصحف بمثابة «خيانة» من السلطة الفلسطينية، إذ أجرت مصادر سياسيّة رفيعة المستوى مقارنة بين أداء السلطة خلال العدوان وما بعده، مشيرة إلى أن مسؤولي السلطة «من جهة، ضغطوا علينا كي نضرب حماس في غزة وشجعوا الخطوة العسكرية، وطلبوا أن ننقذ رجالهم في غزة، وأن ندخلهم إلى المستشفيات، وأن نقدم لهم المساعدة. طلبوا تحرير سجناء في أعقاب الحملة. كلّ طلباتهم استجيبت، والآن ينتهجون هذه اللعبة المزدوجة».
المعطيات الإسرائيلية أعلنها أفيغدور ليبرمان صراحة، خلال زيارته إلى كوبنهاغن في تشرين الثاني الماضي، حين أكد أن السلطة الفلسطينية دعت إسرائيل إلى «سحق» حركة «حماس» خلال العدوان. واتهم السلطة بممارسة «الازدواجية القبيحة».
بعد زوبعة مساعي السلطة في لاهاي، التي انتهت إلى لا شيء من دون معرفة إن كانت أسبابها مرتبطة بالكلام الإسرائيلي على المشاركة في العدوان، جاء عرض تقرير غولدستون على مجلس حقوق الإنسان في أيلول الماضي. كثير من الكلام قيل عن مسبّبات سحب مندوب السلطة الفلسطينية في مقر الأمم المتحدة في جنيف، إبراهيم خريشة، التقرير من قاعة التصويت.
أسباب ردّت إلى ترخيص لشبكة هاتف خلوي يملكها نجل محمود عباس في الضفة الغربية، وأخرى وضعته في إطار مساعي سلام فيّاض لعدم إغضاب الإدارة الأميركية. أما تبرير السلطة فكان عدم حصول التقرير في لحظة تقديمه على الأصوات الكافية، على اعتبار أن السحب كان ضرورياً، وبالتشاور مع المجموعتين العربية والإسلامية، لحشد المزيد من الأصوات.
لكن الأبرز كان ما نشرته صحيفة «الدستور» المصرية في عددها الصادر في السادس من شهر تشرين الأول الماضي، عندما أشارت إلى اجتماع عقد في واشنطن بين ممثلين عن السلطة وآخرين يمثلون الحكومة الإسرائيلية، خصّص لمطالبة الطرف الفلسطيني بعدم تمرير تقرير غولدستون.
وبحسب رواية الصحيفة، فإن «الفلسطينيين رفضوا الاستجابة للطلب، وحينئذ جاء أحد أعضاء الفريق الإسرائيلي، وهو العقيد إيلى افراهام، وعرض على جهاز كمبيوتر شريطاً مصوّراً للقاء وحوار بين الرئيس الفلسطيني محمود عباس ووزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك، بحضور وزيرة الخارجية (خلال العدوان) تسيبي ليفني». وتضيف أنه في التسجيل «ظهر أبو مازن وهو يحاول إقناع باراك بضرورة استمرار الحرب على غزة، فيما بدا الأخير متردداً، أما ليفني فلم تخفف حماستها».
الرواية لم تقتصر على الشريط المصوّر، إذ تشير إلى أن أفراهام نفسه، عرض أيضاً على وفد السلطة تسجيلاً لمكالمة هاتفية بين مدير مكتب رئاسة الأركان الإسرائيلية دوف فايسيغلاس والأمين العام للرئاسة الفلسطينية الطيب عبد الرحيم. وفي سياق المكالمة، قال الأخير: «إن الظروف مهيّأة لدخول الجيش الإسرائيلي إلى مخيّمي جباليا والشاطئ، ما سيؤدي إلى إنهاء حكم حماس في القطاع ومن ثم الاستسلام».
وبحسب التسجيل، الذي نشرته الصحيفة، فإن فايسيغلاس قال للطيب عبد الرحيم «إن ذلك سيؤدي إلى سقوط آلاف المدنيين، فكان رده أن جميعهم انتخبوا حماس، وهم الذين اختاروا مصيرهم».
وطبقاً للرواية، فإن الوفد الإسرائيلي هدّد ممثلي السلطة بعرض هذه المواد على الأمم المتحدة ووسائل الإعلام، إذا أيدوا تمرير التقرير، وهو ما دفع وفد السلطة إلى الاستجابة للطلب، وتوقيع تعهد خطي بعد إمراره.

