جناح رئيس الديوان يقود العائلة ضد الشيعة
إيلي شلهوب
الوضع ميدانياً هادئ على الأرض في الوقت الراهن في البحرين. لا مواجهات في الشوارع ولا مسيرات للمعارضة. حتى مسيرة يوم القدس التي جرت العادة على أن تنظَّم في الجمعة الأخير من شهر رمضان أُلغيت، لكنّ النفوس تعتمل، والجمر يستعر تحت رماد الصراع بين السلطة والمعارضة. هناك، في المنامة، إجماع على أن شهر العسل الذي استمر نحو تسع سنوات قد انتهى بين الطرفين. والتساؤل الذي يتسلّل إلى أزقّة العاصمة البحرينية وصالوناتها ينحصر في محاولة استشراف كيفية تطور الأزمة: هل سيجري احتواؤها وبالتالي تبقى في حدودها الراهنة؟ هل ستكبر؟ الجواب يأمل البحرينيون أن يلتمسوه بعد أيام من التماس هلال العيد.
رئيس اللجنة التشريعية في البرلمان البحريني، خليل المرزوق، يقول لـ«الأخبار»، إن بلاده تشهد «عودة قوية إلى زمن حكم أمن الدولة، الذي اعتدناه في السبعينيات والثمانينيات. هي التهم نفسها. معتقلون منذ 13 آب لا أحد يعرف عنهم شيئاً، وحديث عن تعذيب بحقهم». ويضيف «هي محاولة من جانب الحاكم للهروب من المشاكل السياسية عبر التصعيد الأمني. الخناق يشتد على السلطة. هناك دستور مختلَف عليه ومشكلة تجنيس وتمييز ممنهج وسرقة للأراضي العامة. الهروب يجري بافتعال أزمات أمنية وبث الفتنة الطائفية».
وتابع المرزوق، الذي ينتمي إلى جمعية «الوفاق» المعارضة، إن «كبار العلماء والشخصيات وجهوا دعوة إلى الحوار، لكن لا استجابة من السلطة»، مشيراً إلى أنه «كأنما المشروع الإصلاحي يلفظ أنفاسه الأخيرة ونحن قادمون نحو تقرير البندر. المشروع الذي يبدو كأن ما يجري قد استُقي من صفحاته. مشروع ليس سوى خراب للبحرين».
ويكشف المرزوق أن «الدلائل والمعلومات تفيد عن وجود ثلاثة أجنحة في العائلة المالكة: جناح ولي العهد سلمان بن حمد آل خليفة، وهو الجناح المعتدل والمتفهّم والمؤيد للحلول السياسية، لكنه في هذه الأزمة يُحاصَر ويُزج فيها. وهناك جناج وزير الديوان خالد بن أحمد آل خليفة، وهو الجناح المتشدد الرافض لأي حوار والمؤيد للقبضة الأمنية. وأخيراً هناك جناح رئيس الوزراء خليفة بن سلمان آل خليفة، وهو في الشأن السياسي العام بعيد عن الاثنين السابقين. هو مشغول بالمسائل التنفيذية. أصلاً صلاحياته مقلّصة».
القيادي في حركة أحرار البحرين سعيد الشهابي، المقيم في لندن، الذي يحتل الرقم ثلاثة ضمن قائمة الـ 23، يرى أنّ ما يجري انتصار لجناح لرئيس الديوان الملكي. يقول «وزير الديوان هو الأول والآخر. هو الآمر الناهي. استطاع أن يُحجّم باقي التوجهات. لكنه ليس حالة معزولة. هذه توجهات العائلة الحاكمة. عائلة طائفية ومذهبية وجدت في وزير الديوان من يجسّد ذلك. عائلة تنتهك طائفة بعينها من هذا الشعب. تُظهر نفسها مدافعة علناً عن حقوق طائفة في مواجهة باقي الشعب. عائلة طمّاعة وجشعة تريد وضع يدها على كل شيء. لا توازيها في ذلك أي حالة أخرى في دول الخليج».
ويضيف الشهابي، وهو أحد اثنين لم يُلقَ القبض عليهما لوجودهما خارج البلاد، لـ «الأخبار»، إن «ما يجري يتداخل فيه الإقليمي مع المحلي وإن كان يغلب عليه العنصر الأخير. العائلة الحاكمة أدركت فشل مشروعها السياسي. عَدّ الملك ذلك صفعة له شخصياًً وأراد الانتقام ممّن يرى أنهم المسؤولون عن هذا الفشل... أخذ قراره، ربما بتنسيق إقليمي حيث ينظرون إلى الحالة البحرينية، عن حق أو عن خطأ، على أنها امتداد لحالة تنامي المقاومة للاحتلال ورفض الاستبداد»، مشيراً إلى وجود «حالة احتقان مذهبي في البحرين تغذّيها مدارس دينية في دول مجاورة». وتابع قائلاً إن «الوضع مرتهن لقرار من رأس الحكم. لا حل من أي جهة أخرى في البلد. المؤسسات الديموقراطية بعيدة عن سلطة القرار، بدليل أنها موجودة وغير معنية سوى بإقرار ما يريده النظام».
