من بوابة «منظمة التعاون الإسلامي» التي تضم 57 دولة إسلامية وعربية، دخل آل سعود اختباراً جديداً لمدى مقدرة أموالهم على التأثير في قرارات الدول، بل وضعوا حكومات تلك الدول ومن ورائها برلماناتها وقواها السياسية، وأيضاً شعوبها، أمام امتحان السيادة. خرج كل من محمد بن سلمان وعادل الجبير، الوجهين الجديدين للملكيّة المنقلبة على نفسها، ليعلنا تشكيل تحالف إسلامي جديد لمواجهة الإرهاب بكل صوره.
شرع الاثنان يوضحان تارة، ويستدركان أخرى، عن طبيعة هذا التحالف الذي يأتي بعد إخفاق تحالف أول (تحالف العدوان على اليمن) في أهدافه، وإخفاق تشكيل «قوة عربية مشتركة» اصطنعها الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، وقتما ذبح تنظيم «داعش» 21 من أقباط مصر، ثم صارت مطلباً سعودياً حينما «عنّ» على بال الرياض أن تحارب مباشرة لا بالوكالة. من تلك الدول من تقول السعودية إن 34 باتت فعلياً في التحالف، فيما غابت 23 دولة أبرزها إيران وسوريا والعراق والجزائر وسلطنة عُمان وأفغانستان عن هذا التحالف. لكن بعض الدول التي استغربت في بداية الإعلان وجودها في هذا التحالف، عادت لتستدرك الموقف وترضي الرياض التي افترضت مسبقاً من يجب أن يكون في صفها طوعاً أو كرهاً.
في الخليج مثلاً، تغرّد عُمان خارج السرب السعودي منذ الحرب على اليمن والاتفاق الدولي مع إيران بشأن الملف النووي، بل تأخذ دور الوساطة في الحالين. ولكن بما أن الحديث عن «محاربة الإرهاب» عام، لم يتسنّ للسلطنة التهرب منه كلياً، ما اضطرها أخيراً إلى الترحيب بتشكيل «ائتلاف بين الدول الإسلامية لمحاربة الإرهاب مقرّه الرياض» دون إعلانها الانخراط فيه. أما باقي دول الخليج، فـ«تعالت» على خلافاتها وسارت وراء السعودية، ولهثاً وراء مصالحها في «تقليم أظافر إيران في اليمن والعراق وسوريا»، والمحاربة من أجل نفوذها في «ليبيا ومصر وأفغانستان».
لم يتسنّ لعُمان التهرّب كلياً من تحالف السعودية الجديد

إلى الشرق من الخليج، حيث الدول الإسلامية التي تستفيد من السعودية، كباكستان وإندونسيا وماليزيا، فإنها جميعاً أعربت عن دهشتها من إعلان ضمّها إلى تحالف عسكري جديد لمكافحة الإرهاب. وقال مسؤولون من الدول الثلاث إنهم لم يوافقوا رسمياً على الانضمام إلى التحالف. لكن، بعدما طلبت الخارجية الباكستانية استيضاحاً، أعلنت أنها ستشارك في هذا التحالف بانتظار «تقرير حجم مشاركتنا» فيه. ورغم ذلك، لم تنف إسلام آباد أنها لم تستشر مسبقاً في هذا الشأن.
في غضون ذلك، ذكرت وزارة الخارجية الإندونيسية أنها لم تتخذ قراراً أيضاً، وأنها «لا تزال تنتظر لترى آلية عمل التحالف العسكري الذي شكلته السعودية»، مستبعدة «أي مشاركة عسكرية» من جانبها، بدلالة أن «المبادرة السعودية لا تشمل أي التزام عسكري»، في تكرار للحديث التركي. وكذلك عادت كوالالمبور لتقول الكلام نفسه وترحّب بالتحالف، وتصف ما جرى بأنه «يخدم خططنا لمكافحة الإرهاب». أما أنقرة، التي بدأت التدخل المباشر في ساحات أخرى غير سوريا (العراق وإقليم كردستان)، واستعادة العلاقة بإسرائيل، فإنها لن تقف ضد المصلحة المشتركة مع السعودية في هذا الإطار، ولكنها لن تضع جيشها تحت قيادة محمد بن سلمان على وجه التأكيد.
وإذا كانت الأمور سهلة الاستدراك مع هذه الدول التي يبدو أنها تجنّبت إغضاب «مملكة الخير»، فإنها تزداد تعقيداً مع الدول العربية في شمال أفريقيا. لدى كل من مصر والجزائر وتونس اعتباراتها في التعاطي مع السعودية. في مصر مثلاً، هذا التحالف يطلق رصاصة الرحمة على مقترح «القوة العربية المشتركة» التي كانت السعودية بحاجة ماسة إليها في حربها على اليمن، فيما أرادتها القاهرة لضرب الارهاب الزاحف إليها من الغرب، من ليبيا.
