خاص بالموقع- كان أمس موعداً لتقديم لائحة اتهام ضدّ رئيس لجنة الدفاع عن الحريّات والمدير العام لاتحاد الجمعيات الأهلية العربية، أمير مخول (52 عاماً)، في المحكمة المركزية في حيفا. وتضمنت لائحة الاتهام بنوداً بمخالفات: الاتصال بعميل أجنبي، التجسّس، التجسّس الخطير والتآمر لمساعدة العدو ومساعدة العدو أثناء الحرب.
وقدّمت النيابة العامة لائحة اتهام أخرى في المحكمة المركزية في مدينة الناصرة، أخفّ وطأة (نسبة إلى اللائحة المقدّمة ضدّ مخول)، ضدّ الناشط في التجمّع الوطني الديموقراطي عمر سعيد (50 عاماً) تضمنت: الاتصال بعميل أجنبي، وتقديم معلومات ممكن أن تفيد العدو.

كانت البداية في حيفا، حيث محاكمة مخول. فقد تجمّع خارج قاعة المحكمة العشرات من النشطاء من كل التيارات السياسية، الذين رفعوا شعارات مندّدة باعتقال مخول. وداخل القاعة، ظهر مخول مكبّل اليديّن، ومحاطاً بعددٍ من العناصر الأمنية، يحاول أن يبثّ روحاً معنوية. يرفع يديه المكبّلتين لينزلهما أحد الحرّاس.

وقبل انطلاق المحاكمة، استطاعت زوجة أمير، جنان، لأول مرة، أن تضم زوجها للحظة. في تلك الفترة الزمنية القليلة، أدلى مخول بتصريحات سريعة لوسائل الإعلام، قال إنّه ينفي كل التهم الموجهة إليه، مبيّناً أن «الشاباك الإسرائيلي هو الذي يسيطر على المحكمة»، وأن هذه التهم «بالون سيُنفّس»، مؤكّداً «تعرّضه للتعذيب والتحقيق لساعات طويلة وعدم لقاء محام».

وقد قال شقيق أمير، عضو الكنيست السابق، عصام مخول لـ«الأخبار»: «الاعترافات التي يتحدثون عنها انتزعت خلال التعذيب. أمير تعرّض لتعذيب. من عليه الجلوس على كرسي الاتهام هو الشاباك وليس أمير».

وبحسب لائحة الاتهام التي قدّمتها النيابة الإسرائيلية العامّة، فإنَّ مخول التقى خلال عام 2008 عميلاً أجنبياً تابعاً لحزب الله في الدنمارك «ووافق على أن يكون مصدر معلومات سرّياً للتنظيم الشيعي». وأضافت اللائحة أنَّه «حسب اعتراف» مخول، فإنَّ الاتصال بحزب الله كان بمساعدة شخص يدعى حسن جعجع، مواطن لبناني يعيش في الأردن، وكان على اتصال معه لعدّة سنوات.

وأشارت لائحة الاتهام إلى أنه «في 2008، وبعدما تبيّن له أن جعجع له علاقة بحزب الله، قبل (أمير) اقتراحه للقاء عميل حزب الله في أوروبا». وأضافت أنه «عند لقاء مخول مع العميل، ركّب له برنامج تشفير لتمكينه من إرسال رسائل مشفّرة إلى حزب الله».

وذكرت اللائحة أنه «عند اعتقال الشاب راوي سلطاني، (أدين بنقل معلومات لحزب الله وحكم عليه بالسجن 68 شهراً)، أتلف مخول برنامج التشفير، ورمى القرص الصلب من حاسوبه الشخصي، خوفاً من القبض عليه. ومن ضمن ما تدّعيه لائحة الاتهام أن مخول سلّم حزب الله قوائم بأسماء أشخاص يمكن حزب الله أن يُجنّدهم في صفوفه، وعن موقع «الموساد» في مركز البلاد، ومواقع الشاباك المركزية في الشمال، والترتيبات الأمنية حول هذه المواقع، إضافة إلى تفاصيل أخرى عن مواقع استراتيجية».