«خطة عبّاس»

تسرّب خطة من مكتب عبّاس تتضمن 5 مراحل لإنهاء حكم الحركة الإسلاميّة في القطاع
الأنباء عن دور السلطة في العدوان، لم تتوقف عند التحريض، بل تعدّته إلى المشاركة في التخطيط للعدوان، وحتى تحضيرات اليوم التالي في حال سقوط حركة «حماس». ففي الأيام الأولى للعدوان، ذكر تقرير لـ«المركز الفلسطيني للإعلام»، التابع للحركة الإسلامية، أنه يملك تقريراً سرّياً يكشف عن تحركات يقوم بها عباس، وبالتنسيق مع الاحتلال والسلطات المصرية، لـ«ملء الفراغ السياسي في غزة». وقال التقرير إن عباس اتصل من مصر، قبل سفره إلى السعودية في 28 كانون الأول 2008، بمسؤولي السلطة في رام الله وطلب منهم تشكيل «غرفة طوارئ» استعداداً لما سمّاه «انهيار سلطة حماس في غزة».
المعلومات هذه أرفقت مع أنباء عن انتقال القيادي في «فتح»، محمد دحلان، إلى مدينة العريش المصرية المحاذية لقطاع غزّة، مع 400 عنصر من قوات الأمن الفلسطينية المدربة على يدي الجنرال الأميركي كيث دايتون. انتقال كان هدفه التنسيق والتدخل مباشرة في حال سقوط حكم الحركة الإسلامية.
خطوات تبدو متناسقة مع الوثيقة التي أعلنت حركة «حماس» تسرّبها من مكتب عبّاس قبل العدوان. وثيقة عبارة عن خطّة شاملة للحرب من خمس نقاط لإنهاء سيطرة «حماس» على القطاع وإرسال قوات دولية تتولى الإشراف على غزة الى حين إجراء انتخابات عامة تشريعية ورئاسية وفق قانون انتخابي جديد يضمن عدم مشاركة «حماس» فيها.
وبحسب الوثيقة، التي نشرتها مواقع مقرّبة من الحركة الإسلامية، فإن الخطة تتألف من خمس مراحل:
1 ـــــ المرحلة الأولى عسكرياً: تقوم إسرائيل بتنفيذ عمليات عسكرية مركزة تستند إلى تنفيذ ضربات عسكرية جوية لمراكز البنية التحتية لحركة «حماس»، وخصوصاً مراكز القيادة والسيطرة واستهداف بعض قادة الحركة المؤثرين في قطاع غزة، بالتزامن مع تنفيذ عمليات توغل في المناطق الحدودية لإقامة مناطق عازلة تؤدي إلى تقليص القدرات الصاروخية للتنظيمات الفلسطينية ومنعها من تنفيذ هجمات صاروخية مؤثرة على المدن والقرى الإسرائيلية في المناطق المحاذية.
2 ـــــ المرحلة الثانية: تحريك الأوضاع في داخل قطاع غزة اعتماداً على عناصر حركة «فتح»، وذلك من خلال القيام بعمليات تستهدف الاستقرار الداخلي وتؤدي إلى زعزعة الجبهة الداخلية في قطاع غزة على صعد عدة، أمنية واقتصادية واجتماعية.
3 ـــــ المرحلة الثالثة: استغلال تدهور الأوضاع في قطاع غزة واستصدار قرار دولي بإدخال قوات دولية وعربية لحفظ النظام وإعادة الأوضاع إلى مرحلة ما قبل سيطرة حركة «حماس» على القطاع بحيث تتولى هذه القوات الإشراف على قطاع غزة إلى حين تنفيذ المرحلة الرابعة.
4 ـــــ المرحلة الرابعة: الدعوة إلى انتخابات عامة تشريعية ورئاسية في قطاع غزة وفق قانون انتخابي جديد يضمن عدم دخول «حماس» في تلك الانتخابات، وكذلك استبعاد العناصر «المتطرفة» في حركة «فتح»، مع إمكان وصول عناصر تكنوقراط إلى مراكز صناعة القرار بقيادة سلام فياض.
5 ـــــ المرحلة الخامسة: استغلال النظام السياسي الذي سيتبلور في ضوء نتائج تلك الانتخابات للتوقيع على اتفاق نهائي مع إسرائيل يضمن إنهاء الصراع بصورة نهائية.
الوثيقة حرصت الرئاسة على نفيها، «وحماس» على تأكيدها، لكنها تأتي في سياق معلومات كثيرة عن دور ما للسلطة في العدوان، وهو ما لم تنفه السلطة نفياً حاسماً حتى الآن.


... وشاليط أيضاً!وفي الثامن والعشرين من تشرين الثاني، ذكرت الإذاعة الإسرائيلية أن سلطة رام الله تعوق إنجاز صفقة تبادل الأسرى خشية ارتفاع أسهم «حماس» في الشارع الفلسطيني. وأضافت أن السلطة في رام الله تضع عراقيل أمام إنجاز صفقة التبادل، وتصرّ على صفقة حسن نوايا تفرج خلالها الحكومة الإسرائيلية عن سجناء فتحاويين.