في بداية كانون الأول 2007، فتحت «الوحدة القُطرية للتحقيق في الجرائم الدوليّة»، ومقرها في «بيتح تكفا» في فلسطين المحتلة، ملف التحقيق مع النائب السابق في الكنيست (عن حزب التجمع الوطني الديموقراطي) سعيد نفاع، على خلفية تنظيم زيارة لـ«دولة عدو» هي سوريا، ولقاء «عميل أجنبي» هناك، هو نائب الأمين العام لـ«الجبهة الشعبية ــ القيادة العامة» طلال ناجي.
وكانت «الأخبار» قد نشرت (العدد 2681) تفاصيل الحكم الذي أنزلته «المحكمة العليا الإسرائيلة» بحق نفاع، واليوم تنشر تفاصيل شهادة المرافق اللوجستي لوفد المشايخ الدروز إلى سوريا، نهاد ملحم، الذي شكلت شهادته قاعدة أساسية لما يسمى بند «المس بأمن الدولة»، ثم دليلاً للنيابة العامة لإصدار الحكم ضد نفاع.
قيل في الإعلام الفلسطيني في الداخل المحتل، المموّل خليجياً، إن نهاد ملحم مناضل فلسطيني. لكن ملحم، وفق كل الوقائع، ليس إلا «قشرة الليمون» التي استطاعت إسرائيل أن تستعملها للشهادة ضد نفاع، إضافة إلى أنه بادر أمام جهاز «الشاباك» إلى أن يسلم، بنفسه، رأس نفاع.
شكلت شهادة ملحم استنتاجاً مهماً مفاده أن العدو يعتبر اللقاء بشخصية من «الجبهة الشعبية ــ القيادة العامة» اتهاماً بالتواصل مع «عميل أجنبي»، فيما لا يعتبر اللقاء مع رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس»، خالد مشعل، كذلك!
ما جاء في شهادة ملحم هو أنه ذهب برفقة نفاع، من دون أن يعرف إلى أين هو ذاهب، حتى وصل إلى مكتب في طابق أرضي، حيث كان ينتظرهم رجل بعين اصطناعية ويد اصطناعية.

ادعى ملحم أنه
ذهب برفقة نفاع من دون أن يعرف الوجهة
شدد ملحم على أنه لم يكن يعرفه قبل اللقاء، وفي «قعدة» فنجان القهوة التي استمرت 20 دقيقة دار حديث بين نفاع والرجل الثاني حول الانقسام الفلسطيني بين «فتح» و«حماس»، ومصلحة الشعب الفلسطيني بتحقيق المصالحة بين الطرفين.
وذكر ملحم أن نفاع لم يتحدث تقريباً، وكان يستمع طوال الوقت إلى ذلك الرجل، ثم بعدما شربا القهوة «عَ الواقف» أجرى الرجل اتصالاً توجه فيه إلى شخص باسم «أبو الوليد» قائلاً له: «عندي سعيد نفاع بدّي أرتب لقاء بينك وبينه»، ثم سمعه يقول لنفاع: «بُكرا... شي 11-12 اللقاء».
أكّد ملحم أن نفاع وذلك الرجل لمْ يذكرا اسم «إسرائيل» ولا حتّى الصراع العربي ــ الإسرائيلي بكلمة واحدة. وأضاف في شهادته أمام العدو أنه قال كل شيء ولمْ يخف أي حلقة، ثم أضاف لاحقاً أنه لم يعرف من يكون الرجل الذي زاره إلا عندما حلّ منتصف الليل، وجاء نفاع ليطلب منه مرافقته في اليوم التالي للقاء «أبو الوليد». فرفض ونبّه بالحرف: «مشعل مخرب»، فردّ نفاع عليه: «ليه إنت مش عارف وين كنت اليوم؟ كنت عند طلال ناجي!». وتابع: «ثاني يوم جاء سائق وأخذ نفاع للقاء خالد مشعل».
أخذ اللقاء مع مشعل فصلاً كاملاً في لائحة الاتهام، لكن المحكمة توصلت إلى أن النيابة العامة الإسرائيلية لم تستطع إثبات التهمة، وأنها كانت واقعة تحت مظلة الشك في ما هل جرى اللقاء حقاً أو لا. وفي هذا السياق، كانت شهادة ملحم وفق القرار منقوصة، لذلك لم تتم الإدانة.
وينص القانون الإسرائيلي على أن اللقاء مع «عميل أجنبيّ» ممنوع من دون تفسير منطقيّ، والتفسير المنطقي هو الذي تقرر المحكمة قبوله أو لا. ولكن إذا تمّ اللقاء ولم يكن له تفسير منطقي، وأثبت المُلتقي أنه لم يفعل أي عمل يمكن أن يمس بأمن الدولة، أو لم تكن لدية النيّة للمس بأمن الدولة، فإن المُلتقي لا يُدان.
بالعموم، أحضرت النيابة العامة 17 شاهداً إلى المحكمة من ضباط وحدة «التحقيقات الدوليّة»، بينهم رئيس وحدة الأبحاث في «الشاباك» المُكنى بـ«عومير» ليشهد أنه «حتى إن لم يكن هناك مسّ عينيّ بأمن الدولة، فاللقاء يخلق إمكانيّة للمس بأمنها، وهذا بحدّ ذاته مس بأمن الدولة».
تعليقاً على شهادته، رَدَّ نائب رئيس المحكمة، القاضي ألياكيم روبنشطاين، بأنه «لا حاجة حسب هذا البند، ورغم نصّه الحرفيّ، لأن يحدث في اللقاء مسّ عينيّ بأمن الدولة، وهو من الصعب الإشارة إليه في موضوعنا، ولكن بما أن اللقاء كان يمكن أن يمس بأمن الدولة، إذاً فهناك مسّ بأمن الدولة، ولأن المتهم أنكر اللقاء في التحقيق واعترف به أمام المحكمة، إذاً معناه أنه كانت لديه نيّة للمس بأمن الدولة».
ومع أن النص المذكور يمنح المحكمة أن تضيف عقاباً آخر لنفاع بلقائه مشعل، فإنها أسقطت هذه التهمة عنه. ويعني هذا أن ما هَدِفَ إليه العدو، الذي يعرف حقيقة ما جرى عبر عملائه، هو تلقين نفاع «درساً»، ومعه الدروز عامةً وكل من يحاول من الفلسطينيين أن يتواصل مع أهله في الخارج ممن يطلق عليهم العدو «عملاء أجانب»، لكن عبر أقل الخسائر. ففي النهاية وراء المناضل الفلسطيني سعيد نفاع أبناء طائفته الذين تفرض عليهم إسرائيل خدمتها العسكرية، وإن كان هؤلاء معها في جيشها غصباً عنهم، فإنهم لن يكونوا معها ضد ابن جلدتهم، على الأقل.