«جبهة النصرة» ماضية في تعزيز حضورها «الجهادي» في سوريا بوصفها «ممثلاً رسميّاً ووحيداً لتنظيم القاعدة في بلاد الشام». وتبدي «النصرة» ومن ورائها التنظيم الأم «القاعدة» حرصاً على تَسارع الخُطى في هذا السياق بعدما طُويَت صفحة «فك الارتباط» من سجلات المرحلة الراهنة.
«النصرة» كانت قد عملت في الأشهر الأولى من العام الجاري على توجيه أتباعها بضرورة التزام مجموعة سلوكيات تحرص على العمل تحت راية «جيش الفتح»، وتحاول التعمية على تبنّيها التشدد منهجاً («الأخبار»، العدد 2598). لكنّ التوجّه المذكور أنذر بالانعكاس سلباً على زعامة أبو محمد الجولاني، وخاصةً أنّ «حركة أحرار الشام الإسلامية» التي تُعتبر أبرز منافسي «النصرة» استمرّت في العمل على تكريس حضورها في كثير من المناطق وعلى الترويج لنفسها إقليميّاً ودوليّاً. وكردّ فعل على ذلك، عملت «النصرة» على إعادة «تصحيح» مسارها وفق بوصلة التشدّد «القاعدي»، («الأخبار»، العدد 2692)، طامحةً من خلال ذلك إلى استقطاب مزيد من «المهاجرين». وينصب اهتمامها بشكل خاص على المجموعات التي لم تُعلن ولاءَها لتنظيمات كبرى، وأبرزها «الحزب الإسلامي التركستاني لنصرة أهل الشام». ضمن هذا الإطار، جاءت «البيعات» الأخيرة التي حظيت بها «النصرة» أشبهَ بحملة «ترويجيّة وتحفيزيّة» تهدف إلى رفع أسهمها. وأعلنت «كتيبة التوحيد والجهاد» أخيراً «مبايعة جبهة النصرة نبذاً للفرقة وتوحيداً للكلمة ورصّاً للصفوف». ومن المهم التذكير بأن «التوحيد والجهاد» مجموعة صغيرة يتراوح عدد مقاتليها بين 500 و700 «مهاجر» معظمهم من طاجيكستان، ويتزعمها «أبو صالح الأوزبكي». تدين «الكتيبة» أساساً بـ«بيعة للإمارة الإسلاميّة» (والمقصود هنا حركة طالبان) من خلال تنظيم «القاعدة»، الأمر الذي ينطبق على من تبقّى من «جيش المهاجرين والأنصار» بعدما غادره صلاح الدين الشيشاني، معلناً مواصلة «الجهاد» تحت راية «إمارة القوقاز الإسلاميّة لنصرة أهل الشام». لكنّ معظم من بقي من «المهاجرين والأنصار» هم «مجاهدو الكتيبة الخضراء» المرتبطون أساساً بـ«بيعة لتنظيم القاعدة»، قبل أن تنضم في تشرين الأول من العام الماضي «انضماماً كاملاً إلى جيش المهاجرين والأنصار». وبمعنى آخر، فإن آخر «بيعتين» حصلت عليهما «النصرة» هما في واقع الأمر «عملية تنظيمية تنقل الإشراف على المجموعتين المبايعتين من القاعدة، إلى النصرة». وعلمت «الأخبار» من مصادر «جهاديّة» أنّ توجيهات صدرت عن «القاعدة» إلى كل المجموعات «المبايعة» له داخل سوريا بضرورة الانضواء تحت راية «النصرة»، وتحويل تعاملهم من التنظيم الأم إلى «فرعه الشامي». ويؤكد مصدر «جهادي» أنّ هذه التوجيهات جاءت «استجابة لطلب النصرة، إضافة إلى رغبة الشيخ أيمن الظواهري (زعيم القاعدة) بتنظيم العلاقة بين المجموعات المُبايعة من جهة، ورأس هرم القاعدة من جهة أخرى». وتبدو «النصرة» حريصة على استثمار هذه التوجيهات بصورة تضمن تحقيقها مكاسب «إعلاميّة»، ما يُفسّر الإعلان عن تلك «البيعات» تباعاً. ومن المتوقّع أن تحصل «النصرة» قريباً على «إعلان بيعة» مماثل يصدر عن «كتيبة الإمام البخاري»، وهي مجموعة مكوّنة من حوالى 400 «مهاجر» معظمهم من الأوزبك ويقودها صلاح الدين الأوزبكي، المعروف أيضاً باسم أبو اسماعيل البخاري. ويعكس اهتمام «النصرة» بهذه المجموعات دون غيرها رغبةً في استثمار دخول روسيا على خط الحدث العسكري مباشرة لاستقطاب كل المجموعات المنحدرة من بلدان الاتحاد السوفياتي السابق. فيما يُرجَح حصول «النصرة» لاحقاً على «بيعات» علنيّة من باقي المجموعات «القاعديّة» مثل «حركة شام الإسلام» (معظم مقاتليها من المغرب العربي، أسّسها ابراهيم بن شفرون وتزعّمها بعد مقتله المغربي أبو طلحة مهدي السلاوي)، و«حركة فجر الشام الإسلامية» بقيادة أبو عبدالله الشامي، فيما تنفرد جماعة «جند الأقصى» بقيادة أبو ذر النجدي بوضع خاص، يجعل «بيعتها» لـ«النصرة» أمراً مُستبعداً، مع استمرار التنسيق بينهما.