القاهرة | لم يكن حديث الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، عن النيات الطيبة التي كتب بها الدستور وأقر بأغلبية 98.1% في كانون الثاني 2014 سوى بادرة لفتح ملف إجراء تعديلات دستورية بعد انتخاب البرلمان، علماً بأن نصوص الدستور تحظر إجراء أي تعديلات قبل انتخاب النواب وانعقاد أولى جلسات البرلمان.
مؤيدو السيسي بدأوا الترويج لفكرة التعديلات، في ظل أن «الجنرال» أكد أن النيات الطيبة لا تكفي لبناء الدول، برغم إشارة رئيس لجنة «الخمسين»، عمرو موسى، التي كتبت الدستور، إلى أن البلاد يمكن أن تسير بنصوص دستور 2014 لمدة عشر سنوات على الأقل. بطريقة ما، أثبت السيسي صدق رؤية نائب رئيس الجمهورية السابق، محمد البرادعي، عندما تحدث عن ضرورة وضع مبادئ «فوق دستورية» لا يمكن تعديلها على غرار التجربة الألمانية، وهي الرؤية التي رفضتها جميع القوى السياسية آنذاك، بل اتهمت البرادعي بالعمالة للدول الأوروبية.

يريد السيسي توسيع صلاحياته ليقيل الحكومة بلا إذن البرلمان

قناعة نظام السيسي أن الشعب المصري لن يرفض تعديل الدستور الذي شهد «تهليل» أنصار الرئيس بصورة مبالغ فيها، ليس لأنهم لم يقرأوا مواد الدستور والمميزات التي سيجري إلغاؤها أو تعديلها، ولكن لأن الشعب في العصر الحديث لم يرفض الموافقة على أي دستور أو تعديلاته، فضلاً عن الآلة الإعلامية والسياسية التي ستدعم التعديلات جماهيرياً.
التعديلات التي يريدها السيسي ليست مرتبطة بإعادة تولي منصب الرئاسة عدة مدد وليس مدتين فقط كما ينص، فقط، أو زيادة المدة الرئاسية لتكون ست سنوات بدلاً من أربع كما هي في الدستور الحالي، بدعوى تحقيق الاستقرار؛ فهذه النصوص تحديداً لن تكون الأبرز مع احتمالية إرجائها تعديله، وذلك تجنباً للأصوات التي قد ترى في الأمر إعادة إنتاج لنظام حسني مبارك الذي استمر بموجب مادة مماثلة في السلطة نحو 30 عاماً.
وفي مقدمة التعديلات المتوقعة: التخلص من التزام الدولة تخصيص 3% من الناتج القومي للإنفاق على الصحة مع ضمان تصاعده تدريجاً حتى تتفق مع المعدلات العالمية، وهي المادة التي يجب أن تلتزمها الحكومة اعتباراً من موازنة العام المقبل كما ورد في المواد الانتقالية من الدستور، وهو الموقف نفسه بالنسبة إلى الإنفاق على التعليم الحكومي الذي يجب ألا يقل عن 4% من الناتج القومي مع ضمان إلزامية التعليم المجاني حتى الثانوية أو ما يعادلها.
أما المادة الأكثر إزعاجاً في ظل خطة تطوير منظومة التعليم الجامعي، فهي تخصيص 2% من الناتج القومي للتعليم الجامعي في ظل سعي الحكومة إلى اشتراط نجاح الطلاب بتفوق من أجل استمرار الدراسة بمجانية، فضلاً عن تخصيص نسبة لا تقل عن 1% من الناتج القومي تتصاعد تدريجاً لتتفق مع المعدلات العالمية، وهو اتجاه تسعى الحكومة إلى تقليصه بعد إلغاء وزارة البحث العلمي وإعادتها إلى «التعليم العالي».
وفي مجال مكافحة الإرهاب، يرغب نظام السيسي في إطالة الاحتجاز من دون وجه حق لأكثر من 24 ساعة مع تعديلها لتكون ثلاثة أيام بالتوافق مع منظمات المجتمع المدني، فيما سيكون إلغاء موافقة البرلمان على إرسال القوات المسلحة في مهمات قتالية خارج الحدود أو تقليص شرط الموافقة لغالبية الأعضاء إحدى المواد المهمة للتعديل، مع توسيع إعلان حالة الطوارئ لتكون ستة أشهر بدلاً من ثلاثة، وبلا موافقة شعبية.
كذلك مما يحكى عنه خفض نسبة الموافقة على القوانين المكملة للدستور من ثلثي المجلس إلى الأغلبية، وخاصة أنها ترتبط بالقوانين المنظمة للانتخابات الرئاسية والنيابية والسلطة القضائية والأحزاب السياسية، مع انتزاع صلاحية البرلمان في إقرار قانون من دون موافقة الرئيس مع إقراره مرتين بأغلبية ثلثي البرلمان، وإعادة عرض ميزانية القوات المسلحة كرقم واحد على النواب من دون الخوض في التفاصيل.
وتتضمن التعديلات توسيع صلاحيات الرئيس ليحصل على حق إقالة الحكومة وإعادة تكليف شخص آخر برئاستها من دون الرجوع إلى البرلمان، وهو التعديل الأصعب من حيث الصياغة القانونية لأن الدستور منح للبرلمان حق سحب الثقة من الحكومة أو أحد وزرائها في أي وقت وفق إجراءات تبدو بسيطة، مع منح الرئيس حق حل مجلس النواب من دون استفتاء شعبي، وهو ما تنص عليه المادة 137 من الدستور الحالي.