تبدأ مدراس الأونروا عاماً دراسياً جديداً لن يكون مختلفاً على ما يبدو عن الأعوام السابقة، لجهة اكتظاظ الصفوف. فخطة الدمج لم تحل المشكلة. كما ستبقى سياسة الترفيع الآلي تسهم في ضرب المستوى التعليمي
سوزان هاشم
بين الخوف من «ترهيب» الأساتذة والشوق إلى المقعد الدراسي، تتأهب فرح سعد، ابنة الأحد عشر عاماً، لدخول صفها الجديد في إحدى المدارس التابعة لوكالة الأونروا داخل مخيم عين الحلوة. فرح التي تبوح لنا عن مدى تعلقها بمتابعة تحصيلها العلمي وقد أصبحت في السادس الأساسي. تطمح الفتاة إلى مستقبل أفضل لم تكتمل لديها ملامحه بعد، لكن ينتابها في الوقت عينه «خوف شديد من المعلمين». فرح لم تُشف بعد من مشهد المعلمة التي انهالت عليها ضرباً في العام السابق، بعدما صدمت رأسها بخشبة وكل ذلك بسبب «وشوشة مع رفيقتي بالصف». الـ«فوبيا» عينها تسيطر على معظم التلامذة. أحمد الساري (11 سنة)، هو واحد منهم، فرغم «أني بحب المدرسة كتير بس بكره أسلوب الأساتذة بالتعاطي معنا». يقول سارداً أساليب العقاب القاسية التي يتعرض لها الأولاد، في حال مخالفتهم إحدى التعليمات ومن الأساليب المتبعة: «وضع الأستاذ أقلاماً بين أصابع التلميذ والضغط عليها، استخدام الكرسي كآلة ضرب، الركل على المعدة، التركيع ...».
«الأساليب المتبعة في التعليم في مدارس الأونروا هي أحد أسباب تدني المستويات التعليمية لديها»، تقول ميرفت عيسى، منسقة برنامج الدعم االمدرسي الذي تنفذه الهيئة النروجية للاجئين. يعنى هذا البرنامج بتقوية التلميذ بعد الدوام المدرسي، ومحاولة معالجته نفسياً.
تلفت عيسى إلى «أن معظم الحالات التي تُعالج، تشكو من تعنيف مدرسي وهو ما يؤثر أساساً في تردّي حالة التلميذ تربوياً ونفسياً ونفوره من المدرسة». ومع أنّ الوكالة أصدرت قراراً منعت بموجبه الضرب، إلا أنّ هذا القرار لم يطبق حتى الآن بذريعة أنّ «تلك الفئة اعتادت أسلوب
العنف!».
التعنيف ليس المشكلة الوحيدة التي تواجه التعليم في مدارس مخيم عين الحلوة، فمشروع الدمج المدرسي الذي بدأت الوكالة بتنفيذه ابتداءً من العام الماضي لم يحل حتى الآن مشكلة الصفوف المكتظة التي تمثّل، بحسب عيسى، ضغطاً على الأستاذ والتلميذ معاً، فهي من جهة تعوق تركيز التلميذ داخل الصف، ومن جهة ثانية تجعل مهمة الأستاذ صعبة، وخصوصاً لجهة الاهتمام بجميع الطلاب.
ويبدو لافتاً أنّ تطبيق نظام الدوام الواحد في المدارس لم ينعكس على عدد التلامذة. هنا يقول جمال خطاب، مسؤول المجلس التربوي في عين الحلوة، إنّ العدد لا يزال يتجاوز الـ50 تلميذاً في الصف الواحد في بعض المدارس. وإذا كان الرجل يعزو الضغط إلى الاكتظاظ السكاني في المخيم، فهو لا يخفي استياءه من تشييد مدارس حديثة تستوعب أعداداً أكبر من الطلاب مقابل الاستغناء عن بعض الأساتذة وخسارتهم وظيفتهم.
يتوقع خطاب عاماً دراسياً متعثّراً لا يختلف عن سابقه بسبب افتقاد الطاقم التعليمي الأهلية نظراً لسوء المعايير التي تتبعها الوكالة في تعيين المعلمين. أضف إلى ذلك عدم مطابقة المنهاج المدرسي المتبع المستوى التعليمي للتلامذة، وخصوصاً أنّ وكالة الأونروا تفتقد، بحسب خطاب، صفوف الروضات التي تنحصر بالقطاع الخاص فحسب، وهذا الأخير يكتفي بتنظيم نشاطات ترفيهية أكثر منها تعليمية. هكذا، تبدأ هذه المدارس التي تتبع مناهج الدولة اللبنانية بتلقين الطالب الكلمات في بداية المرحلة الأساسية، فيما يكون هو أساساً لا يزال يجهل عالم الحروف. وفي ظل سياسة الترفيع الآلي المتبعة في مدارس الوكالة، يتراكم هذا الضعف ويرافق الطالب حتى امتحانات الشهادة المتوسطة، بحيث تُظهر نتائجها بوضوح المستوى المتدني لطلاب الأونروا. ومن الأمور

استطاعت الوكالة أن تؤمن الكتاب المدرسي باكراً هذا العام
التي يثيرها خطاب عدم توافر التجهيزات التعليمية توافراً كافياً، على الرغم من أن طرق التعليم الحديثة تغيّرت وباتت تعتمد بمعظمها على وسائل إيضاحية ناشطة في معظم المواد.
