القاهرة | بات مؤكداً أن من في القاهرة لا يرغبون في عودة آخر رئيس وزراء في عهد حسني مبارك ووصيف محمد مرسي في انتخابات الرئاسة 2012، الفريق أحمد شفيق. هي الرغبة التي إن لم تعلن بوضوح على لسان أي مسؤول رسمي، فإنه يمكن ترجمتها من عدة تصرفات في المدة الماضية.
قبل أيام قليلة، كان شفيق يريد أن يحصل حزبه على الأغلبية البرلمانية للمنافسة على المقاعد الفردية، وأن يخوض الانتخابات سعياً إلى جميع المقاعد بما فيها القوائم. لكن التنسيقات الأخيرة التي باشرها الحزب مع قائمة «في حب مصر»، المحسوبة على الدولة ويقودها اللواء المتقاعد سامح سيف اليزل، عطلت تشكيل قوائم الحزب المتحالف مع عدة قوى حزبية وشبابية أخرى. كذلك نشب صراع بين قيادات «الحركة الوطنية» أدى إلى إرباك الإعداد للعملية الانتخابية.
إذن، يمكن القول إن حزب «الفريق» خرج من المنافسة على الأغلبية، في ظل غياب التنسيق بين القيادة المركزية في القاهرة والأعضاء في المحافظات؛ فقد رشح الراغبون في خوض الانتخابات عبر الحزب أنفسهم على المقاعد الفردية، خاصة أنه هو أقوى العناصر المؤثرة في تحالف «الجبهة المصرية» و«تيار الاستقلال».
هذا التحالف عاد سريعاً إلى القوائم السابقة التي سارعت إلى تقديم أوراقها، لكن إحدى القوائم تعرضت لسرقة أوراقها عند التقديم في اليوم الأخير لفتح باب الترشح (15 أيلول).
عملياً، فإن صدمة التحالف والحزب لم تكن فقط في سرقة أوراق إحدى القوائم، بل إن «اللجنة العليا للانتخابات» استبعدت قائمتين من الثلاثة التي تقدم بها التحالف بسبب مشكلات إجرائية ترتبط بنقص بعض الأوراق، وقد وجد التحالف في هذا الأمر تعنتاً واضحاً ضده، عبّر عن ذلك رئيس حزب «الجيل»، ناجي الشهابي، الذي اعتبر قرار اللجنة «محاولة لإخلاء الطريق أمام قائمة في حب مصر» الأوفر حظاً، وتليها قوائم حزب «النور» السلفي.
وفي القانون، يحق لأحزاب التحالف، بزعامة شفيق، التقدم للطعن في قرار رفض القوائم، وهو ما سيجري بالفعل، استناداً إلى حصولهم على أوراق قانونية تؤكد قبول ورق الترشيح مبدئياً، وهو ما يعني أنه جرت مراجعتها وتسلمها من دون نقصان. وتبقى نتيجة الطعون التي ستقدم أمام محكمة القضاء الإداري رهن قرارات المحكمة، وبالتأكيد ستؤثر في فرص فوز القوائم مع تأخير انطلاق الحملات الدعائية للتحالف.
فوق هذا كله، لم يكن أكثر المتشائمين بشأن شفيق يتوقع ما وصلت إليه أوضاعه الآن، فحزبه الذي حرص على بنائه وأنفق عليه أموالاً كثيرة بمساعدة المقربين منه، لن يكون صاحب قوة مؤثرة في البرلمان، وسيكون نصيبه في أفضل الأحوال أقل من 10%.
والرجل الذي هرب من حكم «جماعة الإخوان المسلمين»، قبل إحالته إلى التحقيق في قضايا فساد عن توليه وزارة الطيران لمدة عشر سنوات خلال حكم مبارك، لم يستطع العودة إلى القاهرة حتى الآن رغم براءته من جميع القضايا، وإحالة القاضي المحقق فيها إلى وظيفة إدارية، لإدانته قضائياً باستغلال التحقيقات لأهداف سياسية.
أيضاً، فإن تصريحات شفيق كانت داعمة لمؤسسات الدولة منذ «30 يونيو» حتى الآن، أي «الثورة» التي أوصلت عبد الفتاح السيسي إلى الحكم، وهي حظيت بدعم وتأييد شفيق من منفاه الاختياري في الإمارات، بل إنه دفع مؤيديه (عددهم كبير) إلى تأييد «الجنرال» في الانتخابات على أمل العودة به إلى القاهرة بعد رفضه خوض انتخابات الرئاسة العام الماضي مقابل السيسي، علماً بأنه كان يحظى بحملات شبابية لتأييده آنذاك.

أخفق شفيق في نيل إذن في العودة رغم تصريحاته الداعمة للسيسي

مضى عام تقريباً على صدور آخر حكم ببراءة شفيق من القضايا التي اتهم فيها، لكن اسمه لم يرفع من قوائم الترقب في المطار، التي تتيح لوزارة الداخلية القبض عليه فور وصوله إلى البلاد. حاول «الفريق المتقاعد» رفع اسمه باتباع الإجراءات القانونية مع جهود محاميه ونائب رئيس حزبه، يحيى قدري، لكن الطلبات التي قدمت إلى النائب العام الراحل هشام بركات كانت تحفظ في الدرج دون النظر فيها.
أخفق شفيق في الحصول على إذن في العودة، رغم التصريحات الإيجابية التي أطلقها لدعم النظام ورغبته «في خدمة الوطن» من أي منصب. وآخر ما فعله كان تهنئته السيسي بإعلان مدفوع الأجر في جريدة «الأهرام»، بعد افتتاح قناة السويس الجديدة الشهر الماضي.
لم يشفع له ذلك، وهو ما دفعه إلى إطلاق تصريحات نارية بداية الأسبوع (في صحيفة «اليوم السابع»)، محذراً من استمرار الوضع كما هو. تحدث شفيق، في الحوار الذي حذفته الصحيفة لاحقاً وشنت حملة هجوم عليه يعتقد أنها بتعليمات من جهات سيادية، عن امتلاكه ملفات «جميع الكبار»، إضافة إلى عجز أي شخص عن منعه من العودة إلى بلده.
ووفق مصدر مقرّب من شفيق، تحدث إلى «الأخبار»، فإن الرسالة التي وصلت من النظام هي رفض عودة «الفريق» مرة أخرى، وتم إيصالها في مناسبات عديدة، لكنه فضّل تجاهلها خلال المرات السابقة، خاصة أنه لم يجد مبرراً يمنع عودته.
وقال المصدر إن الرسالة التي وصلت شفيق فحواها أنه أصبح من زمن مبارك غير المقبول عودة أحد قياداته حتى لو برّئ من قضايا الفساد. وأضاف المصدر نفسه أن الفريق «يثق بالقانون ويتمسك باتباع الإجراءات القانونية من أجل العودة وممارسه حقه السياسي، بالمشاركة في العمل الحزبي أو تولي منصب حكومي بالانتخاب»، لافتاً إلى أن رئيس «الحركة الوطنية» ليس مطلوباً لتنفيذ أي أحكام، بدليل «عدم مخاطبة القاهرة الانتربول للقبض عليه رغم معرفتها مقر إقامته في الإمارات».