Strong>غالباً ما تكون المصطلحات السياسية مليئة بالزيف؛ دخل العراق أمس مرحلة «الفجر الجديد» وفق التسمية الأميركية، من دون أن يكون هناك جديد نوعيّ. الاحتلال باقٍ لكن بزيّ جديد، والعراقيون عاجزون عن حفظ الأمن وعن تأليف حكومةيدخل العراق، ابتداءً من اليوم، «فجراً جديداً» يريد البعض تصويره على أنه «تاريخي». لكنّ تدقيقاً في ملابسات المناسبة، ألا وهي دخول بلاد الرافدين مرحلة «انتهاء المهمة القتالية للقوات الأميركية» في إطار عملية «الفجر الجديد»، من خلال سحب الفرق القتالية وإيصال عدد الجنود الأميركيين إلى ما دون سقف الخمسين ألفاً، يُظهر أنّ الصفة التاريخية لا تعدو كونها لفظية، وتنبع قيمتها الفعلية الوحيدة من أنّها خطوة قد تمهّد لما يمكن أن يكون تاريخياً فعلاً، أي الانسحاب الأميركي الكلي المفترض إتمامه في نهاية عام 2011.
رسمياً، تغيّر شكل الاحتلال؛ فـ «الفجر الجديد» غيّر مهمة القوات المحتلة من شنّ الحملات العسكرية والغارات والغزوات المباشرة، إلى المراقب عن بعد لما يجري سياسياً وأمنياً، حتى يتسنّى له التدخل «بطلب عراقي»، لمساعدته على «مكافحة الإرهاب»، مع خفض احتمال فقدانه المزيد من جنوده، الذين قُتل منهم نحو 4400 حتى اليوم، في مقابل أكثر من 100 ألف عراقي بسبب الألف مليار دولار التي صُرفت على الاحتلال.
القبضة العسكرية سيظلّ يوفّرها الجنود الأميركيون المتحصّنون في قواعدهم العراقية الكثيرة، والمجهزة بأكثر الأسلحة فتكاً. كما أنّ المهمات «الوسخة» ستبقى حكراً على قوات أميركية شبه نظامية، متجسّدة في سبعة آلاف عنصر مرتزقة مجهّزين بما يملكه الجيش، الذي من المفترض أن يتفرغ أكثر لحماية المصالح الأميركية، وتدريب القوات الحكومية.
ولعلّ تحاشي الرئيس باراك أوباما استعمال مصطلح «انتهاء العمليات الحربية في العراق» خير دليل على نيّة الاحتلال مواصلة عملياته متى دعت الحاجة، وفي ظروف يفرضها هو على أبواب الانتخابات الأميركية النصفية. والمفارقة الأكبر تبقى في واقع أنّ العراق المدمَّر يدخل مرحلة استعادة جزئية للسيادة، وهو بلا حكومة كاملة الصلاحيات، ما يضاعف من هشاشة الوضع الأمني، الذي بدا أنه لم يتأثر كثيراً بوجود 160 ألف جندي أميركي، أو بوجود 49700 ألف منهم حالياً. وضعٌ سبق أن ألزم المسؤولين الأميركيين بالقيام بعشرات الزيارات الطارئة، وجميعها فشلت في إنجاح ولادة قيصرية للحكومة.
ولأنه من المفترض تخليد الذكرى، فقد أقيم في بغداد احتفال رسمي ألقى فيه رئيس الوزراء المنتهية ولايته نوري المالكي كلمة أشاد فيها بـ «الإنجازات الأمنية التي أعادت سيادة العراق واستقلاله»، منتقداً من يصفون الوضع الأمني في البلاد بـ«المتدهور»، وذلك على مسمع ممثل الإدارة الأميركية، نائب الرئيس جوزف بايدن.
وفيما طمأن المالكي إلى استعداد قواته لتحمّل المسؤولية، فقد تناسى ما أعلنه رئيس أركان جيشه بابكر زيباري عن أن القوات العراقية «لن تكون قادرة تماماً على تولي الملف الأمني من دون الدعم الأميركي قبل 2020».
وسارع نائب الرئيس الأميركي جوزف بادين إلى مغادرة الاحتفال للتفرغ لمحاولة رأب الصدع في اجتماعات مع حكام العراق، بعدما سبق له أن أجرى عدة زيارات فاشلة.
ولفتت ردود فعل بعض المعنيّين الداخليين والخارجيين على الانسحاب الأميركي، مع غياب أيّ موقف سوري. فقد رأت إيران أن الانسحاب الأميركي «مسألة أميركية داخلية ترتبط بانتخابات التجديد النصفي للكونغرس» المقررة في تشرين الثاني المقبل.
وأشار المتحدث باسم وزارة الخارجية رامين مهمان برست إلى أن «المبالغة في مسألة انسحاب القوات الأميركية من العراق مرتبطة أساساً بالشؤون الداخلية الأميركية والأحداث المستقبلية، وبينها الانتخابات المقبلة».
أما المتحدث باسم جناح حزب البعث العراقي، الذي يتزعمه محمد يونس الأحمد، أبو المهيب البغدادي، فقد أوضح لصحيفة «الوطن» السورية، أنّ انتهاء المهمة القتالية للقوات الأميركية «أكذوبة»، متّهماً واشنطن بأنها «أحد أسباب تأخير تأليف الحكومة».
ونقلت «الوطن» عن البغدادي قوله إنّ «الانسحاب أكذوبة إعلامية، والولايات المتحدة لم تأت إلى العراق لتخرج منه، والاتفاقية الأمنية أعطتها إمكان التحرك وإعادة تنظيم وجودها».
وفي الشأن الحكومي، أعرب البغدادي عن اعتقاده بإمكان تأليف الحكومة العراقية «لو أراد الأميركيّون ذلك، فلو أرادوا (رئيس الوزراء الأسبق اياد) علاوي، الذي حقق النسبة الأعلى في الانتخابات، أن يؤلّف الحكومة، لاستطاعوا».
في غضون ذلك، نفت «القائمة العراقية» الأنباء التي تحدثت عن وجود اتفاق لتقاسم فترة رئاسة الحكومة بين زعيمها إياد علاوي والقيادي في «الائتلاف الوطني العراقي الموحد»، نائب رئيس الجمهورية عادل عبد المهدي.
(أ ب، أ ف ب، رويترز، يو بي آي)