خاص بالموقع - لم يعد الأمن في إسرائيل مهدَّداً بالصواريخ أو العمليات الاستشهادية، إذ إنّ بعض الاقتصاديين يرى أنّ نظام التعليم فيها بات يمثّل خطراً شديداً عليها.ويرى خبراء أنّ هذا النظام يمثّل مشكلة متنامية داخل اقتصاد الدولة العبرية، الذي يتمتع بقطاع تكنولوجيا متقدّمة. ويقول منتقدون إنّ الطلاب اليهود الذين يتردّدون على المدارس الدينية، يمكنهم قراءة فصل أو نص في التوراة، لكنّ معظمهم لا يمكنه تهجئة اسم دولة مصر المجاورة باللغة الإنكليزية.
ويرتاد نحو نصف الطلاب الإسرائيليين، إمّا مدارس عربية غير مموَّلة تمويلاً كافياً، أو مدارس دينية تكون الأولوية فيها للدراسات التوراتية على حساب مواد «علمانية» مثل اللغة الإنكليزية والعلوم والرياضة التي يجري تجاهلها أحياناً.
وتجعل هذه الصورة من دولة الاحتلال، بعيدة عن نموذج دولة متقدمة عضو في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، التي تأمل الانضمام إليها رسمياً في شهر أيار المقبل.
وقال دانيال بن ديفيد من جامعة تل أبيب إنّ «التهديد الذي نواجهه، أي التهديد الوجودي، ليس خارجياً بل داخليّ... ليس للأمر علاقة حتى بالعرب في مواجهة اليهود، لكنّه مشكلة اجتماعية بحتة».
وسبق لمسؤولين إسرائيليين كبار أن اعترفوا، منذ وقت طويل، بالحاجة إلى إصلاح هذا النظام، إلّا أنّ أيّ حكومة إسرائيلية لم تملك الإرادة السياسية لأخذ زمام المبادرة.
وقالت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، في تقرير لها، الشهر الماضي، إنّ «الفجوة بين عموم السكان اليهود وجماعتي الأقلية الكبيرتَين في إسرائيل، آخذة في الاتساع».
وللمشكلة جذور في طرق التعامل المعقَّدة مع الأقليّتين الآخذتين في النمو بسرعة، أي الفلسطينيّين داخل الخط الأخضر واليهود المتزمّتين دينياً، الذين يُعرفون في العبرية باسم الحريديم، ويُعرفون أيضاً بلباسهم الأسود. وتعيش هاتان الأقليتان عموماً في مجتمعات منفصلة؛ ففي مناطق اليهود المتزمّتين، تُغلَق الطرقات أمام السيارات يوم السبت وفي العطل اليهودية. وعادةً لا ينضم أبناء هاتين الأقليتين إلى الجيش الإسرائيلي.
وتبرز مشكلة التعليم في الاختبارات الدولية، فيأتي المراهقون الإسرائيليون في مرتبة متأخّرة، ويحقّق الطلاب الفلسطينيّون أسوأ النتائج على الإطلاق، فيحصلون على ما هو أكثر قليلاً من المتوسط بالنسبة إلى دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، وهو 75 في المئة، بينما لا يشترك الطلاب اليهود المتزمتون في الاختبارات «العلمانية» على الإطلاق.
ولهذه القاعدة السائدة في إسرائيل، حالة شاذّة تثبتها، وهي مدرسة نهارديا في مستعمرة نحاليم بالقرب من تل أبيب، حيث يدرس الطلاب اليهود المتزمتون كلّ المواد الدراسية الأساسية في المنهج الدراسي الوطني، إلى جانب دراساتهم التوراتية. ويقول الأستاذ في المدرسة حانوش فيرديجير «هدفنا هو إعطاء الحريديم فرصة ليندمجوا في سوق العمل من دون أن يضطروا إلى التخلي عن هويتهم الدينية».
ورغم أنّ صناعة التكنولوجيا المتقدمة تمثل نحو 43 في المئة من الصادرات الإسرائيلية، فإنّ 7 في المئة فقط من قوة العمل تنشط في هذه الصناعة.
وكشفت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أنّ واحداً فقط من بين كلّ أربعة من اليهود المتزمتين لديه وظيفة بينما ينخرط الآخرون في دراسات توراتية تستتزف كامل وقتهم.
