تبخّرت عين الحلوة. لم يبقَ منها سوى اسم وهبته لأكبر تجمعات اللاجئين، الذين جعلوا منها نقطة تمركزهم بعيد النكبة، وها هم يعيشون الآن في «عين الحلوة» حياة أمرّ من العلقم
صيدا ـــ سوزان هاشم
أين «العين في عين الحلوة»؟ سؤالٌ يبدو أشبه بأحجية بالنسبة لمعظم أبناء مخيم عين الحلوة، لا سيّما الجيل الجديد منهم. هؤلاء يجهلون أصلاً لم سُمّي مخيمهم بهذا الاسم، مؤكدين «أن لا وجود للعين بتاتاً فيها». هذا ما يؤكده سليمان حسن، برغم أنه «حافظ عن ظهر قلب خريطة المخيم وأزقته التي بالكاد تستطيع استيعاب أنفاس أبنائها فكيف يمكن أن تحتضن نبعاً فيها؟» يسأل. وعن سبب تسمية المخيم، يطالعنا حسن برواية ذات بعد رومنسي، فيقول إن اسم المخيم هو كناية عن «كون اللاجئات اللواتي أتين إلى المخيم كن يتمتعن بعيون جميلة»!
لا تبدو «معلومات» حسن وغيره من رفاقه الشبان دقيقة أو حتى قريبة للواقع. فعلى ما يبدو أنها «مجرد مادة دسمة للتسلية يستخدمها الشبان في جلساتهم»، كما يقول ابن الثمانين هاني عقل، محاولاً حلّ اللغز، وخصوصاً أنه من جيل النكبة، الشاهد الحي على بداية التهجير. يبدأ سليمان بسرد الوقائع بعد أن يستنجد بما بقي من أرشيف ذاكرته «فتسمية عين الحلوة تعود إلى اسم العين «الحلوة» التي كانت تستكين بجانب نهر البرغوثي، حيث كانت تقع خارج حدود المخيم الحالي، أي بالقرب من منطقة السكة حالياً. إذ بدأ هناك تجمع اللاجئين الفلسطينيين الذين نصبت لهم شوادر بالقرب منها، وذلك للاستفادة من مياه النبع المتميزة بعذوبتها. وكان يجاورها أيضاًً خزان كبير كان يمدّ القطار بالمياه. وبقي الوضع على هذا المنوال إلى أن دخلت الأونروا على الخط بعد سنوات قليلة، واستأجرت عقاراً كبيراً حيث شيّد عليه المخيم الحالي، فانتقل اللاجئون إليه حاملين معهم اسم العين». ويتابع عقل سارداً، «بيد أن هذا الترحال لم يغير من الواقع السابق، فافتقار المخيم إلى شبكة المياه في بادئ الأمر، جعل من العين مقصداً لأبنائه حيث كانت تنقل النسوة المياه على رؤوسهن بدِلاء من التنك إلى داخل المخيم، إلى حين استحدثت الدولة اللبنانية والأونروا حنفية مياه واحدة داخل كل تجمّع من التجمعات التي كانت تشكل مخيم عين الحلوة آنذاك. ومن ثم مدّت الدولة اللبنانية شبكة مياه عامة داخل المخيم وكان ذلك في منتصف الخمسينيات».
وفي بداية التهجير، مثّل اسم المخيم عاملاً جاذباً للكثير من اللاجئين الذين أتوا من القرى الجنوبية «مخدوعين» بما كان يتناقل عنه من روايات تتحدث عن جماله، وهو ما حصل بالفعل مع «أبو راجي شعبان»، حيث انتقل من بنت جبيل أول محطة في لجوئه، بعدما سمع عن جمال المكان وفرح كثيراً، إلى أن وطأت قدماه أرض المخيم حيث كانت الصدمة الكبيرة بعدما اكتشف أنه ليس فيه، «لا عين وهو لا يمت للحلاوة بصلة».
مهما يكن فإن تجمع العين ترك الكثير من الذكريات لدى جيل النكبة، هكذا يذكر الحاج أبو عمار غنام «الأوقات الجميلة القليلة التي قضيناها هناك رغم قساوة التهجير. إذ كانت تظلل المكان أشجار عالية، وقد استمر الكثير من أبناء المخيم حتى بعد انتقالهم بالتردد إلى هناك طلباً للراحة بعيداً عن ضجيج المخيم».
بيد أن ذلك لم يستمر طويلاً، فعين الحلوة، العين وليس المخيم، تبخرت تماماً من الوجود بعدما سُقفت في الثمانينيات. وهي ترقد الآن تحت الأرض بالقرب من الفرن العربي في صيدا (الأوتستراد الشرقي)، وقد حُوّلت مياه الصرف الصحي على نهر البرغوثي، حسب معلومات «ختايرة المخيم».


أثر بعد عين

يترحّم الحاج محمد أبو صلاح على أيام «العين»، وهو حين يقول ذلك، يؤكد تأكيد شاهد العيان أنها كانت بالفعل مياهاً عذبة الطعم، عكس المياه الحالية التي يتجرعها أبناء المخيم و«ياللي ما بتنشرب، وكلها ملوثة». كما يشير رئيس لجنة حق العودة في الجنوب فؤاد عثمان إلى أن شبكة المياه الحالية مهترئة تماماً نظراً لقدمها وانعدام الصيانة تقريباً. إلى ذلك هي لم تعد تكفي للزيادة السكانية الكبيرة الحالية في المخيم، كما أن مياه الشرب لا تخضع لعمليات التعقيم، وهو ما يجعلها غير صالحة بتاتاً للشرب.