هذه هي اختيارات «القبضة الحديدية» التي يريد النظام في مصر استعادتها على عجل. هكذا يمكن النظر إلى الاعتقالات الأخيرة لقادة «الإخوان» المسلمين. اعتقالات تحمل رسائل في أكثر من اتجاه، أولاها إلى القيادة الجديدة للجماعة وتوجّهاتها، وثانيتها إلى كل من يحاول الخروج عن نصّ حدّده النظام، وآخرها إلى كل من يمكن أن يقول لا للتوريث
وائل عبد الفتاح
أخطر ما في الاعتقالات الأخيرة لقادة جماعة «الإخوان المسلمين» في مصر، هو ظهور شبح سيد قطب بين أوراق الاتهام. ظهور يعني التحوّل في التعامل مع الجماعة من «الاعتدال» إلى «التشدّد». شبح سيد قطب يعني باختصار أن التهمة هي تكوين تنظيم تكفيريّ مسلّح.
نيابة أمن الدولة العليا، في أول أيام التحقيق، وجّهت تهمة محدّدة إلى نائب المرشد الجديد، محمود عزّت، المعروف بـ «الرجل الحديدي». التهمة هي: «تكوين تنظيم ينتمى إلى سيد قطب، يقوم على منهج التكفير ومحاولة تنظيم معسكرات مسلّحة للقيام بأعمال عدائية داخل البلاد».
الاتهام يعزف على نغمة ظهرت بقوة في حرب المواقع في مكتب الإرشاد. النغمة ردّدت كثيراً بأن عزت قائد خفي لما يعرف بالتيار القطبي (نسبة إلى سيد قطب)، وهو التيار الذي انتصر سواء في تحديد المرشد الثامن (محمد بديع) أو في عضوية مكتب الإرشاد.
العزف تحوّل إلى وثائق نُشرت في الصحف المستقلة عن انتماء بديع إلى خط سيد قطب، الذي أصبح مسيطراً من وجهة نظر المطّلعين على كواليس الجماعة، وإليه وُجّهت الضربة الأمنية الأولى باعتقال المجموعة الأخيرة من «الإخوان»، وفي مقدّمتهم ٤ قادة دفعة واحدة (عزت ومعه عصام العريان وعبد الرحمن ألبر ومحيي حامد، الذي سلّم نفسه أول من أمس بناءً على نصيحة القادة بعدم الهروب).
هذه «سابقة» إذن نظراً إلى عدد القادة «الكبار» المعتقلين أو لظهور شبح التنظيم المسلح مصاحباً لاسم سيد قطب.
وهذه بالنسبة إلى المطّلعين أيضاً علامة على ضعف الاتهام أو على كونه رسالة أكثر منه حقيقة واقعة.
رسالة بأن النظام يستعرض قبضته الحديدية في مواجهة انتصار خيارات الرجل الحديدي (محمود عزت) في الجماعة.
العقل الذي يحكم مصر مدرّب على «شغل الشوارع» مع المعارضة. ألعابه ناجحة نجاحاً منقطع النظير في بناء جدار فولاذي حول الرئيس ونظامه. جدار يضمن السيطرة ويجعل النظام يتحكّم في لعبته مع الجماعة، وهي أقوى تنظيم معارض في مصر؛ اخترق البرلمان، والانتظارات تضعه في موقع المنافس لنظام لا يرضى عن الخلود بديلاً.
لكن هذا التنظيم القوي «محظور»، وعضويته جريمة سياسية كاملة الأوصاف. هذه هي اللعبة: النظام يسمح فقط بالحركة لمن يحظر نشاطه. ليظل متحكّماً في حدود حركته.
هذه عقلية موظف تربّى على الاستبداد. يترك صاحب المتجر يوسع أمام محلّه مثلاً، ويضع فاترينة جديدة أو مقاعد أمام المحل. يتركها مخالفة للقانون لكي يهدم الموظف ونظامه كل هذا في لحظة، ووقتما يريد إعلان وجوده وسلطته.
النظام يتعامل مع السياسة والأحزاب والتنظيمات مثلما يتعامل ضباط المرافق مع المقاهي. يتركون للتنظيم الحبل ليعمل ويتمدّد، وإذا نسي أنه «محظور» تخرج كل الإضبارات من مكاتب المسؤولين.
إيقاع منضبط بكفاءة يُحسد عليها النظام. والحركة السياسية كلها لا تسعى إلى تغيير القانون. تسعى فقط إلى الانضباط على معايير الواقع الذي يفرضه النظام.
هذه هي الضربة الأولى «للمرشد الجديد». صيد ثمين يقص ريش المرشد، لأن هؤلاء هم جهاز إدارته الأعلى، والعقل الفكري والتنظيمي.
لماذا لم يُعتقل المرشد ما دامت الجماعة محظورة؟ غالباً لتبقى اللعبة مستمرة. ولكي لا تحدث المواجهة الشاملة. حرب استنزاف يعرفها جيداً الجسم الأساسي للجماعة. الضربة تأتي في الرأس ليختفي الجسد تحت الأرض حتى ينبت رأس جديد.
جسد الجماعة أسطورة المعارضة في مصر. لا تُعرف حدود قوته بالضبط. تُنتظر منه معجزات لا تتحقّق، بما فيها إثارة رعب النظام المحترف في إنهاك الجماعة نقطة نقطة.
النظام لا يخاف الجماعة ويخافها في الوقت نفسه. يراها خصمه ويعرف التعامل معها. يحظر عملها ويتركها تعمل بحرية لا تحصل عليها الأحزاب المرخّص لها.
هذه هي اللعبة. اختار النظام اللعب مع «الإخوان»، بعدما دجّن كل أطياف المعارضة في صفقات تضمن لرؤساء الأحزاب الاستمرار في حمل مفاتيح مقارّهم مع أداء الدور حسب نص معتمد في جهاز «أمن الدولة».
الجهاز يحكم مصر حكماً فعليّاً. يعرف كل كبيرة وصغيرة ويرسم لها حدود الحركة، بما في ذلك الجماعة المحظورة. يرسم لها الفضاء وعليها ألّا تتجاوز خطوطه الحمراء. ولأن الجماعة يمكنها أن تشعر بالقوة أكثر من الأحزاب المدجّنة، هنا تظهر ورقة «المحظورة».
الدولة تدير العلاقات وترتّبها بكفاءة تفتقدها أجهزة إدارية أخرى. لماذا لا تعمل هذه العقلية بالكفاءة نفسها في أزمات سياسية واقتصادية واجتماعية تقود مصر إلى الكارثة؟ لماذا تحترف هذه القوى العليا إدارة وجودها على مقاعد الحكم فقط؟ هل وظيفة هذه الأجهزة الحفاظ على السلطة وعدم وصول الأزمات إلى حدود الكارثة؟
لا إجابات وافية. تظهر فقط الرغبة في استعادة ممتلكات الدولة كاملة. هكذا تريد أجهزة النظام تعطيل الجماعة عن انتخابات مجلسي الشورى (أيار المقبل) والشعب (تشرين الأول المقبل). هذا واضح لأصغر مهتمّ بالسياسة.


