كان يوم أمس في غزة على موعد مع حرق مخيّم لـ«أونروا». عملٌ قد تكون له تداعيات، بدأ بتعزيز التوتر بين «فتح» و«حماس»، فيما كان رئيس الحكومة المقال، إسماعيل هنية، يغني على ليل آخر: الانفتاح على أميركا

هنية لإدارة أوباما: نريد علاقات مباشرة



غزة ــ قيس صفدي
بعد ساعات على دعوة حكومة «حماس» إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى فتح حوار متبادل معها، اقتحم مسلحون مجهولون مخيماً صيفياً تابعاً لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «أونروا»، في مدينة غزة، وأحرقوه.
ولم يكن من «أونروا» إلا أن نددت بفعل التدمير والحرق، الذي فتح سجالاً جديداً بين حركتي «فتح» و«حماس». الأولى رأت فيه «إرهاباً» تتحمل مسؤوليته الحركة الإسلامية، التي أدانت الاعتداء وتعهدت بملاحقة منفذيه ومحاسبتهم.
وقال مصدر مسؤول في «أونروا»، نقلاً عن حارس المخيم، إن «عشرات المسلحين الملثمين أغلقوا الطريق الساحلية واعتدوا على الحارس، قبل أن يقتحموا المخيم ويدمروا محتوياته ويحرقوا الخيام». وأضاف أن المسلحين «سلموا الحارس رسالة تهديد موجهة إلى مدير عمليات أونروا في قطاع غزة، جون غينج، في داخلها أربعة عيارات نارية»، متوعدين في رسالتهم «المسؤولين عن هذه المخيمات بإجراءات قاسية».
وقال غينج، في مؤتمر صحافي على هامش تفقده المخيم المذكور: «نحن موجودون هنا لنرى هذا المنظر البشع. لا شك في أن هذا العمل ناتج من عقلية عنصرية ومتطرفة، وهو هجوم على سعادة الأطفال». ووعد الأطفال وذويهم بأن أونروا لن تتراجع تحت وقع التهديد، وستعمل على إعادة بناء المخيم، «لأننا ننوي رسم الابتسامة على وجه 250 ألف طفل من أطفال الأونروا الذين سجلوا في ألعاب الصيف».
ولم تعلن أي جهة فلسطينية مسؤوليتها عن الهجوم على المخيم. إلا أن جهة غير معروفة، أطلقت على نفسها اسم «حقوق اللاجئين»، أبدت في بيان اعتراضاً شديداً على المخيمات الصيفية التابعة لـ«أونروا»، ونددت بما يحدث داخل المخيمات الصيفية، و«مكوث بنات المرحلة الإعدادية على شواطئ البحر لتعليمهن السباحة والرقص والمجون».
ومثّل فعل الحرق هذا فرصة لتأجيج النزاع الفلسطيني الداخلي. وحمّل الناطق باسم «فتح»، أسامة القواسمي، الحركة الإسلامية مسؤولية ما وصفه بـ«اعتداء إرهابي على حقوق الطفل الفلسطيني وحقه في الحياة». ورأى «أن الجريمة دليل على ذهنية متخلفة مسيطرة تسعى إلى أخذ شعبنا الفلسطيني في غزة إلى غياهب التجهيل والتعصب»، محذراً من «كارثة إنسانية وثقافية في ظل حكم حماس». إلا أن الحكومة المقالة التي تديرها «حماس»، تعهدت بملاحقة المعتدين على المخيم ومحاسبتهم. وأعرب الناطق باسم الحكومة، طاهر النونو، عن استياء الحكومة من البيان الصحافي الذي وزع في بعض مناطق قطاع غزة حول بعض الإشكاليات المتعلقة بعمل «أونروا» في القطاع.
وقال الناطق باسم وزارة الداخلية في غزة، إيهاب الغصين، «إن الشرطة فتحت تحقيقاً في الحادث»، مشدداً على «أن هذا العمل مدان بشدة وسيُحاسَب الفاعلون فور الكشف عنهم».
وكان مجهولون يطلقون على أنفسهم «أحرار الوطن»، قد وزعوا بياناً قبل يومين هددوا فيه بـ«إجراءات قاسية» بحق «أونروا» وغينج.