لهذه الأسباب يشكو أحد الأساتذة في الأونروا من «الأميّة المتفشيَة لدى التلامذة، وخصوصاً في المرحلة الأساسية، إذ غالباً ما نصادف البعض حتى في صفوف ما بعد الخامس الأساسي، يجهل كتابة اسمه أو حتى تهجئة الحروف! ولا يغفل المربي الواقع الاجتماعي الرديء الذي يرزح تحته معظم تلامذة الأونروا، وهو ما يعيق متابعة دروسهم بصورة جديّة، في ظل غياب معظم الاحتياجات الأساسية، عدا ذلك، فمعظم الأهالي مقصرون في متابعة التحصيل التعليمي لأولادهم، فهؤلاء يتعاطون في الغالب مع مشاكل أبنائهم الدراسية عن طريق فشة الخلق والانفعال بدلاً من حلها بالتروّي. يؤدي هذا الواقع إلى ابتعاد الطالب عن المقاعد الدراسية، وهو أمر يلمسه المراقب في المخيمات حيث لا تقتصر المشكلة على تراجع المستوى التعليمي بل أيضاً ارتفاع نسبة التسرب المدرسي».
وبالنسبة إلى تأمين الكتاب المدرسي، يبدو أنّ الوكالة تداركت التأخر الذي كان يحصل في الأعوام السابقة والذي كان يستغرق أكثر من شهرين بعد بدء العام الدراسي، بتوزيع الكتب على معظم المدراس قبل بداية الموسم. أو هذا على الأقل ما يقوله أحد المشرفين التربويين في الأونروا. ويلفت الرجل إلى أن «الوكالة استطاعت لأول مرة أيضاً أن تسد النقص في عدد الأساتذة الذي كانت تعانيه مدارسها سابقاً». ويردّ المصدر عينه على الاتهامات الموجهة لوكالة الأونروا لجهة تقصيرها في المجال التربوي بالقول: «لسنا وحدنا المسؤولين عن التقصير، إذ لا يمكن بحث الموضوع من دون العودة إلى النمط المجتمعي المتدني الذي يعيشه الطلاب، كما لا يمكن أن ننسى أن هدف الوكالة هو توفير خدمات للاجئين، وبالطبع فإنه ليس المطلوب من مدارسنا أن تكون نموذجية ومثالية». من جهة ثانية، يوضح المصدر أن الوكالة كانت تبحث مشكلة ازدحام الصفوف بالطلاب، مقترحة أن يكون الرقم 30 هو السقف الأعلى لعدد التلامذة في الصف الواحد، بيد أنّ أولوية تطبيق نظام الدفعة الواحدة، أو ما يسمى بنظام الدوام الواحد، حالت دون ذلك. لكن ذلك لا يمنع أنّ نظام الدفعتين لا يزال قائماً في بعض مدارس الوكالة في مدينة صيدا، فيما أُلغي بالكامل منذ سنتين تقريباً داخل مدارس مخيم عين الحلوة.
ومع ذلك، ينتقد أمين سر لجان حق العودة في عين الحلوة فؤاد عثمان، عدم جدية وكالة الأونروا في التعاطي مع الشأن التربوي، فلا تزال الوكالة عاجزة عن تنفيذ الخطط العملية اللازمة لانتشال القطاع التربوي وإنقاذ التعليم الذي وصل إلى أدنى مستوياته. يرى عثمان أنّ الحل يجب أن يبدأ مع معالجة مشاكل إدارات المدارس التي تسيطر عليها المحسوبيات والفساد. ويعرب عن اعتقاده بأنّ أي تصويب يطال العملية التربوية لا يمكن أن يترجم إلا بعد مرور جيلين من الطلاب على الأقل، وذلك لأنّ الجهل بات يطال حتى المراحل المتوسطة، بسبب السياسات التربوية المتعاقبة.


سياسة الترفيع الآلي للتلامذة التي تتبعها وكالة الأونروا تحت شعار «دعه يتعلم دعه يمر» ثغرة تعيق العملية التربوية في مدراسها. هكذا تصف ميرفت عيسى، منسقة برنامج الدعم المدرسي، هذه السياسة بـ«التجهيلية»، إذ إن «معظم الطلاب باتوا غير مكترثين بمتابعة التحصيل العلمي ما دام النجاح مضموناً في جميع الأحوال». بدوره، يعزو مصدر تربوي في «الأونروا» اتباع سياسة عدم الترسيب إلى منع تسرب التلميذ من المدرسة قبل إنجازه صف الخامس الأساسي على الأقل، وخصوصاً في ظل عدم توافر مهنيات تستقبل الطلاب في
هذه المرحلة.