120 كيلومتراً جديداً من الاسمنت تلتفّ حول عاصمة الرشيد
بغداد ــ زيد الزبيدي
عندما بدأ بناء الجدران العازلة في بغداد، عام 2006، أنكرت الحكومة وجود خطط لتطويق العاصمة العراقية، ونفت أي علم لها بها، معلنة أن الطرف الأميركي هو الذي يقوم بنصب بعض القواطع في أماكن محددة، كمناطق الأعظمية و«الصدر». لكن سرعان ما تجلّت الحقيقة، وهي تطويق هاتين المنطقتين بالكامل، وتجزئتهما بجدران داخلية. استمر العمل بجهد أميركي، ومشاركة من القوات العراقية، لعزل كل مناطق بغداد، الواحدة عن الأخرى، وعزل الأحياء بعضها عن بعض.
سجون داخل سجون تمّ نشرها في بغداد، وامتدت إلى المحافظات الأخرى بموجب خطة «فرض القانون»، التي كان من نتائجها تهجير زهاء مليون مواطن من بغداد وحدها، إضافة إلى اعتقال عشرات الآلاف، وجعل المدينة الجميلة، عبارة عن متاهات من الجدران التي تخنق الساكنين خلفها.

المستشار الأمني السابق لطالباني: السور مؤامرة ديموغرافية خطيرة جداً
وبعد الإنكار الحكومي، ساد الإجهار والتفاخر بأن الخطة الأمنية للحكومة نجحت، رغم الكوارث التي تنتج منها يومياً، من خلال اجتياز السيارات والشاحنات المفخخة، عشرات الجدران العازلة ونقاط التفتيش، لتصل إلى أهدافها في قلب بغداد.
أمام هذا الفشل، تعدّ حكومة نوري المالكي لبناء أكبر جدار عازل: «سور بغداد».
كتلة هائلة من الاسمنت بارتفاع ثلاثة أمتار، تمتد على مسافة تقارب الـ120 كيلومتراً، لتلفّ محيط العاصمة، وسيكون مجهّزاً بكاميرات مراقبة، مدعوماً بمراقبة جوية ومفارز متحركة على مسافة بضعة أمتار من السور، لتسجيل أي خرق أو عبور يقوم به المسلحون، ويضم ثماني بوابات للدخول والخروج. وكان المتحدث باسم قيادة عمليات بغداد، قاسم عطا، قد أعلن أن قيادة العمليات تلقّت توجيهاً رسمياً من أجل التريث في بناء السور، بسبب عدم تخصيص الأموال اللازمة لإنجازه بعد. وأوضح عطا أنّ السور سيتكوّن من سياج اسمنتي، وخنادق في المناطق الزراعية، وستكون المداخل الرئيسة للعاصمة عبر ثماني نقاط تفتيش نموذجية، وأجهزة مراقبة وتصوير بري وجوي. كما أنه سيكون مزوّداً بمنظومة اتصال حديثة في كل نقطة من نقاط التفتيش.
وأوضح وكيل وزارة الداخلية، الفريق أحمد الخفاجي، أنّ الغاية منه «قطع الطرق على الإرهاب». وتابع «نتوقّع كثيراً من الانتقادات التي ستُوَجَّه إلى هذا المشروع، لكنّ حماية الناس الأبرياء هي هدفنا، وعندما يحقّق السور أهدافه سندرك أهميته». ويشير الخفاجي إلى أن الطرق الثماني التي سيحتويها السور، هي طرق نظامية موجودة أصلاً، ولن تُشعر المواطن أو الزائر بأن العاصمة معزولة أو مطوقة، لكنها ستكون «عصيّة على الإرهابيين فقط».
ولا يرى وكيل وزارة الداخلية أن بناء جدار حول بغداد يعني فشل الخطط الأمنية السابقة، بما أن «الخطط الأمنية تتبدل باستمرار، كما يبدل الخصوم استراتيجياتهم». وبينما أنكر مجلس محافظة بغداد، الذي يسيطر عليه الائتلاف الحاكم، «دولة القانون»، فكرة بناء السور، أفادت مصادر عسكرية بأن بناءه هو بمثابة «الحل الأخير» لمواجهة موجات العنف، علّه يغطي على فشل جميع الخطط الأمنية المطبقة منذ سنوات، وضعف قدرة الأجهزة الأمنية المتزايدة الأعداد.
ويقول الخبير العسكري طاهر الزيدي إنّ فكرة بناء «سور بغداد» هي عملية مكمّلة لعملية عزل مناطق وأحياء بغداد طائفياً، وخاصة إذا علمنا أن محيط بغداد كله، ومن كل الجهات، تسكنه غالبية مطلقة من العرب السنّة؛ فمن الشرق والشمال الشرقي، هناك مناطق ديالى «الساخنة»، ومن الشمال مناطق التاجي وصلاح الدين، ومن الغرب مناطق أبو غريب والفلوجة والرمادي، ومن الجنوب والجنوب الغربي مناطق المدائن واليوسفية والمحمودية المعروفة بـ«مثلث الموت».
وفي السياق، يتشكك بعض الخبراء الأمنيين بإمكان منع الهجمات المسلحة من خلال هذا السور، وخصوصاً أنّ الهجمات الأخيرة أظهرت «عبور منفذي التفجيرات من خلال الطرق النظامية، وتحت أنظار رجال الأمن».
من جهتها، تؤيد القوات الأميركية في العراق فكرة السور بشدة، وترى أنه يسهل مهمة حفظ الأمن داخل العاصمة. وعبّر نائب قائد القوات الأميركية في بلاد الرافدين، الجنرال مايكل باربيرو، عن اقتناعه بأن بناء سور أمني حول مدينة بغداد «يساعد قوات الأمن العراقية في ضبط المتفجرات بصورة كبيرة»، مشيراً إلى استقدام «حلف شمالي الأطلسي» مجموعة مدربين من إسبانيا لتدريب القوات البرية العراقية على مهمة حماية السور.