ما حدث يوم أمس في غزة لا يشبه اليوم الذي قبله، حين أعلنت «حماس» انفتاحها على الولايات المتحدة، وحمّلت وفداً أميركياً زار القطاع، رسائل عدة إلى الإدارة لأميركية، دعتها فيها إلى فتح حوار متبادل معها. وقال وكيل وزارة الخارجية في حكومة «حماس»، أحمد يوسف، في مؤتمر صحافي عقده في أعقاب اجتماع هنية مع الوفد الأميركي، إن «اللقاء ركز على الدعوة إلى حوار متبادل مع الإدارة الأميركية والشعب الأميركي، وضرورة رفع الفيتو عن المصالحة الفلسطينية».
وأضاف يوسف أن هنية «حمّل الوفد رسائل عدة تعبّر عن سعي الشعب الفلسطيني إلى التوصل إلى السلام والأمن في المنطقة، ودعا إلى ضرورة فتح علاقات مباشرة معها من أجل العمل على نقل الصورة الحقيقية عن الشعب الفلسطيني وقضيته». وأوضح أن هنية عبّر عن أمله أن «تعمل الإدارة الأميركية على فك الحصار المفروض على قطاع غزة»، مؤكداً «عدم وجود معارضة لفكرة الدولة الفلسطينية على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشريف، من أجل تحقيق الأمن للشعب الفلسطيني».
وكان الوفد الذي يضم سبع شخصيات سياسية وأساتذة جامعات ينتمون إلى الجمعية الوطنية للمصالحة الدولية في الولايات المتحدة، قد وصل إلى غزة مساء الجمعة الماضي، في إطار جولة لتقصي الحقائق في منطقة الشرق الأوسط، وسعياً الى تحقيق مصالحة فلسطينية.
وقال رئيس الوفد، ديفيد نيوتن، إن الزيارة «هي المحطة الأهم في الجولة للاطلاع على حجم المعاناة والواقع الإنساني، ونقل هذه المعاناة إلى أعضاء الكونغرس»، مؤكداً سعيهم إلى «تحقيق توازن في الشرق الأوسط».

عباس ينفي التنازل في تبادل الأراضيبعد مرور نحو ثلاثة أسابيع على بدء المفاوضات غير المباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليّين، كانت قضية تبادل الأراضي هي الأبرز، وخصوصاً بعد نفي الحكومة الإسرائيلية والرئاسة الفلسطينية التنازل الفلسطيني
نفى الرئيس الفلسطيني محمود عباس أمس أن يكون قد قدم أي تنازلات في قضية تبادل الأراضي. نفي أكده رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو، في ظل تسريبات إعلامية إسرائيلية عن أن أبو مازن قدم للمبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط، جورج ميتشل، عرضاً تكون فيه مساحة الدولة الفلسطينية في الضفة الغربية مشابهة لمساحتها في حدود عام 1967.
وأوضح عباس، خلال استقباله ممثلين عن حملة «من بيت لبيت» لمقاطعة منتجات المستوطنات الإسرائيلية، أن «المباحثات غير المباشرة شملت جولتين حتى الآن، تناولت قضيتي الحدود والأمن في الأولى، فيما حمل (ميتشل) في الثانية أسئلة مهنية وقانونية». وقال: «سنجيب عن هذه الأسئلة بالتنسيق مع الأشقاء العرب، لأننا اتخذنا قرار الذهاب إلى المباحثات غير المباشرة بناءً على توصيات لجنة المتابعة العربية».
ونفى عباس ما تناقلته وسائل الإعلام الإسرائيلية عن استعداد الفلسطينيين للتنازل عن مساحة أكبر من الأراضي. وقال: «نحن لم نتفق على مساحة الأرض، لكن اتفقنا على مبدأ مبادلة الأرض (المساواة) في الجودة والقيمة». وأكد أنه «حتى الآن، لا نستطيع القول إن هناك تقدماً أو لا، لكن نرجو أن تسير الأمور في هذا الاتجاه، بحيث يُنجَز خلال الفترة التي اتفقنا عليها ملف الحدود والأمن».
وفي ما يتعلق بحملة «من بيت لبيت» لمقاطعة منتجات المستوطنات، قال عباس: «لا يجوز بأي حال من الأحوال أن نستهلك بضائع منتجة من أراضينا التي بنيت عليها المستوطنات، ونحن سعداء جداً بشبابنا وأبنائنا الذين تطوعوا لإخلاء البيوت الفلسطينية من منتجات المستوطنات المبنية على أراضينا». وأضاف: «نحن لا نقاطع إسرائيل لأن لدينا علاقات معها ونستورد منها. لكن بالنسبة إلى المستوطنات، فقد أصدرنا مرسوماً بمنع هذه المنتجات من الدخول إلى الأسواق الفلسطينية، وهناك تأييد لهذه الخطوة من المجتمع الدولي بأكمله».
