إزاء المخاطر، انعدام اليقين، والمتغيرات الكثيرة جداً، فإن الاستنتاج المعقول الذي يمكن استخلاصه هو أن زعماء إسرائيل سيجدون صعوبة باتخاذ قرار بقصف إيران. والمعنى هو أن إسرائيل سيتعين عليها أن تعيش في ظل المظلة النووية الإيرانية
يوسي ميلمان ــ هآرتس
الاتفاق الذي وقعته إيران مع تركيا والبرازيل، يقلص احتمال أن تفرض عليها عقوبات أليمة بسبب تواصل تطوير برنامجها النووي. واستناداً إلى تصريحات نتنياهو، يمكن التوصل إلى استنتاج واحد واضح: إسرائيل ستفعل كل ما في وسعها، بما في ذلك استخدام القوة العسكرية، كي تمنع إيران من تصنيع قنبلة نووية أولى. لكنّ فحصاً للحقائق يبين صورة مغايرة جوهرياً. إسرائيل ستجد صعوبة شديدة في تدمير البرنامج النووي الإيراني أو حتى إبطائه.
صحيح، لمن ينصت إلى تصريحات نتنياهو وإلى التداعيات التاريخية التي يستخدمها، لا يبقى شك: السلاح النووي بيد إيران سيكون تهديداً وجودياً وإسرائيل لن تحتمله. هذه الفرضية تدعمها أيضاً سابقات تاريخية. لمرتين دمر طيارو سلاح الجو منشآت نووية في دول عربية معادية، لمنعها من التسلح بسلاح نووي (العراق وسوريا).
بعد الهجوم في العراق، وصف محللون قرار مناحيم بيغن وإيمانه المتشدد بأنه «عقيدة بيغن»، وأعطوه معنى استراتيجياً. وشرح المحللون بأنه من حيث الجوهر يقضي هذا المفهوم بأن إسرائيل لن تسمح أبداً لدولة أخرى في الشرق الأوسط أن تملك مثل هذا السلاح. ووقفت «عقيدة بيغن» أمام اختبار آخر في أيلول 2007، عندما دمرت إسرائيل مفاعلاً نووياً استكملت سوريا بناءه.
هناك بعض الفوارق البارزة بين الهجومين. قبل الهجوم في العراق، لم تشرك إسرائيل دولاً أخرى في نياتها، ولا حتى الولايات المتحدة. وبعد الهجوم، أعلنت حكومة إسرائيل رسمياً أن طياريها هم الذين نفذوا العملية. في الحالة السورية، حصل العكس تماماً: إسرائيل، برئاسة أولمرت ووزير الدفاع باراك، أطلعت الولايات المتحدة قبل بضع ساعات من العملية. لكن منذ العملية وحتى اليوم، تُبقي إسرائيل على الغموض ولم تأخذ مسؤولية هذا الفعل على عاتقها.
صورة إسرائيل في الساحة الدولية يصممها بقدر كبير هذان الهجومان الناجحان. فقد خلقا الانطباع بأن سلاح الجو على نحو خاص، والجيش الإسرائيلي على نحو عام، قادران على أن يخرجا إلى حيز التنفيذ بنجاح كل أمر من هذا النوع تتخذه الحكومة. ثمة غير قليل من السياسيين في إسرائيل، وقادة عسكريون أصبحوا أسرى هذه الأسطورة. لكن عملياً، الواقع أكثر تعقيداً بكثير. ففي المحادثات خلف الكواليس تختلف لهجة أصحاب القرار في القيادة العسكرية والسياسية اختلافاً تاماً. وهم يفهمون المصاعب الاستراتيجية ـــــ العسكرية، السياسية والاقتصادية التي سيجلبها معه القرار بمهاجمة إيران.
أحد أوائل من عبّروا عن هذا النهج الواعي، هو العميد في الاحتياط إسرائيل شبير، الذي تبوأ قبل بضع سنوات المنصب الثالث في أهميته في سلاح الجو، وشارك في الهجوم على المفاعل في العراق. ومنه سمعت قبل نحو خمس سنوات الادعاء الأليم، أن سلاح الجو سيجد صعوبة في أن يعيد تمثيل نجاحه في العراق بنجاح في إيران.
لكن ليس فقط رجال سلاح الجو في السابق وفي الحاضر يدعون أن الواقع صعب من ناحية إسرائيل. فالتعرف إلى طبيعة وسلوك معظم أعضاء القيادة السياسية والعسكرية في إسرائيل يؤدي أيضاً إلى استنتاج أنهم يعرفون قيود القوة الإسرائيلية. نتنياهو يُعَدّ متردداً، خوافاً وكمن يعلق في فزع، وعليه سيجد صعوبة في أن يأمر الجيش في الانطلاق إلى عملية. أما باراك ورئيس الأركان غابي أشكنازي، فيُعَدّان زعيمين حذرين ومتزنين يعرفان الفوارق الجوهرية بين الهجوم على المفاعل السوري والهجوم على المنشآت الإيرانية.
لكن فوق كل شيء، فإن الاعتبار المركزي لإسرائيل في كل قرار يرتبط بمواضيع الأمن الوطني والمسائل الوجودية كان دوماً موقف الولايات المتحدة. تقريباً طالما ترددت في مسائل الحرب والسلام، فكرت إسرائيل قبل كل شيء، ما الذي ستقوله وتفعله واشنطن. من هنا الاستنتاج المعقول والمنطقي بأن إسرائيل لن تخرج إلى هجوم في إيران ما دامت إدارة أوباما تعارض ذلك بشدة. وكي لا يكون مجال لأخطاء، حرصت الإدارة على أن يصل إلى إسرائيل العديد من كبار مسؤوليها وأن يوضحوا موقفهم بلغة لا تقبل التأويل.
مثل هذا الهجوم سيخلق عدم استقرار في الشرق الأوسط، سيزيد التأييد في العالم السني ـــــ الإسلامي لإيران الشيعية وسيعرض للخطر الأنظمة المؤيدة للغرب في الأردن، في مصر، في السعودية، في العراق، في البحرين وفي باقي الإمارات العربية.
ولكن هيا نفترض أنه في مرحلة معينة، في مخرج أخير، غيرت الإدارة الأميركية رأيها وصدّقت في إسرائيل على مهاجمة إيران. هناك عدة اعتبارات سيتعين على إسرائيل أن تأخذها بالحسبان، أهمها الاستخبارات، قدرة سلاح الجو (المسار وعدد الطائرات والذخيرة)، والنجاح والثمن. لكن لعل الاعتبار الأهم الذي يقف أمامه أصحاب القرار في إسرائيل هو رد فعل إيران على الهجوم (وانضمام حزب الله وسوريا وحماس).
وأوضح أن معضلة «القصف أو عدم القصف» التي تقف أمامها القيادة الإسرائيلية هي من أشد المعضلات قسوة في تاريخ إسرائيل.