مخيم بلاطة ــ معاذ عابدفي مخيم بلاطة، في مدينة نابلس الباردة أصلاً من دون اسم المخيم، يدخل الشتاء هذا العام: الفصل هو الفصل والبرد ذاته برد منطقة مدينة نابلس الفلسطينية. لكن هذا الشتاء يحمل بعداً أخر، تيمّناً بأغنية فيروز. هكذا، وبدلاً من «غربتنا ازدادت يوم واقتربت عودتنا يوم»، يكون المقابل غربتنا ازدادت شتاءً، واقتربت عودتنا شتاءً آخر.
شتاء ليس لنا، فالآتون من فلسطين المحتلة عام 1948 لديهم ما يربطهم بالشتاء. فصيّادو يافا يتجنبون البحر، ومزارعو البرتقال فيها يعرفون أنه فصل العمل وإنتاج أنواع البرتقال من أبو سُرّة ويوسف أفندي، ويعرفون أنه اقترب موعد تغليف حبات البرتقال ورصها في الصناديق الخشبية.
أهالي الشمال الفلسطيني، كالبدو في بيسان، يستعدون لأغلاق بيوت الشعر من أربع جهات تقريباً، ويستعدون بالحطب والنار والأغطية الثقيلة. أبناء بعض المناطق كانوا يستقبلون الشتاء بتفقد النبيذ ليمنحهم الدفء. أهالي الجنوب كانوا في مشاعر متناقضة: الفلاحون يتمنون المزيد من المطر في هذا الشتاء كي تكون الغلال وفيرة ولسداد ديون البقالة «على البيدر».
أما البدو ففي شغل شاغل بانتظار ظهور الأعشاب في الربيع لتكون طعاماً لمواشيهم، ومن أجل موسم توالد لحيواناتهم.
لكن هذا الشتاء ليس لنا... أهالي يافا من الصيادين ومزارعي البرتقال مع أهالي بيان من البدو، يتفقدون مخزون الكاز ويحسبون الميزانية لمعرفة تكلفة التدفئة هذا العام، وإن كانت المدفأة لا تزال تعمل. «الفتيلة» هل هي صالحة؟ ما مدى صوابية أن نستعمل مدفأة كهربائية من التي تنتجها الصين وتُغرق بها عالمنا؟
البعض يستعمل «الجفت» وهو مخلفات معاصر الزيتون من نواة مطحونة وحبات زيتون «مفعصة» وجافة تشتعل لتملأ الأماكن بدخان يجعل من التنفس السليم والرؤية الواضحة ضرباً من الخيال. البعض يستعمل «الدق»، وهو الفحم المطحون. البعض يستعمل الحطب لإشعال مواقد تبعث حرارتها ألسنة اللهب وتعود بالذاكرة إلى ذاكرة الجيل الذي عاش النكبة، تعود دوماً للشتاء الأول، بعد سفر الخروج اللعين عام 1948، حيث البرد في الخيام ومحاولات مستميتة لتحمّل برد من نوع جديد عليهم، قارس أو عادي، لكنه لا يحتمل لأنه ليس برداً اعتادوه كل عام. لأنه ليس بردهم.
اللاجئون كافة يستقبلون شتاءً ليس لهم. في مخيمات الأردن، يستقبل أهالي عكا شتاءً للبقعة، لا لهم. في مخيمات لبنان يستقبل أهالي الطنطورة شتاء شاتيلا لا شتاءهم. وهنا، أبناء كل فلسطين في مخيم بلاطة يستقبلون الشتاء... نابلسياً.