خاص بالموقع - تروي جدران غزة هموم القطاع وفصول صراعه مع إسرائيل، والانقسامات الفلسطينية الداخلية، بعدما حولها شبابها إلى مدوّنات غطوها برسوماتهم وكتاباتهم.في كل شارع من شوارع غزة، يمكن مشاهدة جدارية تروي معاناة أهلها. تعرض إحداها ماضي الفلسطينيين المستقر قبل نكبتهم عام 1948، وتعكس بالألوان الدافئة البيوت الطينية وشروق الشمس، لتنتقل بعدها إلى الواقع الحالي الذي تجسده صورة الحرب والدمار والجثث المكفنة والطيور الهاربة.
رشا أبو زايد (20 عاماً)، احدى اللواتي شاركن في رسم هذه الجدارية، تقول «نقوم بانتفاضة تشكيلية في غزة بالرسم على الجدران، ونعبّر عن أنفسنا لننقل للعالم معاناتنا وأحلامنا هنا». وتضيف وهي ترسم بفرشاتها على الجدار، «أردنا أن نظهر في هذه الجدارية الفرق بين ماضينا الجميل الهادئ قبل النكبة، وبين حاضرنا الحالي المليء بالحروب والشهداء والحصار».
أما ديانة الحصري، فراحت تمزج ألوانا داكنة لرسم بيوت مدمرة على جدارية طولها 20 متراً، وتقول «رسوماتنا تعبر عن معاناتنا وواقعنا الأليم. هذه هي الطريقة الوحيدة التي نستطيع من خلالها أن نعبر عن رفضنا لهذا الواقع والحصار الإسرائيلي والانقسام (الداخلي) والاجتياحات والحروب. لا خيارات أخرى امامنا للتعبير أو التفريغ عن انفسنا». وتضيف بغضب «حتى المقاومة أصبح فيها حلال وحرام وفتح وحماس. لم نعد نحتمل هذا الكم من العنف».
وعلى جدار مقر سجن السرايا المركزي وسط غزة، الذي دمر في الحرب الإسرائيلية، رسم شباب عدداً من الصور، أحدها لرجل مسن يحاول أن يزيل أسلاكاً شائكة من أمامه، وقد اخذت يده تنزف. وأخرى لإمرأة فلسطينية تبكي، وقد كتب على هذه الصورة «ليت أفراحك تعود يا غزة».
من جهته، يؤكد سليمان النواتي، خريج كلية الفنون الجميلة في جامعة الأقصى في غزة، أن «الجداريات لا تحمل تفاؤلاً ولا حتى ألواناً مشرقة كالسابق بسبب واقعنا المحبط. لكننا نسعى دائماً لرسم صور تخدم قضيتنا الفلسطينية وتنقلها للعالم. نريد أن يصل صوتنا».
من جهته، يشرح الفنان التشكيلي، فايز سرساوي، أن «تاريخ فن الجداريات في غزة يعود إلى بداية الانتفاضة الأولى (1987 ـ 1994)، حين كانت تستخدم الكتابة على الجدران للتواصل مع الناس وابلاغهم بالقرارات». ويضيف أنه «في ظل غياب الاذاعات والصحف خلال الانتفاضة الأولى، اعتمدت الفصائل الفلسطينية الكتابة على الجدران للتواصل مع الناس، إضافة إلى رسم صور للشهداء وحتى الاعلان عن قتل متعاونين مع إسرائيل. كما أن هذا الاسلوب كان وسيلة يلجأ إليها الناس لاعلاناتهم الخاصة كالتهنئة بالحجّ أو الزفاف».
ويتابع سرساوي أن «الأمر تطور في السنوات الأخيرة، وخصوصاً بعد الحصار الإسرائيلي، وازدهر هذا الفن حتى أصبح طريقة للتعبير والتفريغ لدى الفنانين والشباب في محاولة لتحدي سياسة الانغلاق والكبت الذي يفرضه الحصار». بدورها، تقول المصورة الصحافية السويدية، ميا غروندال، التي أصدرت كتاباًً بعنوان «غزة غرافيتي، رسائل الحبّ والسياسة»، تناولت فيه تاريخ فن الجداريات في غزة: «حين قررت أن أؤلف هذا الكتاب، أردت أن أنقل للعالم قوة الرسم والتصوير في غزة. جميل كيف يمزج هؤلاء الشباب بين الفن والدعاية للتعبير عن أنفسهم».
وتضيف غروندال، التي شاركت في معرض «جداريات من غزة» في القطاع، أن «هذا الفن ينقل لباقي العالم موهبة الشباب في غزة. فرغم الأوضاع التي يعيشونها، هم قادرون على الانتاج والابداع». وتتابع «يجهل العالم كيف يعاني الناس في غزة. فهؤلاء الشباب هنا يعبرون بفنهم عما يريدونه. هم الذين يرغبون بالعيش بسلام وحرية».

(أ ف ب)