ويعاني الفلسطينيون في الدولة العبرية من الأسباب المباشرة نفسها لفقر الحريديم، مثل كثرة عدد الأفراد في العائلة الواحدة، وتراجع التوظيف. وتشير الأدلة إلى أنّ الإنفاق العام على التعليم لكلّ طفل في العائلات الفلسطينية داخل الخط الأخضر، هو أقل بنحو الثلث عن نظيره في المجتمعات التي يمثّل اليهود معظمها، وذلك وفقاً لأرقام منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.
وجذور مشكلة التعليم في إسرائيل مترسّخة في الكنيست نفسه. فالأحزاب الرئيسية لا تفوز أبداً بعدد كاف من المقاعد يمكّنها من تولي السلطة وحدها، فتعتمد على أحزاب أصغر تستطيع تأليف حكومات أو حلّها، كالأحزاب الدينية المتطرفة من أمثال «شاس» و«التوراة اليهودي المتحد»، اللذَين يعارضان تدخل الدولة في شؤون مدارسهم.
وعادةً ما تشارك الأحزاب الدينية المتطرفة في أيّ حكومة ائتلافية، في مقابل ضمانات بتمويل مدارسها وقضاياها الاجتماعية التي تعمل على ترسيخ التوجه نحو الدراسات التوراتية.
وسيواجه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو خطر حلّ ائتلافه الحاكم إذا دفع باتجاه إصلاح يؤدّي إلى إبعاد شريكيه «شاس» و«التوراة اليهودي المتحد». وسبق لحزبه «الليكود» أن وافق، العام الماضي، على زيادة بمقدار 1.4 مليار شيكل (373 مليون دولار)، لتمويل رعاية الأطفال على مدى ثلاث سنوات، وزيادة غير معلَن عنها في موازنة مدارس الحريديم، في مقابل مشاركة الحزبين في الحكومة الائتلافية.
ويشتكي الفلسطينيون، منذ وقت طويل، من نقص التمويل، ومن تعرّضهم للتمييز في سوق العمل، لكنّ أحزابهم ترفض الانضمام إلى الائتلافات الحاكمة التي تقودها أحزاب صهيونية.
وتقول السلطات العبرية إنّ المشاركة السياسية فقط هي التي توفّر الحقوق المتساوية، وتمويل دوائر المشاركين في الائتلافات الحكومية.
وترى منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أنّ «القضاء على أسباب اختلافات بهذا العمق والترسّخ في إسرائيل، لن يكون سهلاً»، وأن الأمر «سيتطلب جهداً دائماً على نطاق واسع من المجالات السياسية».
وأجرت حكومة «الليكود» السابقة تحقيقاً قبل ست سنوات، في أعقاب موجة من الغضب العام على تفاقم وضع التعليم، أدّى إلى قرارات لتقليص موازنة التعليم بنسبة 5 في المئة بين عامي 1999 و2004، بينما زاد عدد الطلاب بنسبة 18 في المئة.
وأوصت لجنة التحقيق «دوفرات» برفع راتب المدرِّس وجذب مهنيين أكثر كفاءةً، وتشجيع المنافسة بين المدارس، وتوفير مساعدة إضافية للأطفال المحرومين، وفرض منهج دراسي وطني موحَّد لتدريس المواد الأساسية لكل الطلاب.
وقالت باربرا سفيرسكي من «مركز أدفا» في تل أبيب، الذي يقدّم معلومات عن المساواة والعدالة الاجتماعية في دولة الاحتلال، إنّ «التوصيات التقنية للجنة دوفرات لم تنفَّذ لأسباب عدّة من بينها نقص التمويل». وتابعت إنّه جرى «تجاهل التوصية الرئيسية للجنة، وهي تدريس منهج دراسي وطني موحَّد لكلّ الطلاب على اختلاف أعراقهم وأديانهم وخلفياتهم الاجتماعية».
وقال بن ديفيد «إذا لم نفعل شيئاً اليوم لتوفير تعليم أفضل بكثير لهم (العرب والحريديم)، وجعلهم جزءاً أساسياً في المجتمع، فستظهر مشكلة كبيرة هنا في غضون ما بين 20 عاماً و30 ».
(رويترز)