على مرّ السنوات الماضية من عمر الأزمة، لم تنجح محاولات الدول الداعمة للمعارضة السورية المسلحة في فصل محافظة السويداء عن جسم الدولة السورية. من التحريض المستمر عبر وسائل إعلام المعارضة وصفحات التواصل الاجتماعي، إلى الترهيب باجتياح الإرهابيين للمحافظة والترغيب بمدّ يد العون الأردنية والإسرائيلية، عَبَرت السويداء أكثر من محطّة مفصلية وحافظت على تماسكها والتصاقها بالدولة. آخر المحطات كان هجوم مسلحي تنظيم «القاعدة» على مطار الثعلة العسكري قبل نحو شهرين، والذي فشل بفعل وقوف الأهالي إلى جانب الجيش السوري.
إلّا أن يوم أمس كان قاسياً على المحافظة الجنوبية، حيث امتدت يد الإرهاب لتضرب عمق المدينة بتفجيرين، أحدهما اغتال الشيخ وحيد البلعوس مستهدفاً موكبه، وهو المعروف بمعارضته للدولة، والثاني بفارق زمني بسيط استهدف المشفى الوطني، الذي نُقل إليه ضحايا التفجير الأول، مخلّفاً أكثر من عشرين شهيداً وعدداً كبيراً من الجرحى.

بدا جنبلاط كمن ينتظر اللحظة لإعادة تحريض أهالي السويداء على الدولة


وحتى ساعة متأخرة من ليل أمس، بقيت تفاصيل الهجومين الداميين ملتبسة، بفعل الفوضى التي عمّت المدينة والضغط على شبكة الانترنت والاتصالات وانتشار المسلحين، وعدم تمكّن الأجهزة الرسمية من الوصول إلى مكان التفجيرين والعمل بحريّة. إلّا أن غالبية المصادر التي تحدّثت إليها «الأخبار» أكّدت وفاة البلعوس وأحد مساعديه الشيخ فادي نعيم، ابن مدينة السويداء، جراء التفجير الأول، فيما تضاربت معطيات المنشورات على صفحات التواصل الاجتماعي المقرّبة من البلعوس، بين نعي الشيخ والإشارة إلى أنه أصيب وجرى اسعافه.
وبحسب معلومات «الأخبار»، فإن موكب البلعوس أمس كان مؤلّفاً من 11 سيارة، ووقع التفجير عند حوالى الساعة الرابعة والنصف في منطقة عين المرج على الطريق بين المدينة وظهر الجبل، (لم تحسم المصادر إن كانت العبوة مزروعة في سيارة أو على جانب الطريق)، وكان من ضمن الموكب الشيخ ركان الأطرش، أحد أبرز المرجعيات الدينية لطائفة الموحدين الدروز في المحافظة، إلّا أنه لم يصب بأذى.
وبعد نقل المصابين والشهداء إلى مشفى السويداء الوطني، جرى تفجير سيارة مفخخة أمام مبنى المشفى وسط جموع الأهالي الذين حضروا بعد الأنباء عن التفجير الأول، ما أدى إلى وقوع عددٍ كبيرٍ من الشهداء والجرحى.
وسريعاً، بدأت وسائل الإعلام التابعة للمعارضة السورية والدول الداعمة لها وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، حملة شائعات تستهدف إحداث فتنة في السويداء، عبر اتهام فرع الأمن العسكري والأجهزة الأمنية السورية باغتيال البلعوس، على خلفية معارضته للدولة، وتحريضه الأهالي في السابق على عدم الالتحاق بالجيش.
وبحسب شهود عيان، فإن عدداً من المسلحين اقتحموا مقرّ الشرطة العسكرية في المدينة وحطموا مقتنياته وسرقوا ذخائر ومستندات من داخله، وحطّم آخرون تمثالاً للرئيس الراحل حافظ الأسد في ساحة «السير» وسط المدينة وسيّارات تابعة لمديرية مالية السويداء، وحاولوا الدخول إلى مبنى مجلس المدينة، إضافة إلى إطلاق النيران على فرع الأمن الجنائي وفرع الأمن العسكري من دون وقوع ضحايا.
وبدت لافتة الاجراءات التي اتخذتها الأجهزة الأمنية لتجنّب الصدام، حيث ردّت على مصادر النيران مع تعمّد عدم وقوع ضحايا لعدم مفاقمة الصدام، وسحبت كل الدوريات الأمنية من الطرقات.
وبالتوازي مع أعمال التخريب الممنهج، قام عدد من فعاليات المحافظة بمحاولات للتهدئة حتى لا تقع المحافظة في الفوضى، وقد نجحت المساعي في تهدئة عددٍ كبيرٍ من أتباع البلعوس، واستمر انتشار مسلحين مجهولين.
وبدا النائب وليد جنبلاط كمن ينتظر اللحظة المناسبة لإعادة تحريضه أهالي السويداء للتمرّد على الدولة. فبعد وقتٍ قصير من شيوع نبأ اغتيال البلعوس، بدأ جنبلاط تحريضه على «الانتفاضة» عبر حسابه على تويتر. وعلّق، بحسب جريدة الأنباء التابعة للحزب التقدمي الاشتراكي، بالقول: «دقت ساعة الفرز، والتحية، كل التحية لجميع الشهداء والمعتقلين من الشعب السوري الأبي. فلتكن هذه المناسبة مناسبة انتفاضة الجبل، جبل العرب، الجبل السوري الأشم في مواجهة النظام». وأضاف: «ليس هناك ضربة قاضية. إنها ضربة موجعة، لكن آن الأوان للشرفاء، وهم كثر، وهم الأكثرية في جبل العرب بأن ينتفضوا في مواجهة النظام الذي يريد القهر وخلق الفتنة مع إخوانهم من الشعب السوري. في المقابل، دعا رئيس الحزب الديموقراطي اللبناني النائب طلال أرسلان «المشايخ الدروز الاجاويد ومشايخ العقل والاخوان جميعاً في جبل العرب إلى التحلي بالحكمة والعقل والتصدي للفتنة»، مستنكراً «الاستهداف الرخيص الذي يتم من خلال تفجيرات تستهدف جبل العرب والمشايخ الدروز والإخوان في المنطقة»، لافتاً إلى وجود «مؤامرة لتطويع جبل العرب الرافض لكل أنواع المؤامرات التي تحصل على الاراضي السورية من قبل الارهاب التكفيري الذي لا يهدد سوريا ولبنان وحدهما بل العالم بأسره».