في المقابل، نفى نتنياهو التقارير الصحافية التي تحدثت عن تقديم عباس اقتراحاً مفاجئاً و«تنازلات بعيدة المدى» في قضية تبادل الأراضي. وأكد، خلال جلسة لوزراء حزب «الليكود»، أن «هذه التقارير غير صحيحة»، لافتاً إلى أن ميتشل «لم يبدأ في المحادثات التقريبية بين الطرفين».
وذكرت صحيفة «هآرتس» أن «عباس قدم لميتشل عرضاً تكون فيه مساحة الدولة الفلسطينية في الضفة الغربية مشابهة لمساحتها في حدود عام 1967، أي 6200 كيلومتر، مع إمكان تعديل الحدود من خلال تبادل الأراضي، تضم إسرائيل بموجبها 1.9 في المئة من أراضي الضفة، على أن تحصل السلطة على مساحة مشابهة لها».
وأشارت «هآرتس» إلى أن عباس «طالب ميتشل باستيضاح موقف نتنياهو من الترتيبات الأمنية، وأنه على استعداد لأن تكون الدولة الفلسطينية منزوعة السلاح جزئياً ومع جيش محدود، إضافة إلى وضع قوات دولية في الضفة لفترة زمنية طويلة، مع انسحاب تام لقوات الاحتلال الإسرائيلي. لكنه لن يوافق على وجود جنود إسرائيليين في أراضي الدولة الفلسطينية».
وأضافت الصحيفة أن عباس أوضح لميتشل أن «الاتفاقات مع (رئيس الحكومة السابق إيهود) أولمرت هي اتفاقات مع حكومة إسرائيل. نحن جديون في نياتنا، وهذا يترجم في الموافقة على احترام هذه الاتفاقات».
وكان أولمرت قدم، وفقاً لمصادر أميركية وإسرائيلية، عرضاً للسلطة يجري بموجبه تبادل للأراضي في الضفة، على أن تضم إسرائيل نحو 6.5 في المئة من أراضي الضفة إلى إسرائيل، في مقابل حصول السلطة على 5.8 في المئة، فضلاً عن ممر يربط الضفة بالقطاع».
من جهة أخرى، رأى وزير الخارجية الإسرائيلي، أفيغدور ليبرمان، أنّ «ثمة شعوراً بأن الفلسطينيين يفضلون أن تصل المفاوضات إلى طريق مسدود، للحؤول دون الانتقال»، مضيفاً أن «من يريد السلام ينبغي أن يعترف بأنه لا بديل لمحادثات مباشرة».
إلى ذلك، جددت الحكومة الفلسطينية المقالة التي تديرها «حماس»، رفضها لاستمرار السلطة الفلسطينية في رام الله بعملية التفاوض مع إسرائيل. وقالت إن «أي تنازل عبر هذه المفاوضات عن حقوق شعبنا هو غير ملزم لأحد».
وفي عمان، التقى وزير الخارجية الأردني، ناصر جودة، نظيره الإسباني ميغيل أنخيل موراتينوس، وأعلن أن «الأردن وإسبانيا سيفعلان كل ما في وسعهما لإنجاح المفاوضات غير المباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين». وأوضح أنه «يجب إظهار الالتزام القوي بالوصول إلى تجسيد حل الدولتين»، مشدداً على «وقف الاستيطان بالكامل».
من جهته، أكد موراتينوس أنّ «علينا أن نعمل معاً لأجل حل الدولتين، ونريد أن نرى هذه الدولة الفلسطينية حقيقة واقعة، وألا ننتظر 62 سنة (أخرى)».
ومن عمان أيضاً، دعا وزير الخارجية الألماني، غيدو فيسترفيللي، الإسرائيليين والفلسطينيين إلى «إجراء مفاوضات سلام مباشرة»، فيما أكد الملك الأردني عبد الله الثاني «أهمية تكثيف جهود المجتمع الدولي لتحقيق تقدم فعلي في عملية السلام، وإطلاق مفاوضات جادة وفاعلة تؤدي إلى قيام الدولة الفلسطينية المستقلة على التراب الوطني الفلسطيني، التي تعيش بأمن وسلام إلى جانب أسرائيل»، مشدداً على «أهمية دور ألمانيا» في هذا الإطار.
(الأخبار، أ ف ب، يو بي آي، رويترز، أ ب)