ياسين تملالييشوب العلاقات الجزائرية ـــــ المالية فتور كبير إثر رضوخ مالي لضغوط فرنسية مكثّفة في 23 شباط الماضي، والإفراج عن عناصر من «قاعدة المغرب الإسلامي»، منهم جزائريان، في مقابل إطلاق سراح الفرنسي، بيار كاميت. وفاجأ القرار السلطات الجزائرية، وخصوصاً أنها كانت قد أشادت قبل أيام بتوافقها مع السلطات المالية على «رفض الرضوخ لابتزاز التنظيمات الإرهابية». ووصفت قرار مالي الأخير بأنه «غير ودي». ولم تكتف بالتصريحات الحادة، بل عمدت إلى استدعاء سفيرها في باماكو، ثم سحبت ممثليها في لجنة متابعة تنفيذ اتفاق السلام بين حكومة مالي و«تحالف 23 أيار الديموقراطي من أجل التغيير»، وهو تمرد مسلح كان ينشط في شمال مالي، في إقليم كيدال (موطن الطوارق الماليين، على حدود الجزائر الجنوبية).
وتختلف وجهتا نظر الجزائر ومالي بشأن التعامل مع «قاعدة المغرب الإسلامي». فالسلطات المالية لا تتفق مع نظيرتها الجزائرية على إشراك مسلّحين طوارق في العمليات ضدّ هذا التنظيم، كما تتّهمها بإلقاء عبء مكافحة تهريب المخدرات على عاتقها وحدها. في المقابل، تأخذ السطات الجزائرية على مالي «عدم جديتها» في مكافحة «القاعدة» وعدم تطبيقها كل بنود اتفاق الجزائر. وتجدر الإشارة إلى أن تحالف 23 أيار كان قد وجه إلى الحكومة المالية الانتقادات نفسها، وطالبها أحد قادته آغا باهانغا بتنفيذ «التزاماتها كإدماج المقاتلين الطوارق في وحدات أمنية حكومية».
ويزيد فداحة الأزمة الجزائرية ـــــ المالية أنها تزاوجت مع أزمة مالية ـــــ موريتانية؛ فقد أعربت نواكشوط هي الأخرى عن أسفها لإطلاق سراح «عناصر إرهابية» مطلوبة، واستدعت سفيرها في باماكو احتجاجاً على ذلك. وتنذر الأزمتان بتعثر التعاون الأمني بين البلدان الثلاثة من جهة، وبينها وبين قوى دولية كفرنسا والولايات المتحدة من جهة ثانية.
وقد يكون أحد تجليات هذا التعثر، تعذر تنظيم «الندوة الدولية حول الأمن في ساحل الصحراء». وبما أن التوتر سيد الموقف أيضاً مع جار آخر للجزائر هو النيجر، الذي كان نتيجة تنديد السلطات الجزائرية بالانقلاب العسكري الذي وقع فيه أخيراً، والفتور يطغى على العلاقات مع موريتانيا منذ أن دانت الجزائر انقلاب آب 2008، فإن الأخيرة باتت تعيش في عزلة قد تعقّد سعيها الدبلوماسي إلى تجنيد الدعم الإقليمي لمطلب استفتاء تقرير المصير في الصحراء الغربية، وقد تقوّي موقف المغرب الرافض لهذا الاستفتاء، الذي تؤيده دول أوروبية.
وينعكس الخلاف الجزائري المالي أيضاً على العلاقات الجزائرية ـــــ الفرنسية، التي تمر بدورها بأزمة غير معلنة دل عليها تأجيل زيارة للرئيس عبد العزيز بوتفليقة إلى باريس. وعمّق هذه الأزمة أخيراً حدثان، أوّلهما اعتقال دبلوماسي جزائري اتهم بالضلوع في اغتيال المعارض، علي مسيلي، في فرنسا في 1987، قبل أن تُبرّأ ساحته. وثانيهما إدراج الجزائريين في قائمة الأجانب الذين سيُخضعون لإجراءات تفتيش خاصة في المطارات الفرنسية.
وكشفت ملابسات الإفراج عن الفرنسي بيار كاميت أنّ «صرامة فرنسا في التعامل مع الحركات الإرهابية» تلين عندما يتعلق الأمر بإنقاذ حياة مواطنيها، ما زاد من نقمة السلطات الجزائرية، وخصوصاً أن النتيجة الملموسة لضغوط باريس من أجل إطلاق سراح الرعية الفرنسية هي عودة أعضاء «قاعدة المغرب» المفرج عنهم إلى العمل المسلح في جنوب الجزائر.
ولهذا القلق ما يبرّره، فقد بدأت إيطاليا بدورها الضغط على مالي لإقناعها بالمساعدة على إطلاق سراح الإيطالي سيرجيو شيكالا وزوجته فيلومين كابوري، اللذين يشتبه في أن «قاعدة المغرب» يحتجزهما في شمال مالي.