بدت إسرائيل أمس كأنها تواجه احتشاد الآلاف من السوريين على حدودها، يطالبونها باللجوء إليها، وانشغل مسؤولوها ووسائل إعلامها، بين رافض ومؤيد لاستيعابهم، رغم أن أحداً لم يطرق أبوابها. إلا أن رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، حسم «النقاش الافتراضي الإنساني»، معلناً رفضه الفكرة، ومؤكداً أن «إسرائيل دولة صغيرة، لا يمكنها استيعاب لاجئين».ويأتي قرار نتنياهو بعدما أعلن أمس، بدء أعمال إقامة السياج الأمني الجديد على طول الحدود مع الأردن، لمنع ما قالت تل أبيب «إمكان تدفق لاجئين من العراق وسوريا» إلى إسرائيل. وأشار نتنياهو خلال زيارة تفقدية لمنطقة الأشغال على الحدود الأردينة إلى أن «إنشاء السياج الأمني هنا، من الحدود مع الأردن حتى منطقة الجولان (السوري المحتل)، يأتي من أجل حماية إسرائيل من مختلف الاتجاهات».

وفي مستهل جلسة الحكومة الإسرائيلية، أمس، أكد نتنياهو أن إسرائيل لا تقف موقف اللامبالاة إزاء «المأساة الإنسانية المتمثلة بنزوح اللاجئين عن سوريا وبعض الدول الأفريقية»، مشيراً إلى أن «إسرائيل قدمت حتى الآن العلاج الطبي لحوالى ألف جريح أصيبوا خلال الحرب الدائرة في سوريا»، وأضاف في رد موجه إلى رئيس المعارضة في الكنيست، يتسحاق هرتسوغ، الذي حرك النقاش حول اللاجئين السوريين بعدما دعا إلى استيعابهم، إن «إسرائيل دولة صغيرة جداً في مساحتها ولا تتمتع بالعمق الجغرافي والديموغرافي الذي يسمح لها باستيعاب اللاجئين أو المهاجرين».

«القناة العاشرة»: تل أبيب ضيّغت فرصة لإرسال رسالة إلى العالم تشير فيها الى أنها تهتم باللاجئين وبالمسائل الإنسانية


وانتقد عدد من وزراء حزب «الليكود» بشدة فكرة استيعاب لاجئين سوريين في إسرائيل، ووصف وزير السياحة ياريف ليفين اقتراح هرتسوغ بعديم المسؤولية، محذراً من أن لاجئين من دول معادية قد يتخابرون مع جهات معادية وهم داخل إسرائيل، واصفاً استيعابهم بأنه سيشكل ضرراً للمصالح القومية للدولة العبرية وسيخل بتوازنها الديموغرافي. أما وزير الاستيعاب زئيف إلكين، فاستغرب الفكرة، معتبراً إياها محاولة لإحقاق حق العودة من الباب الخلفي. وقال وزير النقل، يسرائيل كاتس، إن اقتراح هيرتسوغ ينطوي على انعدام الحكمة السياسية والمسؤولية القومية، ناصحاً إياه بأن يستوعب اللاجئين في منزله الخاص.
وردت وسائل الإعلام العبرية، أمس، زيارة نتنياهو لمنطقة الأشغال على الحدود الأردنية، في إطار رده على الدعوات لإدخال لاجئين سوريين إلى إسرائيل، إذ قال خلال تفقده الأعمال هناك، «نحن نرى ما يجري في الدول التي فقدت السيطرة على حدودها، فالدمج بين إرهاب وحشي جداً ينتشر على حدودنا، وبين متسللين من أجل العمل ومهربين، إضافة إلى فقدان السيطرة مقابل مأساة إنسانية (اللاجئون)، يحتم علينا إعادة السيطرة وتأمينها على حدودنا، وهذا ما نقوم به».
وكان هرتسوغ وعدد من أعضاء الكنيست، إضافة إلى تقارير ومقالات في الإعلام العبري، قد دعوا في اليومين الماضيين إلى استيعاب لاجئين من سوريا، وقال هرتسوغ في كلمة ألقاها في تل أبيب السبت الماضي، إنه تحدث مع أحد أقطاب المعارضة السورية، وهو كمال اللبواني، ونقل عنه أن للمعارضين السوريين مآخذ كثيرة على العالم، وأضاف هرتسوغ «من هنا، أدعو دولة إسرائيل إلى استيعاب طالبي اللجوء من السوريين، إضافة إلى المساعدات الإنسانية التي تقدم لهم اليوم... إذ لا يمكن للشعب اليهودي أن يقف مكتوف الأيدي ومئات آلاف من اللاجئين يبحثون عن شاطئ أمان»، ووجه كلامه إلى نتنياهو قائلاً: «هل نسيت معنى أن تكون يهودياً لاجئاً، وتهرب من الموت حاملاً طفلاً بين يديك؟».
وحول التفجيرات الأخيرة في مدينة السويداء السورية، أشار هرتسوغ إلى أنه قلق بشكل عميق من استهداف الرموز الدرزية في سوريا ومن تدهور الأوضاع هناك في السويداء، وتحديداً «بعد مقتل القائد الدرزي السوري الشيخ وحيد البلعوس».
وأشارت «القناة العاشرة» العبرية في نشرتها المسائية المركزية أمس، كعينة من التقارير الإعلامية الإسرائيلية الداعية إلى استيعاب اللاجئين السوريين، إلى أن إسرائيل تحيط نفسها بالجدران والأسيجة لأسباب أمنية، لكنها لا تراعي الناحية الأخلاقية والرأي العام العالمي، وهي تضيع فرصة لإرسال رسالة إلى العالم تشير فيها الى أنها تهتم باللاجئين والمسائل الإنسانية، «لكن إسرائيل فضلت أن تضيع هذه الذخيرة الدعائية، في الحرب الإعلامية التي تواجهها».
وأشار مسؤول أمني إسرائيلي لموقع صحيفة «يديعوت أحرونوت»، أمس، الى أن «السياج الأمني على الحدود مع الأردن، من شأنه أن يسد الحدود أمام طالبي اللجوء والناشطين الإرهابيين وتهريب السلاح والمخدرات، وغير ذلك من الجرائم»، فيما أكد الموقع أن إسرائيل أبلغت الأردن بإقامة السياج، لكنها شددت على أنها لن تضر بسيادة الأردن وبسيادته القومية.
والسياج الأمني الجديد مع الأردن، يتشكل من شريط شائك وأجهزة استشعار متطورة، وسيمتد المقطع الأول منه لمسافة ثلاثين كيلومتراً من إيلات جنوباً حتى الموقع المفترض لمطار تيمناع الجديد في العربا شمالاً، من أصل 235 كيلومتراً هو كامل مسافة السياج، أما الكلفة المفترضة فتصل إلى ثلاثة مليارات شيكل (765 مليون دولار)، ويأتي المشروع بحسب الإذاعة العبرية «على خلفية تزايد التهديدات الأمنية وخشية قيام لاجئين سوريين وعراقيين، مقيمين في الأردن، بمحاولات للتسلل إلى إسرائيل».