مصادر معارضة سابقة تلعب حالياً على أطراف النظام ترى الأمور على النحو التالي: «عملية الإصلاح التي بدأت في 2001 لم تكتمل من وجهة نظر المعارضة، التي انقسمت على نفسها بين فريق يرى في عدم إيفاء السلطة بوعودها مبرّراً للمقاطعة وتصعيد الخطاب، في مقابل فريق لا يزال يتمسك بالعملية السياسية ويؤيد المعارضة من الداخل. في مواجهة الخطاب المتشدد لجهات في المعارضة، الذي أدى إلى أعمال شعب وحرق في الطرق ليست غريبة عن البحرين، خلقت السلطات مجموعات متشددة تردّ على شتائم المعارضة بشتائم لرموز هذه الأخيرة وللشيعة عموماً. الموقف الرسمي الحالي للسلطة يقول إن الكيل طفح لديها بالنسبة إلى المتشددين من المعارضة، الذين قررت توجيه ضربة إليهم تحت عنوان أنه في 13 آب انتهت سياسة التسامح وبدأت سياسة الحزم والشدة مع كل ما تحمله من مدلولات. أما الجناح المتشدد في السلطة، فيقول إنّ الأمور ستذهب أبعد من ذلك».
وتقول مصادر المعارضة البحرينية في الداخل إن «ما يجري اليوم ضربة أمنية تطاول رموز المقاطعة (للعملية السياسية)»، تترافق مع «توجيهات من الملك لضبط الخطاب الديني، وتأطير الحريات العامة عبر تشديد الرقابة على الصحف».
اللافت في هذه الحملة، بحسب المصادر نفسها، أن «الاعتقالات فيها تجري على أيدي الحرس الوطني، لا الشرطة أو قوى الأمن التابعة لوزارة الداخلية على ما جرت عليه العادة». هناك أيضاً «إغلاق الموقع الإلكتروني لجمعية الوفاق»، التي تُعدّ أكبر التنظيمات المعارضة، والتي تمتلك الكتلة البرلمانية الأكبر (17 نائباً من أصل 40، يتكوّن منهم مجلس النواب)، فضلاً عن أن «معظم المعتقلين هم من نشطاء حقوق الإنسان، الذين جلّ ما قاموا به هو حرق إطارات في الشوارع، أو تدمير إشارة مرور»، في وقت «جرى في خلاله اعتقال أكثر من خلية إرهابية سلفية مسلحة، وكل ما كان يحصل هو مصادرة الأسلحة وإطلاق أفراد الخلية».
وتلفت المصادر نفسها إلى أن «حديث وزير العدل البحريني الشيخ خالد بن علي آل خليفة عن أن الانتخابات المقبلة ستجري من دون أيّ رقابة دولية، وخطاب الملك في شأن ترشيد الخطاب الديني سوف يخلقان حساسية، وقد يؤديان إلى كسر الجرة حتى بين الأطراف المشاركة في العملية السياسية».
هناك أيضاً التدخل المستجد لولي العهد في الأمور السياسية الداخلية. مصادر من المعارضة المقاطعة للعملية السياسية في الخارج تقول إن «ولي العهد معروف أنه يتولى ملف التنمية الاقتصادية. لم يعتد التعاطي بالشأن السياسي. أول تدخل ظاهر له كان قبل أيام عندما رأى أن الملك كان متساهلاً مع المعارضة، وأنه طلب منها العودة إلى رشدها فلم يُجدِ الأمر نفعاً، لذلك نريد أن نعلّم قادتها درساً لن ينسوه. هناك أيضاً تعقيبه على إعلان الملك عن الإصلاحات الدينية، مؤكّداً ضرورة استرداد المنابر».
وتفيد المصادر نفسها أنها «المرة الأولى التي يكشف فيها النظام الأمني عن وجهه القديم، وتُستخدم فيها القوة العارية بهذه الطريقة الوحشية منذ تولّي الشيخ حمد مقاليد الحكم قبل نحو عقد من الزمن». وتضيف إنّ «أكثرية التهم الموجهة إلى المعتقلين لها علاقة بصلات وتمويل من جهات خارجية. مسؤول أمني صرّح بأنّ هذه الجهة ليست إيران. من هي إذاً؟ لا أحد يقول، ما يعني أنها تهم لا أساس لها ولا دليل على وجودها. ليست سوى محاولة للتشكيك في ولاء الشيعة».
