جمانة فرحاتلم يكد يمضي شهر على انتهاء الانتخابات، حتى أعادت السلطات السودانية خلط الأوراق في البلاد، بعدما صبت الزيت على نار علاقتها المتوترة مع حركة «العدل والمساواة» بإصدارها مذكرة توقيف دولية بحق رئيسها، خليل إبراهيم، تزامناً مع هجوم واسع على معاقل الحركة، واعتقال زعيم حزب المؤتمر الشعبي حسن الترابي وإغلاق صحيفة «رأي الشعب» الناطقة بلسان حزبه.
اعتقال لم تحدد السلطات السودانية سبباً واضحاً له، وإن كان يمكن ربطه بموقف الترابي من الانتخابات. كذلك، إن تدهور العلاقة بين الحكومة وحركة العدل المساواة سرّع على ما يبدو باتخاذ السلطات قرارها باعتقال الترابي، بعدما استفزها عبر تجديد دعوته الرئيس السوداني عمر البشير إلى تسليم نفسه للمحكمة الجنائية الدولية، وتحذيره السلطة من تداعيات تزويرها للانتخابات بقوله: «تعرفون بدائل صناديق الاقتراع».
وفي إطار التصعيد السلطوي، استبقت الحكومة اعتقال الترابي بهجوم واسع شنّه الجيش السوداني على معاقل الحركة في منطقة جبل مون مسبّباً مقتل أكثر من 100 من عناصرها، ومحكماً سيطرته على المنطقة.
وإن كان اتهام الحكومة السودانية للحركة بأنها السبب في تدهور الأوضاع بعدما «وأدت» المفاوضات، فإن توقيت لجوء السلطات إلى الخيار العسكري، يثير علامات استفهام عديدة.
وترجّح الإجراءات الحكومية وجود استراتيجية جديدة من قبلها للتعامل مع أزمة دارفور، مدفوعة بشعورها بأنها باتت اللاعب الأقوى بعد انتهاء الانتخابات، الأمر الذي جعلها تفضل الحسم العسكري عوضاً عن المفاوضات، ولتعزز من الرأي القائل بأن السلام في إقليم دارفور سيكون أول ضحايا إعادة إمساك حزب المؤتمر الوطني الحاكم بزمام السلطة خلال السنوات المقبلة.
وفي ظل هذه الوقائع، لم تعد مسارعة مسؤولين سودانيين لانتقاد ما وصف «بالخطوة الأحادية لوزارة العدل»، قادرة على إلغاء الأبعاد السياسية للقرار.
والانتقادات التي تعكس انقساماً في الرؤى بين أروقة حزب المؤتمر الوطني الحاكم، يمكن تلخيصها في ثلاث نقاط أساسية. أولاها أن توقيت إعلان تفعيل مذكرة التوقيف، عكس تخلي الحكومة عن أسلوب المهادنة الذي اتبعته خلال الفترة الماضية. وهناك ثانياً عودة الحديث عن ملاحقة إبراهيم، الذي أظهر الحكومة السودانية بموقف المتناقض مع نفسه، ولا سيما بعدما حضر الرئيس السوداني إلى جانب إبراهيم حفل توقيع الاتفاق الإطاري في شهر شباط الماضي، فضلاً عن تضمن الاتفاق إصدار عفو عام عن جميع المتورطين بهجوم أم درمان 2008، الذي تريد الخرطوم ملاحقة إبراهيم على أساسه.
أما المأخذ الثالث، فهو تزامن توقيت المذكرة مع ما وصف بـ«محاولات إبراهيم التهرب من تنفيذ اتفاق الدوحة»، عبر الانتقادات الموجهة إلى الوساطة القطرية واتهامها بالتحيز لمصلحة الحكومة السودانية.
لذلك، فإن حديث الحكومة السودانية عن إدراك كامل لمحاولات إبراهيم اللعب على وتر الفتور في العلاقات بين مصر وقطر لمحاولة الانتقال إلى منبر تفاوضي جديد، لم يعد ذا مغزى، بعدما أدت خطواتها التصعيدية إلى وضع مصير السلام في الإقليم في مهب الريح عقب إعلان تأجيل المفاوضات حتى إشعارٍ آخر.