دمشق ــ الأخبار خاص بالموقع- استأنف مؤتمر العروبة والمستقبل، أمس، أعماله لليوم الثاني، وتمحورت أولى جلساته حول العروبة والدولة. وأشار رئيس الجلسة الدكتور حيدر إبراهيم علي من السودان إلى نشأة الدولة العربية، مؤكداً إمكان أن تكون قوية وحديثة بالعمل الجاد لذلك.
وتناول الدكتور عبد الحسين شعبان من العراق، في محاضرته بعنوان «العروبة والدولة المنشودة»، العلاقة بين العروبة والهوية وبين العروبة والمواطنة وعلاقة العروبة بالدولة، موضحاً أن عناصر القوة والصلابة والوحدة لا تزال موجودة في صورة العروبة، وإن كانت غير منظورة، الأمر الذي يتطلّب تفعيل هذه العناصر بأبعادها الراهنة والمستقبلية، ثقافياً وسياسياً واقتصادياً واجتماعياً وتاريخياً ودينياً ولغوياً، في سبيل تحقيق بعض من الطموحات العربية المنشودة مثل التنمية والديموقراطية والعدالة. ولفت إلى أنه لا يمكن الحديث عن فكرة عروبية أو قومية عربية دون الحديث عن عملية انبعاث جديدة لتيار عروبي تقدمي بجناحين أساسيين، الأول يتمثل بالإيمان بالديموقراطية السياسية والثاني بالعدالة الاجتماعية، وتعطيل أحد الجناحين سيضرّ بالعروبة وبفكرة الوحدة العربية.
بدوره، رأى الباحث الدكتور أحمد ماضي من الأردن، في محاضرته بعنوان «العروبة ومسألة الحكم»، أن هذا الموضوع غاية في الأهمية وينبغي أن يستأثر باهتمام كل عربي حريص على المصالح العليا للأمة العربية، لأنه يتعلق بحياة العربي التي يتعيّن على الحكم أن يوليه اهتمامه الأول والأخير، مشيراً إلى أن مفهوم العروبة ليس مفهوماً محدداً بدقة، بل مفهوم عام جداً، مستشهداً بالمفكر القومي العروبي الأول ساطع الحصري، الذي ألّف كتباً ثلاثة، وهي دفاع عن العروبة والعروبة بين دعاتها ومعارضيها والعروبة أولاً، وبالمفكرين زكي الأرسوزي والدكتور قسطنطين زريق.
وأشار المشاركون في مداخلاتهم إلى الحاجة لبلورة منظومة من المصالح المشتركة لمواجهة مفاهيم ومحاولات التفتيت وإسقاط ما هو سائد من مفاهيم في معظم الدول العربية من أن المواطنة على درجتين، والحاجة إلى مراجعة كتاب العروبة، لأن هناك ومضات وكتابات تكرس العروبة. وأكد المشاركون أن أحد أهم مقومات التلازم بين العروبة والدولة هو الخدمات التي تقدم للمواطن، وأنه لا يمكن بناء الدولة إلا بالتأسيس لمجتمع معرفي.
وتمحورت الجلسة الثانية من المؤتمر حول العروبة والدين. وقال رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشعب المصري الدكتور مصطفى الفقي، إن دمشق عاصمة القومية العربية ومصدر الإشعاع العربي في تاريخنا العربي كله، وإن الحركة القومية سورية المنبت، وإننا مدينون بذلك للسوريين الأوائل في بلاد الشام الذين حملوا لواء القومية العربية وأثروها في كل أصقاع الأرض.
وأوضح الفقي أن الإسلام أثرى العروبة وأعطاها زخماً، لكنه ليس المصدر الوحيد لها. فالعروبة كائن فكري ككل الكائنات، تتغير وتتطور، ويجب مراعاة ما يجري من تحولات، والتي تجعل للوحدة أشكالاً وقوالب مختلفة. وقال إن العروبة ليست هذياناً عاطفياً وشعارات، بل أصبحت تكاملاً اقتصادياً ومشاريع، ولا بد أن يشعر المواطن العربي بأن الحديث عن العروبة حديث مفيد يقتضي أبعاداً جديدة بمفردات العصر التي يجب عدم تجاهلها.
وقال الباحث الدكتور حسن حنفي من مصر، في محاضرته بعنوان «العروبة والانتماء الديني»، إن العروبة والدين ركيزتان للوجود العربي وجوهر متحرك يتجلى في اللغة والثقافة وفي الفن والدين، وهما متداخلان في حياة العربي منذ حياته الأولى حتى الآن.
وأوضح حنفي أن العروبة والدين يمثّلان عنصري توحيد للأمة العربية الإسلامية ضد مخاطر التفتيت وخطط التجزئة التي تحاك لها الآن بهدف تحويلها إلى دويلات تتجاذبها دول وأحلاف أكبر، شرقاً وغرباً.
وحدد الباحث الدكتور إبراهيم دراجي من سوريا، في محاضرته بعنوان «العروبة والتسامح الديني»، عدداً من الأسئلة التي لا بد من الإجابة عنها حول موقف العروبة وروادها من قضايا التسامح الديني في عالمنا العربي، ولماذا جرى تبنّي هذا المبدأ؟ وماذا لو لم يُتبنّ؟ والمطلوب من العروبة على هذا الصعيد في المستقبل؟ وأشار إلى أنّ من الطبيعي أن تكون المنطقة العربية، وتحديداً المشرق العربي، منطقة تنوّع ديني واسع، مثّلت لفترة طويلة قلب العالم القديم، وشهدت تقاطعاً هائلاً للثقافات والحضارات وولادة الأديان السماوية الكبرى، موضحاً أن التنوع جزء دائم من النسيج المجتمعي الطبيعي في منطقة تتميز أساساً بالتنوع والتعدد. وأشار إلى أن المسيحيين العرب كانوا من الرواد الأوائل للقومية العربية التي طرحت فكرة تأسيس دولة عربية مستقلة، وأن التسامح والاعتراف بالأقلية المسيحية كان سمة رئيسية للأفكار التي ظهرت في المؤتمر العربي الأول الذي انعقد في باريس عام 1913.
وركّزت المداخلات على مسألة تشخيص حالة التسامح الديني في الواقع العربي وثقافتنا المعاصرة، وأن القضية الرئيسية هي أن العروبة مشروع دولة وقضية نضالية ينبغي تحقيقها، وأن القومية يمكن أن تمثّل تجمعاً أو دولة، وأن القضية ليست ثقافية تراثية، بل مشروع سياسي.