تضييق انتخابي

انسحب مرشح جماعة «الإخوان المسلمين» من انتخابات إعادة لمجلس الشعب المصري، أمس، في دائرة أجا بمحافظة الدقهلية في دلتا النيل، قائلاً إن أجهزة الأمن منعت ناخبيه من الوصول إلى لجان الاقتراع.
وقال حسن سبع إن مندوبيه مُنعوا أيضاً من دخول اللجان «بينما سُمح لمندوبي مرشحين اثنين عن الحزب الوطني (الديموقراطي الحاكم) بالدخول». وأضاف إنه انسحب من الانتخابات «احتجاجاً على الانتهاكات التي مارسها الحزب الوطني والأمن على اللجان الانتخابية لمنع الناخبين من الإدلاء بأصواتهم».
وتابع إن «بعض اللجان غُيّرت أرقامها من دون إعلان مسبّق، ما أدى إلى إحداث بلبلة وتعقيد للأمور (أمام الناخبين)».
وفي الانتخابات التي أُجريت عام 2005، ألغيت النتيجة في دائرة أجا في الدائرة بحكم من محكمة القضاء الإداري في دعوى طعن أقامها أحد المرشحين. لكنّ محكمة أعلى درجة ألغت حكم محكمة القضاء الإداري، وقررت إعادة الانتخابات بالمرشحين أنفسهم.



أخطر ما في الاعتقالات الأخيرة لقادة جماعة «الإخوان المسلمين» في مصر هو ظهور شبح سيد قطب (الصورة) بين أوراق الاتهام


محمود عزت (الصورة) قائد خفي لما يعرف بالتيار القطبي، وهو التيار الذي انتصر في تحديد المرشد الثامن وفي عضوية مكتب الإرشاد


هذه هي الضربة الأولى «للمرشد الجديد» محمد بديع (الصورة)، لأن هؤلاء هم جهاز إدارته الأعلى والعقل الفكري والتنظيمي