«كلّنا خالد سعيد»، عنوان الحكاية المرعبة التي تسيطر على أحاديث المصريّين. هل رأيت ما حدث للشاب الاسكندراني؟ يبدأ الحوار بهذا السؤال الخافت لتتدفق موجات غضب من تفاصيل ما حدث لابن الـ٢٨ سنة
وائل عبد الفتّاح
خالد سعيد راح ضحيّة قسوة عناصر الشرطة. هذه رواية شهود العيان، التي واجهتها السلطات الأمنية برواية أخرى، تدعمها تقارير الطبيب الشرعي (الحكومي)، عن انتحار الشاب بابتلاع قطعة بانغو. ورغم إصرار وزارة الداخلية على نشر روايتها، لا يزال الغضب والرعب يشتعلان تحت عنوان: من قتل خالد سعيد؟

أمس تحوّلت الشوارع حول وزارة الداخلية إلى كمائن عمومية، يُفتَّش فيها العابرون ويُسألون عن هوياتهم، قبل ساعات من موعد الوقفة الاحتجاجية، وصلاة الجنازة على القتيل.
الحكاية مرعبة، وتمثّل نقلة جديدة في جرائم التعذيب ضد الشاب، الذي انتهى نهاية متوحّشة. قُتل في الشارع وأمام الناس لأنه اعترض على همجيّة التفتيش. إنه قانون الطوارئ مرةً أخرى، يُسمح لمخبر وزميله باقتحام إنترنت كافيه، وبتفتيش كل الموجودين. وفي هذه اللحظة يكون الشخص عارياً من كل الحقوق أمام هذه السلطة الغاشمة. سلطة بدائية، خشنة، لا ترى غير هيبتها. خالد سعيد أضاع هيبة الشرطة عندما احتجّ على إهانات المخبرين.
وأمام الهيبة الضائعة، انهال المخبرون على الشاب باللكمات وكسروا جمجمته في رخام الجدار. وفقد خالد حياته بعدما تحوّلت جثته المشوّهة إلى دليل جديد على أنّ المصريين أسرى وحوش بلا قلب ولا رحمة، وسلطة مجنونة حوّلت أقسام الشرطة إلى مراكز تعذيب، والشوارع إلى مسارح قتل علني. هذه فوضى مخيفة. الضابط الصغير يصيبه، مع أول «نجمة»، هوس حقيقي يجعله يسير منفوخاً، مزهوّاً ببدلته. لم يقل له أحد إنّ وظيفته الحماية لا فرض الهيبة الكاذبة. الخوف ليس هيبة. والقهر ليس أمناً. هذه دروس لا يتعلّمها الضبّاط المستمتعون بلذّة التعذيب.عائلة خالد، الخجول والانطوائيّ كما يحكي جيرانه، كشفت عن شريط مصوّر وزّعه القتيل عن لحظة توزيع أحراز المخدّرات في قسم الشرطة. هل كانت حفلة انتقام إذاً؟ وهل هذا ما يفسّر سرعة رد فعل السلطات الأمنية برواية تستند إلى تقرير طبي يبدو أنّ كاتبه لم يرَ الجثة ولا التشويه الذي يملأ الوجه. كيف فسّر سقوط الأسنان؟ هل من العادي أن يموت الناس في مصر بهذه الطريقة ويكون التفسير: «اسفكسيا الخنق». هل من الطبيعي لدى الطبيب الشرعي أن يرى الجثث مشوّهة بهذه الطريقة. هل يعتقد أنّ البانغو كسر أسنان القتيل؟ هل كيس البانغو، الذي قالوا إنه بلعه، جرح وجهه وشوّه ملامحه؟
كلّ من رأى صورة خالد سعيد، لم يذق النوم. مشاعر ألم عميقة، ورعب من أن يتكرّر ما حدث مع أيّ شخص آخر. من يضمن حماية نفسه من الوحوش الذين يقيمون حفلات القتل في الشوارع؟
قانون القتل الوحشي ليس له كبير، إنها استعراضات قوّة بلا رادع ولا قانون ولا قواعد. حتى لو كان خالد سعيد تاجر مخدّرات (وهو غالباً ليس كذلك)، ليس من حق أحد أن يعاقبه بهذه الطريقة البدائية. التعذيب حكم مسبّق بأنّ كل متهم مجرم إلى أن يثبت العكس، فيكون تعذيبه ضريبة يدفعها كل مصري لكي يكتب نظام مبارك لافتة كبيرة تقول «ادخلوها آمنين». ولكي تغنّي صحافة النظام نشيد «مصر بلد الأمن والأمان».
المجتمع يدفع الضريبة من الأمن الشخصي. صور خالد سعيد تصيب بالرعب من جهاز الأمن، وهذا ليس أمناً. كما أنّ تقرير الطبيب الشرعي أفقد الثقة في وجود مؤسسات مستقلّة تحمي الشخص العادي من جرائم الوحوش الذين يحملون تصاريح بالقتل.