وكانت لافتةً تصريحات «لعدد من كبار مسؤولي الدولة تفيد أنّ على المعارضة ألا تفهم العفو المتكرر والإصلاحات فهماً خاطئاً على أنها دليل ضعف. العائلة المالكة ليست بحاجة إلى هذه الإصلاحات من أجل تثبيت سلطتها»، على ما تفيد مصادر من معارضة الداخل.
مصادر معنية بالملف تشير إلى أن «الجمعيات العلمانية واليسارية تتعرض لضغوط شديدة. أعمال تخريب تجري في المناطق التي تريد أن تترشح فيها. يخططون لتوجيه الصوت العسكري وصوت المجنسين ليواجهوا بهما المرشح اليساري كي لا يصل إلى البرلمان. يريدون الحفاظ على كتلة غير دينية في البرلمان، والصراع سيكون على كتلة كهذه في الأسابيع المقبلة. لكنهم يريدونها موالية للحكومة».
مصادر عليمة بشؤون الحياة السياسية وشجونها في البحرين تؤكد أن هذه الحملة «ليست سوى آخر حلقات سلسلة تستهدف الانقلاب على الإصلاحات السياسية في البحرين، بما يعيد رسم الخطوط الحمراء وتحديد السقف للخطاب والنشاط السياسيين». وتضيف إن هذا «الانقلاب يقوده رئيس الديوان الملكي الوثيق الصلة بالسعودية، الذي يعمل على تطبيق الأفكار السعودية داخل البحرين، بدليل حجم الأموال التي تُنفق على الجمعيات السلفية المقربة من النظام الحاكم في الرياض».
وتشدد المصادر على أن ما يجري حالياً «محاولة حسم التوجه الجديد للبحرين. هناك انزعاج سعودي واضح من الإصلاحات التي فسحت المجال في البحرين لنبرة مشابهة للحال في الكويت. وضع كهذا يمكن أن يسهم في تأجيج الوضع في المنطقة الشرقية (التي تقطنها غالبية شيعية في السعودية) ضد الرياض. السعودية تريد احتواء شيعة البحرين».
وتضيف المصادر نفسها إنه «يجب النظر إلى ميزان النفوذ داخل الدولة. لقد أصبح بيد رئيس الديوان الملكي»، مشدّدة على أن «رئيس الوزراء خليفة بن سلمان آل خليفة لا شك أنه يشعر بانزعاج، وهو يدرك أن البساط السعودي يُسحب من تحت قدميه، كما حصل مع الوزارات السيادية التي سُحبت من أيدي المقربين منه». وتوضح أن «آخر ضربة تلقّاها رئيس الوزراء كانت في الأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي. رشح محمد المطوع لهذا المنصب، الذي أراد من خلاله أن يوازن به ميزان القوى المحلية الذي يميل لغير مصلحته، ومعروف أن الأمور لم تجر كما اشتهى».
مصادر على أطراف النظام توضح «أن السلفيّين موجودون في البحرين منذ بداية الثمانينات، ويأتيهم الدعم من الكويت والسعودية. هذا الأمر ليس جديداً. في السبعينيات، كان الشارع السني في أكثريته من الإخوان المسلمين، والباقي قوميّون. أما الآن، فأكثريته من السلفيين، يأتي بعدهم الإخوان وقلة قليلة من القوميين».
مصادر معارضة وثيقة الاطّلاع تؤكد «وجود غطاء أميركي لما يحدث»، مشيرةً إلى أن «رموز المعارضة في الخارج تلقوا، خلال اجتماع كانوا يعقدونه في لندن في نيسان الماضي، رسالة من السفير الأميركي في المنامة، آدم ايرلي، يحذرهم فيها من ضرورة ضبط الخطاب السياسي خلال المرحلة المقبلة، لافتاً إلى حملة أمنية قريبة على المعارضة، وإلى أن المصلحة الأميركية تفرض ألا تغطي واشنطن أياً من أطراف المعارضة لأي سبب كان. وهكذا حصل». وتضيف إن «من المؤشرات على الاهتمام المستجد للولايات المتحدة بالبحرين أن السفير الأميركي أصبح، منذ فترة وجيزة، مقيماً في المنامة، خلافاً لما كانت عليه الحال في السابق، حيث كان يقيم في بغداد».
