إن كانت المخيمات تعج بالشباب في سن الزواج، إلا أنها تكاد تخلو من «الجاهزين» للزواج. هكذا، لا تجد الصبايا أمامهن إلا وصفات الجدات للفوز بحياة زوجية .. في بلاد بعيدة
سحر البشير
حققت رانيا حلمها عندما تزوجت من قريب لها يعيش في ألمانيا. لم يكن فارق العمر الكبير بينهما مشكلة، «أنا الآن أعيش سعيدة في ألمانيا، كنت أكره الحياة في المخيم. أتمنى أن تتزوج كل الفتيات في مخيمنا من شباب يعيشون في الخارج. فالحياة في المخيم لا تطاق».
تربت رانيا كغيرها من بنات مخيم القاسمية، على حلم الزواج والسفر إلى «أرض الميعاد» ألمانيا. منذ أن بدأت المعالم الأولى لأنوثتها بالظهور، بدأت والدتها بالسماح لها بحضور حفلات الزفاف بحثاً عن عريس مهاجر. قبل الخروج توصيها أمها بأن تمشي على مهل، وأن تتحدث بصوت منخفض ورأسها منخفض. وتنبهها ألف مرة بألا تتحدث إلى الشباب، حتى لو كان أحد أخوالها صغير السن «لأن ليس كل الناس يعرفون أنه خالها». والوصية الأهم هي اللحاق بالكاميرا والرقص أمامها باتزان، أي ألا تهز خصرها بل تكتفي بتحريك يديها مع ابتسامة خجل خفيفة.
يكاد المخيم يخلو من الشباب الذين يغادرونه إلى ألمانيا في سن مبكرة. ما إن يثبت الشاب وضعه هناك، أي حين يبلغ الأربعين تقريباً، بعد حصوله على عمل ثابت وأوراق ومنزل، حتى تبدأ أخواته وأمه بالبحث له عن عروس تكون من بنات المخيم. فكأنما أخذ شباب المخيم على أنفسهم عهداً بألا يتركوا بنات مخيمهم يعانين وحدهن الحرمان، بينما يتنعمون هم بمساعدات الحكومة الألمانية.
كانت رانيا ترافق والدتها وشقيقتها إلى عزاء أحد أقاربهم في المخيم، وهناك رأتها أم العريس. وكما يقال «مصائب قوم عند قوم فوائد»، دعت أم رانيا والدة العريس لتناول فنجان قهوة في بيتها. لم تنتظر رانيا من أمها التوجيهات، فقامت بالواجب وأكثر. تقول رانيا إنها رأت صورة العريس عندما زارتهم والدته للمرة الثانية مع شقيقاته. تعترف بأنه لم يكن وسيماً ولا يشبه فارس الأحلام الذي طالما تمنت الزواج منه. لكن العريس «لقطة». يملك الجنسية الألمانية ويعمل بائعاً في محل للألبسة على عكس الكثيرين من أبناء المخيم الذين يعملون في جلي الصحون.
رأت رانيا عريسها للمرة الأولى يوم خطبتها. كانت تتحدث إليه يومياً على الهاتف وعلى الإنترنت. لم تكن تعرف أنه أقصر منها. فلم يكن من الممكن معرفة طوله من الصورة. وكانت أمه دائماً تقول إنه لو رفع نفسه على رؤوس أصابعه فلن يستطيع المرور من الباب. لكن لا بأس، فلا يعيب الرجل إلا جيبه، ومكان إقامته.
لم يرافق رانيا أي رجل في زفتها. فوالدها متوفى، وشقيقها الوحيد في ألمانيا يحتفل مع عريسها برفقة بعض أقاربهم. لم تتمكن رانيا من منع نفسها من الضحك عندما وضعت شقيقة العريس صورته بجانبها على «الصمدة». تقول رانيا إنها شعرت وكأنها تتزوج من «شهيد». وخصوصاً عندما حملت أم العريس الصورة وبدأت ترقص بها بين النساء وأمام العروس. أما العادة التي كانت أكثر إحراجاً بالنسبة لرانيا، فهي عندما حملت حماتها «جرة الذهب» على رأسها ورقصت قبل أن تلبسها «العلامة» التي أرسلها العريس لعروسه.
سافرت رانيا إلى ألمانيا بعد حصولها على فيزا «شرعية»، فزوجها يحمل الجنسية الألمانية التي حصل عليها بعد زواجه من ألمانية تكبره بعشرين سنة. وتعيش هناك الحياة التي طالما حلمت بها. فهناك لا تضطر لنشر الغسيل على الشريط الذي يحيط بالبستان المجاور لبيتهم، ولا تضطر للنوم على الشرفة عند انقطاع الكهرباء في مساء صيفي.


ألمانيا تحديداً

تقول رانيا إنها لطالما أرادت أن تتزوج من رجل يعيش في ألمانيا تحديداً، حتى لو اضطرت للسفر عن طريق التهريب. لكن لماذا ألمانيا بالذات؟ تقول إنها الدولة الوحيدة التي تحترم الفلسطيني، فكل الذين سافروا إلى ألمانيا حتى لو بطريقة غير شرعية، أمّنت لهم الدولة مساكن، ولا يزالون يحصلون حتى الآن على مساعدات مادية لهم ولأبنائهم. فمهما كانت ظروف الحياة القاسية هناك، فستبقى أفضل بكثير من مخيمات لبنان. فهناك لن تجبر على العمل في بساتين الليمون مقابل مبلغ زهيد، ولن تضطر لتربية أبنائها في بلد يحرمهم من أبسط حقوقهم.