عدم وجودها أفضل من وجودها: تعوّدنا أن يأتي الأسوأ بعد السيّئ
بغداد ــ زيد الزبيدي
اعتاد العراقيون، على مدى سنوات الاحتلال، صيغة «الحلول في الوقت الضائع» للمشكلات التي يتداولها السياسيون، حتى إنّ هناك شعوراً عاماً بأنّ شيئاً ما يدور في الخفاء، ولا يظهر إلا في الوقت الذي يُراد له الظهور، ما يجعل المواطن العراقي، وحتى المثقف أو «المحلل»، غير قادر على استيعاب «متطلبات اللعبة»، والتنبّؤ بما ستكون عليه الأمور.
حالياً، يتركّز الحديث على تذمُّر المواطنين من التأخر في تأليف الحكومة، بعد أكثر من 20 أسبوعاً على إجراء الانتخابات البرلمانية واستمرار «توقف المشاريع وانعدام الخدمات وتردي الوضع الأمني»، وما إلى ذلك من سلبيات رافقت حقبة الاحتلال.
إلا أن الكاتبة والصحافية عدوية كاظم ترى أن «الأمور مبالغ بها للغاية. فماذا تعني 20 أسبوعاً بين زهاء 350 منها مرّت على العراقيين، والحال تسير من سيّئ إلى أسوأ؟».
وتضيف عدوية أنّ الذين يتحدثون عن مشاكل الشعب جرّاء عدم تأليف الحكومة يريدون حرف الأمور عن الفهم الصحيح، لأن المشاريع التي «توقفت» وهمية، لا وجود لها، وكذلك الخدمات والأمن، وغيرهما من الأمور التي أثبتت أن عدم وجود الحكومة أفضل من وجودها. وتثبّت «نظريتها» بالإشارة إلى أنّ «الأشهر الأولى بعد الاحتلال كانت أفضل من الآن بكثير، وكان المواطنون هم الذين يحمون مناطقهم، وحتى كانوا ينظّمون السير في الشوارع، كما كانت حال الكهرباء أفضل من الآن، ولم يكن الصحافيون والإعلاميون يقتلون بهذا الشكل العشوائي».
وتسخر من التخويف من أثر عدم تأليف الحكومة على حياة المواطنين بالتساؤل: هل انقطاع الكهرباء كان بسبب عدم تأليف الحكومة منذ نحو خمسة شهور، وهي الغائبة منذ الأشهر الأولى بعد الاحتلال؟ وتذكّر بأنّ العراق فَقَد نحو 300 فرد من الأسرة الإعلامية، «ولم نسمع عن إلقاء القبض على قاتل واحد، وكل القضايا تسجل ضد مجهول. فهل هذه الأسابيع العشرون كانت ستكشف عن القتلة، وعمَّن صفّى خيرة العلماء والمثقفين والضباط».
وبحسب أستاذ العلوم السياسية، الدكتور هيثم الناهي، فإنّ «العملية السياسية» الحالية في العراق هي نفسها التي بدأت أوائل تسعينيات القرن الماضي، خلال مؤتمرات المعارضة العراقية السابقة، التي رعتها الولايات المتحدة، باعتمادها على التقسيم الطائفي والعرقي، ما أفرغ العملية من محتواها السياسي، الأمر الذي تظهر نتائجه الآن في عدم وجود برنامج واضح لأي من الكتل المتنافسة أو المتصارعة أو المتصالحة. ويلفت إلى أن الغريب هو انغماس بعض الأطراف السياسية ذات التاريخ العريق، في اللعبة، وإن كان بعضها قد تنبّه إلى ذلك أخيراً، وفي الوقت الضائع.
فعلى سبيل المثال، عندما أنشأ الحاكم المدني الأميركي بول بريمر مجلس الحكم عام 2003، عيّن فيه أمين سر اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي، حميد مجيد، باعتباره «شيعياً». كذلك عيّن رئيس الحزب «الوطني الديموقراطي» نصير الجادرجي باعتباره «سنيّاً»، بينما لم تكن لهذين الحزبين، طوال تاريخهما، أي علاقة بمثل هذه الهويات المذهبية أو الطائفية.
ويشبّه خبير الآثار قيس شبّر واقع «العملية السياسية» بما حصل عندما أراد النظام السابق إدخال تطوير على آثار بابل، باستخدام مواد بناء حديثة، ما أدى إلى قيام منظمة اليونسكو بشطب أحد أهم المعالم الحضارية في العالم من سجل التراث الإنساني.

هل انقطاع الكهرباء كان بسبب عدم تأليف الحكومة منذ نحو 5 أشهر؟
ويوضح مقارنته بالقول إن ما يحصل في العراق الآن قد يكون عكس ذلك، من خلال استخدام مواد بناء قديمة (البنى الطائفية والمذهبية والإثنية) على معالم حضارية حديثة، لكن على الصعيد السياسي. أما عن النتيجة، فهي أنّ «شوارعنا وأبنيتنا خربة، ولا خدمات، وبالتالي فقد صدق الرئيس جورج بوش حينما قال: سأعيد العراقيين إلى العصر الحجري».
رأي تشاركه فيه السياسية المستقلة والكاتبة سلوى زكو، التي اكتفت بالتأكيد أن «المفاتيح القديمة لا تصلح لفتح الأبواب الجديدة»، لأنّ المواطنين لم يعد يهمهم إذا تألّفت الحكومة اليوم أو قبل شهر أو بعد شهور، بما أنّ «من سيأتي لا يحمل معه الحل السحري للمشاكل المستعصية».
وفي السياق، يبدو المتخرّج الجامعي العاطل من العمل حَكَم مناف أكثر تشاؤماً، لكون العراقيين «تعوّدوا أن يأتي الأسوأ بعد السيّئ». ويضيف «ها نحن نرى الصراع على الكراسي، وليس على البرامج السياسية، وندرك تماماً أن البرامج السياسية ذهبت مع الريح، وعادت النزعة الطائفية لتحل محلها».
ويلاحظ السياسي «المتقاعد» ياسر تلمنذري كيف أنّ السياسة العراقية أصبحت «بلا أخلاق، وبلا مبادئ»، وما يفسّر ذلك أنّ معظم «الساسة الحاليين» سبق لهم أن غادروا العراق بحجة أنهم «معارضون للنظام السابق، الذي كانوا يتهمونه بأنه موالٍ للغرب، ولأميركا بالذات، إلا أنهم دخلوا في الخيمة الأميركية، وعادوا قادة مع الغزو».