وبينما جاء التأييد الأزهري جلياً، رأت القاهرة مندوحة من تقديم تأييد علني ومفتوح لتحالف لم تتضح أهداف السعودية منه بشأن إيران والعراق وسوريا، بما قد يصطدم مع المصالح المصرية وعلاقاتها بتلك الدول. حتى في الملف الليبي، لا يمكن لمصر أن تستفيد من ورقة هذا التحالف، تماماً كما لا يمكنها الاستفادة منها في ملف سيناء، لأن أي دخول لقوات عربية لمحاربة «ولاية سيناء» يعني إعلاناً ضمنياً بعجز الجيش المصري عن المواجهة هناك. هذا كله يقود إلى أن التحالف لن يكون «مغنماً» بالنسبة إلى عبد الفتاح السيسي، بقدر ما سيكون «مغرماً» قد يعيد توريطه في سيناريو إرسال جيشه إلى الخارج، وهو الأمر الذي رفضه في حرب اليمن.
أما الجزائر، فهي ككل مرة ترفض أن تشارك بجيشها في تحالفات عربية أو إقليمية أو دولية، التزاماً بدستورها الذي ينص على منع انخراط الجيش في أي مهمات قتالية خارج الحدود، وهو ما شكّل عقيدة راسخة في السياسة الخارجية، بخلاف سنتي 67 و73 خلال الحروب العربية ــ الإسرائيلية. وسبق للجزائر أن امتنعت عن المشاركة في «القوة العربية» أو الحرب على اليمن.
لكن هذا المبدأ لم يمنع الجزائر من المشاركة، بل التأسيس، لـ«لجنة الأركان العملياتية المشتركة» عام 2010 ومركزها مدينة تمنراست جنوبي الجزائر، وكانت تهدف إلى التنسيق الأمني والمعلوماتي لجيوش الدول الأربع (الجزائر، ومالي، وموريتانيا، والنيجر)، من دون تدخل هذه الجيوش خارج أراضيها. وهذا تحديداً يمثل أقصى ما يمكن لهذه الدولة فعله، وهو اللعب في الساحة الأفريقية أو المغاربية ضمن خطوط واضحة، لا مغامرات تقودها السعودية.
ولا يمثل الجانب الديني لدى الجزائر محوراً أساسياً في الموقف الخارجي، ولا سيما في القضايا التي تحمل طابعاً مذهبياً. بل طرح عسكريون جزائريون سابقون ــ خارج الإعلان الرسمي ــ تساؤلات عمّا يمكن لمثل هذا التحالف الذي تقوده دولة مثل السعودية أن يفعل، مقابل النتائج الخائبة التي حصدها تحالف دولي غربي بكل ترسانته العسكرية وتحت قيادة أميركية، حتى يذهب العرب إلى تحالف أضعف منه على كل المستويات، إلا إذا كان تحالفاً سياسياً أهدافه التغطية على عجز سعودي كبير.
موقف مشابه اتخذته تونس التي تعتبر الأقرب بمنظومتها السياسية الحالية إلى السعودية من الجزائر، وذلك بعد تعقيب مستشارين في الرئاسة بأن انضمام تونس إلى «التحالف الإسلامي» لا يعني أنها ستتدخل عسكرياً في أي بلد، بل هو «دعم سياسي ومبدئي لمبادرة المملكة السعودية». وجرى تبرير ذلك باعتبار «تونس ضحية للإرهاب مثل العديد من الدول».
وبما أن هناك شبه إجماع على أن هذا التحالف سيكون سياسياً، فإن ثمة من يرى أن ما فعلته السعودية هو محاولة لتجميع الدول السنية ضد الشيعة، وهو بذلك سيكون تحالفاً مبنياً على الطائفية ويعمّق الحرب الدائرة في المنطقة، فيما رأى آخرون أنه تحت إطار آخر يتعلق بمجاراة «التطورات في بلاد الاتحاد الأوروبي التي قررت تشكيل قوة حماية لفضاء الشنغن».
وبملاحظة منشور دعائي أصدرته «صحيفة مكة»، باسم «القوات المسلحة السعودية» ووضعت أعلاه صورة محمد بن سلمان في المؤتمر الذي أعلن فيه تشكيل التحالف، ورد في إجابة عن سؤال يتعلق بسبب قيادة المملكة «حرب الإسلام على الإرهاب»، أنها «نجحت في اليمن وقلمت أظفار إيران»، مرفقة ذلك بإجابة أخرى عن كيفية محاربة الإرهاب، بالإشارة إلى «تجفيف منابعه استخباراتياً ومالياً ومحاصرة قادته في طهران وبيروت ودمشق».
