هيستيريا أمنيّة لترويع متظاهري 6 نيسانوائل عبد الفتاح
منذ ساعات الفجر الأولى ضربت قوات الأمن حصارها على ميادين قلب العاصمة: رمسيس وطلعت حرب والتحرير. انتشرت قوات الأمن المركزي في ما يشبه الطوق المحكم وتركت الفتحة المؤدية إلى مجلس الشعب تحت سيطرة قوات «الكاراتيه» الشهيرة، وهي عناصر مدنية مدربة للتعامل العنيف مع المتظاهرين.
فرق «الكاراتيه» فتشت المواطنين واطلعت على هوياتهم الشخصية واعتدت بالضرب على عدد كبير من المعترضين على طريقة التعامل. والجديد كان الشرطة النسائية التي اختصت بتفتيش النساء.
الضربة الإجهاضية فاجأت النشطاء، الذين طلبوا من أيام رسمياً من وزارة الداخلية الموافقة على مسيرة سلمية تسلم مطالبها إلى رئيس مجلس الشعب، وهي مطالب خاصة بالإصلاح الدستوري.
إلا أن حكمدار (مدير أمن) العاصمة، اللواء إسماعيل الشاعر، رفض الطلب لأن «الظروف الأمنية لا تسمح». وحمّل طلّاب الموافقة الأمنية كل «المسؤولية» إذا قامت المسيرة.
نشطاء «حركة 6 نيسان» أرسلوا رسالة قصيرة إلى اللواء الشاعر على هاتفه المحمول تدعوه إلى المشاركة في المسيرة، إلا أنه (الحكمدار) شارك على طريقته ونزل إلى الشارع ليسهم بنفسه في عملية «الإجهاض». وتنسب إليه إحدى الروايات أنه كان يتحدث مع المتظاهرين مباشرة وأنه عنّف بعضهم وشاهد بعينه عناصر فرقة «الكاراتيه» وهم يوجهون الضربات العنيفة والإهانات للمتظاهرين.
أحد النشطاء هرب بقميصه الممزق إلى الشوارع الخلفية، وناشطة هربت بذراع مكسورة، بعدما جذبتها بعنف يد لم يحدد الشهود بالضبط إن كانت تنتمي إلى فرق القمع التقليدية أو أنها لسلاح النساء الجديد.
صحافي مصري تعرض لتكسير الكاميرا الخاصة به، وآخر فتح عنصر أمني المطواة (السكين) على رقبته ليترك له الكاميرا. أما فريق قناة «الجزيرة» فتعرض لسحب كاميرات. والجديد هو تحطيم كاميرا للتلفزيون المصري والقبض على المخرج وبعض مساعديه.
خطة الترويع تبعتها ضربات صيد، اعتقل فيها نحو 73 ناشطاً، قالت «جبهة الدفاع عن متظاهري مصر» إن سيارات الترحيل حملتهم من ميدان التحرير إلى طريق مصر الإسماعيلية الصحراوي خارج القاهرة، وبالتحديد إلى إدارة تأمين الطرق والمنافذ، وسط أنباء عن عرض المعتقلين على نيابة قصر النيل.
الاعتقالات شملت مجموعات من المارة العاديين. ولم تتوقف مطاردات العناصر الأمنية للنشطاء، حتى إن البعض حذروا، عبر رسائل الهاتف المحمول وموقع «تويتر»، من الجلوس في مقاهٍ وسط المدينة. كذلك تعرض نحو 60 ناشطاً للضرب حين أرادوا تجميع قواهم من جديد في نقابة المحامين.
وحسب تقرير من لجان حماية المتظاهرين، حاصرت قوات الأمن نقابة المحامين واعتدت على 20 شاباً ومنعتهم من الدخول للتضامن مع اعتصام المحامين الذين يطالبون بالإفراج عن كافة المعتقلين. كذلك اعتدى الأمن بدنياً على ثلاث فتيات، هن: عفاف ممدوح، ومجدولين شمس الدين وسارة رمضان.
من ناحية أخرى، منعت قوات الأمن مؤسس حزب «الغد»، أيمن نور، من إقامة مسيرة إلى ميدان التحرير يعلن خلالها ترشحه لرئاسة الجمهورية بنائبين أحدهما سيدة قبطية، كما قالت مصادر صحافية نقلاً عن نور قبل عشية المسيرة الممنوعة.
الأمن منع نور وأنصاره من الخروج إلى الشارع، وأجبرهم على العودة إلى مقر حزب «الغد» في ميدان طلعت حرب، واعتقل كل من حاول الخروج بعد اعتداء تقليدي بالضرب.
«الهستيريا الأمنية» أعادت إلى الذاكرة أحداث 2005 الشهيرة، حين تعرضت ناشطات للاغتصاب أمام نقابة الصحافيين. ولاحظ شهود في مسيرة أمس أن أعداد الناشطات المشاركات كان كبيراً مقارنة بالتظاهرات الأخيرة.
ولم يكن قلب القاهرة وحده تحت الحصار، إذ طوّقت العشرات من ناقلات جنود الأمن المركزى جميع جامعات مصر، واستقرت أكثر من 40 سيارة أمام جامعة القاهرة، الأمر الذي عرقل حركة المرور في المناطق المحيطة بالجامعات.
في جامعة القاهرة، تظاهر عشرات الطلاب أمام قبة الجامعة وأعلنوا مطالبهم بتعديل المواد الرقم 76و77 و88 من الدستور وإلغاء قانون الطوارئ. وردد المتظاهرون هتافات، بينها «يا حرية فينك فينك الطوارئ بيني وبينك».
وشهدت جامعات أسيوط وبني سويف والزقازيق وكفر الشيخ تظاهرات حاشدة، فيما وُزع في جامعة المنصورة بيان تأييد للمدير السابق للوكالة الدولية للطاقة الذريّة محمد البرادعي.
وفي جامعة عين شمس، واجهت إدارة الجامعة الدعوة إلى التظاهر بتنظيم حفل غنائي للفنان محمد حماقي، ما أدى إلى تجمع آلاف الطلبة منذ الصباح أمام قصر الزعفراني. كذلك نُشرت شائعة عن حضور المدير الفني للمنتخب القومي لكرة القدم حسن شحاتة للقضاء على فكرة التظاهر وصرف الطلاب عنها.
الروايات على «تويتر» ساخنة، وأوحت إلى متحمس أنها قد تكون بداية «إيران ثانية»، لكنها جميعاً تعبر عن حالة غضب. وروت شاهدة عيان أنه في شوارع وسط المدينة «يحملق المارة في انكسار ويسرعون مبتعدين. مشاهد من فيلم رعب رأيته متجسداً أمامي».
وهذا على ما يبدو كان الهدف من خطة الترويع التي أنتجتها الشرطة المصرية أمس، حيث كان الضرب الوحشي وترك علامات على أجساد المتظاهرين. رسالة لا تعبّر فقط عن ذعر من حالة الغضب الشعبي المطالب بالتغيير، بل عن رسالة تحذير يعلن فيها النظام رغبته في استعادة الشارع.


حرب «إلكترونية»الحرب الإلكترونية استهدفت أيضاً موقع حركة «شباب ٦ نيسان»، الذي اختفى بداية من الساعات الأولى ليوم أمس.
ورغم إعلان الجمعية الوطنية للتغيير عدم مشاركتها الرسمية، إلا أنها لم تمنع أنصارها الذين شاركوا بصفاتهم الفردية، ومن بينهم الإعلامي حمدي قنديل والقيادي جورج إسحاق.