3 مراحل للمواجهات أوقعت 6371 شهيداً... ومحطتان في جنين وبيت لحمحسام كنفاني
عشر سنوات على انتفاضة الأقصى. في 28 أيلول من عام 2000 كانت الشرارة الأولى مع دخول زعيم حزب «الليكود» في ذلك الوقت، أرييل شارون، إلى باحة المسجد الأقصى. كان ذلك العنوان العريض لاندلاع المواجهات، بداية من القدس المحتلة قبل أن تنتقل إلى الضفة الغربية وبعض مناطق فلسطين التاريخية، في ما عرف لاحقاً باسم «هبّة أكتوبر».
عشر سنوات، لم يعلن أحد خلالها نهاية الانتفاضة، وإن كان وهجها قد خبا، وطغت عليها مسائل أخرى على علاقة بالداخل الفلسطيني والانقسامات والحسابات السياسية والأمنية التي تحكّمت بمسار الانتفاض، وبالنهاية أنهاه فعلياً. عشر سنوات تقسّمت خلالها الأحداث إلى مراحل مفصليّة. البداية كانت مع شرارة الانتفاضة في الثامن والعشرين من أيلول. مرحلة استمرت لنحو عامين كانت خلالها المواجهات متفرّقة بالحجارة في العديد من مدن الضفة الغربية، مع ظهور جديد لعمليات المقاومة، كان عنوانها الأبرز في ذلك الحين «كتائب شهداء الأقصى» المنبثقة من حركة «فتح». الكتائب كانت الحركة التصحيحة الأبرز في «فتح»، التي غرقت في عملية التسوية خلال السنوات السبع السابقة للانتفاضة إلى حين انهيار المفاوضات في كامب ديفيد وطابا.
انتفاضة الأقصى لم تكن مشابهة للانتفاضة الأولى في عام 1987. كان الاختلاف في دخول السلاح عنصراً أساسياً في تلك المرحلة. دخول كان بقرار مباشر من الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات. وينقل أحد المقربين من عرفات في ذلك الوقت مجموعة حوارات كانت تشير إلى رغبة أبو عمار في عسكرة الانتفاضة.
حين أُبلغ عرفات بقتل جنود إسرائيليين، قال: «افتكرتكم دمرتم دبابة ولّا فجرتم مدرعة»
ويقول المصدر إنه حين كان يأتي المسؤولون الفلسطينيون ليبلغوا عرفات عن سقوط شهداء، كان يقول باللكنة المصرية المعروف فيها: «وإحنا ما قتلناش حد، سلاحنا فين». وحين أبلغوه بالعملية الأولى التي قُتل خلالها جنود إسرائيليون قال: «افتكرتكم حتقولولي إنكم دمرتم دبابة ولا فجرتم مدرعة».
المحيطون بعرفات حينها فهموا مغزى حديثه، لتنطلق بعدها سلسلة العمليات الفدائية والاستشهادية، وصولاً إلى عملية نتانيا الاستشهادية في السابع والعشرين من آذار 2002، التي نفذها الشهيد عبد الباسط عودة وأدت إلى سقوط 29 قتيلاً وأكثر من 100 جريح في أحد مطاعم المدينة الإسرائيلية.
العملية كانت ذريعة لإطلاق المرحلة الثانية من الانتفاضة مع شنّ قوات الاحتلال عدوان «السور الواقي» في الضفة الغربية. ورغم أن الشهيد عودة كان منتميّاً إلى «كتائب عز الدين القسّام» التابعة لحركة «حماس»، إلا أن إسرائيل حمّلت عرفات المسؤولية، وجعلت منه الهدف الأول لعدوانها بعدما حاصرته في مقر المقاطعة في رام الله.
إضافة إلى حصار عرفات في المقاطعة، كان لعدوان السور الواقي محطتان بارزتان امتدت آثارهما إلى ما بعده. الأولى كانت حصار كنيسة المهد في بيت لحم، حيث تحصن عدد من المقاومين الفلسطينيين من مختلف الفصائل. حصار لم ينته بوقف الأعمال القتاليّة، إذ بقيت الاشتباكات في محيط الكنيسة إلى أن جرى الاتفاق على عمليات إبعاد للمقاومين إلى إيرلندا وقبرص وقطاع غزة. المحطة الثانية في العدوان كانت في أسطورة الصمود في مخيم جنين، أو «جنينغراد» كما كان يحلو لأبو عمّار تسميته. في مساحة كيلومتر مربع واحد، نجح رجال المقاومة في وقف تقدّم قوات الاحتلال وكبدوها 23 قتيلاً، 13 منهم في كمين واحد. أسطورة الصمود انتهت حينها بتدمير 150 وحدة سكنية تدميراً كاملة، و80 وحدة جزئياً، وإحراق 60 وحدة أخرى، مع حصيلة من 58 شهيداً.
النهاية الفعلية للانتفاضة، التي لم تُعلن، كانت مع اغتيال عرفات في 11 تشرين الثاني من عام 2004. حينها دخل الفلسطينيون في متاهاتهم الداخلية، وانتخاباتهم الرئاسية، ثم التشريعية، التي أودت إلى حال الانقسام القائم حالياً. ورغم ذلك، بقيت انتفاضة الأقصى قائمة في حسابات الضحايا، على غرار التقرير الذي أصدرته منظمة «بتسليم» أمس، والذي أشار إلى أن قوات الأمن الإسرائيلية قتلت 6371 فلسطينياً، بينهم 1317 قاصراً، منذ 29 أيلول 2000 إلى 26 أيلول 2010، فيما قتل مقاومون فلسطينيون 1083 إسرائيلياً.
وبغض النظر عن الحصيلة النهائية للانتفاضة، وسواء انتهت أو لا تزال مستمرة، يبدو الحديث اليوم عن انتفاضة ثالثة أكثر من أي وقت مضى، على اعتبار أن أجواء أيلول 2000 حاضرة في أيلول 2010 مع ظلال الفشل التي تخيّم فوق العملية التفاوضيّة الحالية. غير أن الفارق كبير بين الأمس واليوم، ولعل الأبرز هو غياب الرغبة الفلسطينية في إشعال الوضع الميداني، وحتى القيادات القادرة على إدارة دفة العمليات العسكرية.
من المؤكد أن الأمس لا يشبه اليوم، ما دام الهمّ الفلسطيني الأساسي هو منع الحراك الميداني، والحديث عن الانتفاضة الثالثة كأنها خطر على السلطة الفلسطينية بالدرجة الأولى.