وهو الأمر نفسه الذي لمّح إليه وزير الدفاع الأميركي، آشتون كارتر، الذي قال إن إنشاء «التحالف الإسلامي» يتماشى مع دعوة بلاده الموجهة إلى «الدول السنّية» بإظهار أكثر فعالية في محاربة «داعش». كذلك فإن وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، لم يستبعد المشاركة البرية في مواجهة «داعش»، بعد دعوة سابقة لوزير الخارجية، جون كيري، إلى نشر قوات برية عربية لمواجهة التنظيم في سوريا، ثم عاد كيري وشدد على أن واشنطن «لم تعد تسعى إلى تغيير النظام في سوريا»، وهو نظر إليه على أنه توريط للسعودية في مواجهة مع إيران.
أما صحيفة «فاينانشال تايمز» البريطانية، فرأت أن هذا التحالف «خطوة في الحرب بالوكالة التي تخوضها السعودية ضد إيران»، ويجعلها «تخطو خطوة أقرب للعب دور شرطي المنطقة»، فيما قال كاتب بريطاني إن هذا «التحالف» يستهدف طهران أكثر من «داعش»، بدلالة غياب إيران والعراق وأفغانستان وسوريا عنه.
إلى ذلك، عبّر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أمس، عن موقف بلاده من هذا التحالف، مقدّراً أنه لا يحمل طابعاً معادياً لروسيا. وبشأن انضمام تركيا إلى هذا التحالف، أكد بوتين أن موسكو لا تعتبر تركيا دولة معادية على الإطلاق، رغم أن «إسقاطها القاذفة الروسية شكل عملاً عدائياً ضدنا». وأضاف: «أعوّل على أن يعمل التحالف الجديد في سياق المصالح المشتركة، وآمل أننا سنتمكن من وضع مقاربات وقواعد مشتركة، إضافة إلى إطلاق عمليات فعالة مشتركة وآليات فعالة».
لكن بوتين أقرّ بأنه لا يدرك تماماً لماذا قررت السعودية تشكيل التحالف الجديد، علماً بأن العديد من الدول التي انضمت إليه تشارك أيضاً في التحالف الدولي بقيادة واشنطن. وتساءل: «هل لديهم (السعوديين) خطة خاصة بهم؟ أو ربما هناك خلافات نشبت (داخل التحالف الدولي)»، قبل أن يستدرك: «ندرس حالياً مشاريع مشتركة مع السعودية في مجال التعاون العسكري التقني. يدور الحديث عن برنامج متكامل بمليارات الدولارات».
أخيراً، جاءت المفارقات بإدخال السلطة الفلسطينية واليمن (الرئيس الفار والحكومة المستقيلة) ضمن هذا التحالف، الذي لن يحارب بالتأكيد من أجل الأولى، وهو أصلاً يخوض حرباً فاشلة على أرض الثانية. أما العراق، فنجى من نفسه هذه المرة، ولم يشارك في التحالف الذي يرى أنه يضع «الحشد الشعبي» و«داعش» في كفة واحدة.




حزب الله يراه «مشبوهاً»... و«حماس» تدعوه إلى حرب إسرائيل

وصف حزب الله، أمس، «التحالف الإسلامي» الذي تقوده السعودية «لمكافحة الإرهاب» بأنه «مشبوه»، بل رأى أنه استجابة لقرار أميركي لتأمين «قوات من أنظمة معينة» تحت مسميات طائفية، بدلاً من إرسال قوات أميركية إلى المنطقة. وقال بيان للحزب إن «هذا التحالف دبّر على عجل وبشكل مشبوه، ما يطرح الكثير من الأسئلة، وعلى رأسها سؤال حول مدى جدارة السعودية في قيادة تحالف ضد الإرهاب وهي التي تتحمل مسؤولية الفكر الإرهابي المتطرف والمتشدد، كما تستمر في تبنّي هذا الفكر ودعمه في كل العالم».
أما حركة «حماس»، فدعت، قبل يوم من بيان حزب الله، «التحالف الإسلامي» إلى «تبنّي موقف حقيقي في مواجهة إرهاب إسرائيل». وقال أحد النواب عن الحركة في المجلس التشريعي (البرلمان)، إنهم أرسلوا رسالة إلى التحالف المذكور «تؤكد أن محاربة الإجرام والإرهاب الإسرائيلي ينبغي أن تحتل رأس سلم أولويات الدول العربية والإسلامية».