إنَّ لائحة الاتهام المذكورة عبّرت عن موقف الشاباك، إلّا أنَّ لمخول وعائلته ومحاميه ما يقال ضد ما ورد. وفي عودة إلى الأيام القليلة الماضية، كان مخول قد أعلن أمام محكمة الصلح في بيتح تكفا أنَّه خضع لوسائل تحقيق عسيرة للغاية، ألحقت به أضراراً نفسية وجسدية، ودفعته إلى الاعتراف بالشبهات التي اتهمه بها محقّقو «الشاباك»، والتي لم يرتكب أيّاً منها على الإطلاق. وجاء في بيانٍ صادر عن مركز «عدالة»، إنّ وسائل التحقيق اللاغية شملت، من بين ما شملته، منع النوم خلال أيام التحقيق الأولى التي حُقق معه فيها بلا توقّف تقريباً، بينما كانت يداه مكبّلتين بوضعية مؤلمة إلى كرسيّ مثبت في الأرض ولا يلائم معطيات جسده. كذلك يُذكر أنّ محققي «الشاباك» كبّلوا يدي مخول وراء الكرسي، حيث كانت كتفاه وذراعاه مشدودة إلى الوراء، بينما كانت رجلاه مطويّتيْن إلى الخلف وملتصقتيْن بالكرسيّ، حيث مالت ركبتاه باتجاه الأرض. وبعد شكواه من الآلام المبرحة، ربط محقّقو الشاباك رجليه أيضاً بأرجل الكرسي. وأشار محامو مخول إلى أنه تعرّض لتهديد أثناء التحقيق معه بأنه سيخرج من التحقيقات مُعوّقاً وبأنه سيظلّ جالساً على الكرسيّ حتى يُصاب بالبواسير. وقد رُفض طلب «عدالة» وجمعية «أطباء لحقوق الإنسان»، طيلة فترة الاعتقال، بالحصول على نسخة من التقارير الطبية الخاصّة بمخول والسّماح لطبيب من طرفه بدخول السجن وفحصه، حتى قبلت سلطة السجون الطلب أول من أمس فقط.

الأجواء كانت مشابهة في محاكمة د. عمر سعيد، وهناك أيضاً كان عشرات من النشطاء السياسيين من كل الأحزاب موجودين، ورفعوا شعارات مندّدة بالاعتقال. وقد كان سعيد يظهر لأول مرة منذ اعتقاله. وبحسب لائحة الاتهام، فإنَّ سعيد كان في عطلة في شرم الشيخ في صيف عام 2008، حين توجّه إليه شخص عرض نفسه أنه «لبناني»، وتبادل الحديث معه مدة ساعة، والتقى معه في الغداة حيث تحدثا عن العلاقات بين اليهود والعرب في الداخل، وعن نظرة عرب الـ48 لحزب الله، وتقويمهم لحرب لبنان الثانية.

وتدّعي لائحة الاتهام أن هذا الشخص اللبناني هو ناشط في حزب الله، وأنه قد توجّه إلى سعيد بناءً على توجيه من حسن جعجع، الذي كان على صلة بسعيد. وبحسب لائحة الاتهام، فقد طلب من سعيد تصوير مواقع عسكرية واقتصادية وصناعية، وجمع معلومات عن مواقع عسكرية وأمنية في البلاد، وعرض عليه برنامج مشفّر، إلّا أنَّ سعيد رفض التعاون. وقد أعطى الشخص اللبناني ورقة لسعيد كتب عليها عنواناً إلكترونياً ليرسل له أسماءً لمن يمكن تجنيدهم، إلا أنَّ سعيد مزّق الورقة.

وكان سعيد الذي اعتقل في 24 نيسان الماضي، قد تعرض أيضاً لساعات طويلة من عدم النوم والتحقيق معه. كذلك مُنع من لقاء محاميه على مدار أسبوعين. وينكر سعيد كل التهم الموجهة إليه. وقد بيّن طاقم الدفاع أن لائحة الاتهام لا أساس قانونياً لها، وقال أعضاء الطاقم أنهم فوجئوا بلائحة الاتهام.

وأصدرت لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية ولجنة الدفاع عن الحريات المنبثقة عنها بياناً بشأن لائحتي الاتهام ضد سعيد ومخول جاء فيه: «لقد تابعنا على مدى الأسابيع الماضية، ومنذ اعتقال الدكتور عمر سعيد والأستاذ أمير مخول، الأساليب والممارسات الغريبة التي تتناقض مع حقوق الإنسان ومع الحقوق القضائية، والشفافية في التحقيق، التي أقدمت عليها أجهزة الاستخبارات والشرطة، حيث حملت هذه الممارسات إشارات واضحة إلى النية المبيّتة لهما ولجماهيرنا برمّتها، وذلك من خلال التكتّم على التهم أو تسريب تهم مضخّمة كالتجسس لجهات معادية، أصبح من الصعب على هذه الأجهزة الظلامية التراجع عنها، حتى لو فُبركت، ومورست كل أشكال التعذيب الجسدي والنفسي على المعتقلين لإمرارها أو لإمرار جزء منها. وها هي تقرّر تقديم لوائح اتهام مستندة إلى الأجواء العدائية التي خلقتها، وإلى الأساليب غير الديموقراطية وغير الإنسانية».