استقدم الحلف الأطلسي ضباطاً إسبانيّين لتدريب القوات العراقية على حمايته
إلا أنّ هذا السور يثير إشكالية في تحديد حدود العاصمة، التي تتميز بالتشابك وتداخل أحيائها، وهي تتصل مع المحافظات المجاورة لها من خلال العشائر المنتشرة في محيط بغداد، وغالبيتها من العشائر السنّية.
وتظهر معارضات أخرى ضد بنائه، حتى إنّ المستشار السابق للرئيس جلال الطالباني للشؤون الأمنية، وفيق السامرائي، حذّر من أن السور «سيعزل العاصمة، ويعكس حالة الجهل والفشل الذريع لدى المسؤولين السياسيين والعسكريين والأمنيين»، مؤكداً أن المقصود ببناء هذا السور «مؤامرة ديموغرافية خطيرة جداً».
كذلك، فإنّ القائد السابق للشرطة، اللواء مهدي الغراوي، أكّد أن بناء هذا السور في الوقت الراهن «فكرة غير مجدية أمنياً واستراتيجياً، ومن اقترح الفكرة يتجاهل قضايا أساسية، أهمها أن العدو يطور استراتيجيته وتقنياته لمواجهة أي معوقات تقف أمامه».
إلا أن فكرة بناء سور حول بغداد ليست وليدة اليوم، إذ إنها طرحت قبل عام 2007 لمواجهة أعمال العنف، من خلال «نظام عزل فعال ومتنوع»، يتضمن إيجاد 21 منفذاً على الأقل، لمنع إثارة انطباع لدى الأهالي بسجن مدينتهم، ولكي يتم بعدها نقل القوات الأمنية من داخل العاصمة إلى خارجها.


أسوأ مدن العالم

بغداد ــ الأخبار ومن حيث البيئة، جاءت بغداد أيضاً في أدنى مراتب القائمة، إذ احتلت المركز 214 عالمياً، وفقاً لمعايير توفر المياه وصلاحيتها للشرب، والتخلص من النفايات، ونوعية أنظمة مياه الصرف الصحي، ومدى تلوث الهواء والازدحام المروري. في المقابل، حافظت العاصمة النمسوية فيينا، على صدارتها كأفضل مدينة في العالم، بينما أشار التقرير إلى تبوّء دبي، المرتبة 75، وأبو ظبي المرتبة 83 في القائمة، واعتبرتا أفضل مدن الشرق الأوسط للعيش فيهما.