فجأة وجد السوريون أنفسهم في مواجهة خبر «إقامة حكم الله على نصارى مدينة القريتين»، في ريف حمص الجنوبي، من قبل مسلحي تنظيم «داعش» الذي سيطر على البلدة الحمصية الشهر الفائت. «أسلم تسلم... أو ادفع الجزية تَسلم»، هذان الخياران هما الوحيدان المتاحان أمام مسيحيي المنطقة. صور عدة تناثرت على مواقع التواصل الاجتماعي، يظهر فيها الرجال المسيحيون داخل أحد مدرّجات القرية، وقد اجتمعوا مع ممثلين عن التنظيم بهدف عقد اتفاق، يضمن دفعهم «الجزية»، مقابل أن يَسلموا ويعودوا إلى بيوتهم، داخل ما يسمى «دولة الخلافة».
وتضمّن الاتفاق الذي وقّع عليه مسيحيّو القريتين عودتهم إلى منازلهم في القرية، وفق 12 بنداً، من ضمنها أن يدفعوا الجزية، وقدرها 4 دنانير من الذهب، ما يعادل 4.25 غرامات، لأغنياء «أهل الذمة»، ونصف ذلك على متوسطي الحال، ونصف النصف على الفقراء من المسيحيين. ويحظر الاتفاق على المسيحيين إظهار الصلبان أو الكتب المقدسة أو استخدام مكبرات الصوت أثناء الصلاة. كذلك يمنعهم الاتفاق من بناء دير أو كنيسة أو صومعة لراهب في المنطقة. مصادر أهلية وصفت الاتفاق بالخطير، إذ إن رسالة داعش للمسيحيين في المناطق المحيطة أن القتال والمقاومة لا يجديان، وأن فرض شروطها يفضي إلى وقف المعارك للحياة ضمن «دولة الخلافة».
وفي حديث مع «الأخبار»، لفت المطران مار سلوانس بطرس النعمة، راعي أبرشية حمص وحماه وتوابعهما للسريان الأرثوذكس، أن عدد أفراد رعيته الباقين في القريتين يبلغ 270 شخصاً، بينهم نساء وأطفال وعجزة، خرج منهم، أمس، 15 شخصاً، جميعهم نساء وأطفال. وهؤلاء، بحسب المطران، «اضطروا إلى الاختيار بين دفع الجزية أو الدخول في الإسلام، وتوصلوا إلى اتفاق مع عناصر تنظيم داعش، يكفل عودتهم إلى بيوتهم». ويذكر المطران النعمة أن تواصل الكنيسة مستمر، لإنقاذ رعيتها، عبر «مفاوضات وحوار يتم عن طريق المنظمات الإنسانية، بهدف إخراج العجزة والأطفال والمعوقين»، غير أن «التنبّؤ بأيّ خطوة قادمة هو ضرب من المستحيل». ويتم التواصل مع الأهالي، حسب قول المطران، عبر الهاتف الخلوي، ما يعني أن «التغطية المتقطعة هي التي تحكم اطمئنان الناس على ذويهم في القرية».

اتفاق بين الجيش السوري ومجموعات مسلحة في مهين لمواجهة «داعش»
الكل يريد الخروج، بحسب المطران، إذ تطلّب الظرف توقيعهم اتفاق دفع الجزية. وعن موقفه عندما علم بتوقيع الاتفاق بين المدنيين المسيحيين وعناصر التنظيم، يقول المطران: «فرحنا لأن الناس بخير. لقد عادوا إلى بيوتهم. أما موضوع خروجهم من القرية، فإن الزمن كفيل به. نعوّل أيضاً على الحوار وضمانة المنظمات. وكل ذلك تحت إشراف الدولة». وينتظر المطران سلوانس النعمة من المنظمات الإنسانية الإجابة عن العديد من النقاط التفصيلية، التي طلب إيضاحات حولها، بخصوص أوضاع رعيته الباقين في القرية.
محافظ حمص طلال البرازي أكد نجاح الاتفاق المتعلق بإخراج 15 مدنياً، أمس، بعد أن وصلوا آمنين إلى قرية فيروزة. وقال البرازي لـ»الأخبار» إن أهم المستجدات في المنطقة هو «الاطمئنان على الأب جاك مراد الذي اختفى في نيسان الفائت، وظهر على قيد الحياة في القريتين أخيراً».
يذكر أن الجيش السوري يفرض طوقاً حول القريتين، إذ تتمركز قواته في قرية مهين المجاورة. وكانت جماعات من «الجيش الحر» قد أبدت استعدادها للاتفاق مع الجيش السوري في مهين للدفاع عن المنطقة في مواجهة مدّ عناصر داعش جنوبي حمص، ما أفضى إلى توقيع اتفاق مع هذه المجموعات، تتعهد فيه بمحاربة داعش.

آثار تدمر.. ومواعيد التفجير المستمرة

مواعيد تدمر اليومية مع التفجير مستمرة، إذ مسح عناصر تنظيم داعش ثلاثة مدافن طابقية في المدينة، تم التقاط صور لها عبر الأقمار الصناعية. عناصر التنظيم أزالوا المدافن من الوجود، بالحجة الدينية المكررة، المتعلقة باعتبارها أصناماً. «الأصنام» المستهدفة من قبل عناصر داعش هي: مدفن يمبليك، ومدفن الإله بعل، ومدفن كيتوت، والتي تعتبر أهم مدافن تدمر على الإطلاق. وذكر مدير عام الآثار والمتاحف في حمص، حسام حاميش، لـ»الأخبار»، أن تفجير المدافن الثلاثة ليس أول العهد من داعش، إذ تم تفجير المدافن الشمالية المجاورة للقلعة، سابقاً. وحذّر حاميش من تفجير قوس النصر وباقي المدينة الأثرية، إذ إن «أشخاصاً يتم التواصل معهم من المجتمع المحلي يؤكدون يومياً أن الحفر يتواصل تحت المدينة الأثرية وقوس النصر، بهدف تفخيخ هذه المواقع وتفجيرها أيضاً». بدوره، أبدى محافظ حمص أسفه لتدمير المدافن الأثرية الثلاثة، إذ إن «من دمر آثار الموصل لن يترك حضارة تدْمر بسلام»، حسب تعبيره. غير أنه لمّح إلى «انفراجات ميدانية»، خلال الأسابيع الثلاثة القادمة، لمصلحة الدولة السورية.