وهناك بُعد آخر للأزمة مرتبط بقطر، التي «تزداد علاقتها سوءاً بالبحرين يوماً بعد يوم». وتقول مصادر مطلعة إن هناك «حديثاً داخل الصالونات السياسية في المنامة عن سوء علاقة العائلة المالكة في المنامة بالعائلة الحاكمة في قطر». وتوضح أن «من المؤشرات على ذلك قرار قطر عدم مباشرة تنفيذ جسر المحبة الذي يربط بين البلدين، والذي ما عاد أحد يتوقع أن يبصر النور،

محاولة لإعادة رسم الخطوط الحمراء، ووضع سقف سياسي للمعارضة... بمعيّة السعودية

في 13 آب انتهت سياسة التسامح وبدأت سياسة الحزم والشدة التي تذكّر بزمن أمن الدولة

رغم أن عملية الإعداد لمباشرة بنائه قد انتهت بعد تأخّر دام 4 سنوات. هناك أيضاً قضية الصياد البحريني الذي أطلق عليه خفر السواحل القطري النار واعتقله بحجة أنه دخل المياه القطرية. حصل ذلك قبل نحو أربعة أشهر، ولم يطلَق سراحه إلا يوم الاثنين الماضي بعد تغريمه ألف دينار. هناك أيضاً حكاية منع طاقم لقناة الجزيرة من دخول المنامة. كلها حوادث ما كانت لتحصل لو كانت العلاقات أخوية». وتضيف المصادر نفسها إن «هناك اتهامات للدوحة داخل المنامة بأنها تقف مع طهران في ملف الغاز، وتجبر البحرين على التنسيق مع إيران».
هناك أيضاً حديث عن دور مصري وأردني مستتر. وفي هذا السياق تلفت مصادر متابعة إلى «واقعة اعتقال ما سمّيت خلية إرهابية بعد أيام من عودة الملك من زيارة إلى مصر، حيث التقى الرئيس حسني مبارك، وهناك حديث عن استجلاب قوات مصرية وأردنية إلى البحرين إذا اشتدت الأزمة الأمنية في المملكة».
ومع ذلك، يقول المرزوق إنه «لا معلومات لديه عن أي تدخل خارجي لهذا الطرف أو ذاك. لا أستطيع أن أؤكد أو أنفي، لكن لا أحد في الخليج مرتاح للعملية الديموقراطية في البحرين». وفي ما يتعلق بقطر، يضيف المرزوق «كان هناك توتر أيام الترشيحات لمنصب الأمين العام لمجلس التعاون. كانوا معترضين على المطوع. لكن هذه القضية انتهت. الأكيد أنه لا يوجد تصعيد من الجانب البحريني».
ومعروف أن الاعتقالات الأخيرة طاولت معارضين من المشاركين في العملية السياسية وآخرين من المقاطعين لها ممّن يطالبون بدستور تعاقدي، على غرار دستور عام 1973، للاعتراف بالنظام.


«تقرير البندر» في سطور

«تقرير البندر»، الذي ظهر في 2006، تضمّن ادعاءات بتورط مسؤولين حكوميّين في خطة سرية لإقصاء الشيعة والتلاعب بنتائج انتخابات ذاك العام. سمي باسم الشخص الذي كشفه، وهو مستشار حكومي سابق سوداني الأصل يحمل الجنسية البريطانية يدعى صلاح البندر.
ويتهم التقرير «منظمة سرية» داخل الحكومة، يقودها وزير شؤون مجلس الوزراء، الشيخ أحمد بن عطية الله خليفة، بالعمل لتهميش الشيعة. وتنص الخطة على «إبراز القادة الدينيّين المؤثرين في أوساط أهل السنة والجماعة ليكون لهم ثقل في صناعة القرار»، و«السعي إلى السيطرة على وظائف الشرطة، والجيش، والحرس الوطني»، وطلب «الدعم القوي من الديوان الملكي»، و«تأسيس مركز خاص لإجراء الدراسات والرقابة على النشاطات التي يقوم بها الشيعة، وتذويبهم في بحر واسع من السنّة في الخليج»، و«الاهتمام بزيادة حصص السنّة من المناصب العليا وتحسين أحوالهم المادية والاجتماعية، بهدف بقائهم وتكاثرهم والحد من نزوحهم إلى دول الجوار»، و«إعادة كتابة تاريخ البحرين وإبراز دور القادة والعلماء والمفكّرين السنّة فيه».

تم تعديل هذا المقال عن نسخته الورقية يوم الخميس ٩ أيلول ٢٠١٠