ضجيج عال يثيره هذه الأيام النائب في الكنيست الإسرائيلي سعيد نفاع. يكتب مقالاً هنا وينشر بياناً هناك، ويطلق اتهامات على كل من يخالفه الرأي، منذ أن قرر الابتعاد عن حزب التجمع الوطني الديموقراطي الذي انضم رسمياً إلى صفوفه في عام 2002، وطُرد منه عام 2010. أسباب كثيرة دفعته للانضمام، ودفعت التجمع للطرد، لكن الثابت أن نفاع اعتنق «الجنبلاطية» خياراً سياسياً
بسام القنطار
طلاق بائن بين النائب في الكنيست الإسرائيلي سعيد نفاع وحزب التجمع الوطني الديموقراطي. يعتبر الأخير سلوك نفاع السياسي «مثيراً لأكثر من علامة استفهام»، وخصوصاً رفضه تنفيذ اتفاقية التناوب التي وقعها مع النائب السابق الشيخ عباس زكور والتنازل له عن المقعد النيابي الخاص بالتجمع، في المدة الباقية من عهد الكنيست الثامن عشر، وتعاونه مع نواب من أحزاب صهيونية مثل الليكود وكديما لمجرد كونهم دروزاً، علماً بأن نفاع عندما فُصل من التجمع لم يخرج معه عضو واحد من الحزب.
وكان التجمع الوطني قد طالب في بيان نفاع بإعادة المقعد البرلماني إلى الحزب فوراً، باعتبار أن المقعد هو للتجمع وله حرية التصرف به. لكن نفاع رفض الطلب ورد طارحاً أن يتنازل أحد نائبَي كتلة التجمع البرلمانية، جمال زحالقة وحنين الزعبي، لمصلحة الشيخ عبّاس زكور.
شخصية نفاع يمكن فهمها بالعودة إلى بداية حياته السياسية ناشطاً في لجنة المبادرة الدرزية الرافضة للخدمة الإلزامية في الجيش الإسرائيلي، بعدما سُجن في عام 1972. كان عضواً في الحزب الشيوعي عندما تولى في عام 1981 سكريتاريا لجنة المبادرة، التي أسسها الشيخ فرهود فرهود، ثم انتقل إلى العمل البلدي، حيث شغل في الأعوام 1989ــــ1992 منصب رئيس بلدية قريته بيت جن، الذي يعكس تحالفات عائلية وقبلية لا تمت إلى العمل الوطني بصلة. وقد تنقل المحامي والكاتب القصصي في مواقع عدة، ولعل إصداره في عام 2000 ثمانيته القصصية الأولى «نكبة الدوري» هي خير معبّر ربما عن طريقة تفكيره المتأثر بطير الدوري، الذي يقضي نهاره متنقلاً بين شجرة وأخرى.
محطّة مفصلية برزت في حياة الرجل عندما أشركه عزمي بشارة في نشاط حزب التجمع في القرى الدرزية. ثم في لقاءات التواصل مع العالم العربي، وذلك بعد فترة من تنظيمها. وتوّجت المهمة بلقاء شهير عقد في أواخر عام 2001 بين النائب وليد جنبلاط ووفد من دروز فلسطين. وكان نفّاع حاضراً للقاء بعدما انضم للتجمع بعد انشقاقه عن الجبهة الديموقراطية للسلام والمساواة، ثم عن صفوف لجنة المبادرة الدرزية في عام 2000. وقد دفعه العمل في إطار التجمع إلى تأسيس ما سماه «ميثاق المعروفيين الأحرار»، معللاً هذا الانشقاق بأنه «ذو خلفية أيديولوجية قومية عربية»، وأنه جاء «على ضوء الترهل الذي حصل في مقاومة المؤامرة».
أحداث عام 2005 وما تلاها من «لحظات التخلي» التي عاشها جنبلاط، كانت المحطة المفصلية في علاقة الأخير بعزمي بشارة، إذ ساءت هذه العلاقة إلى حد القطيعة. ولكن نفاع كان يدافع عن موقف جنبلاط حتى حين أصبح عضواً في المكتب السياسي للتجمع. وبعد العديد من المطالبات من التجمع الوطني والقوى المناوئة لجنبلاط في لبنان على خلفية موقفه من المقاومة تحديداً، حاول نفّاع أن يصحح نفسه أمام القوى الوطنية ببيان يتيم صدر عن ميثاق المعروفيين بعنوان «ما هكذا تورد الإبل يا وليد». واتسم البيان بأسلوب الناصح والمعاتب، طالباً من جنبلاط العودة عن مواقفه المعادية للمقاومة. لكن تبيّن لاحقاً أن البيان العلني استتبع بعدة بيانات سرية توضيحية أرسلها نفاع إلى جنبلاط شارحاً فيها الضغوط التي مورست عليه بهدف إصدار بيانه هذا، مع أن غالبية أعضاء الميثاق من الدروز كانوا، خلافاً لنفاع، فعلاً ضد مواقف جنبلاط في تلك المرحلة. فكان جواب جنبلاط بأنه يتفهم ما صدر ولكن على الأخير ألا ينجرّ في الحرب الكلامية التي كان يخوضها ضد المقاومة وسوريا.
يتأسف أحد قياديي التجمع الوطني كيف أن بشارة أولى نفاع ثقته ودعمه ليتقدم داخل الحزب ولم يكتشف حقيقة دوافع نفاع وخلفيته الطائفية في مقاربة الأمور، ليذهب إلى حد القول إن وجوده السياسي برمته هو «غلطة بشارة» وسرعة ثقته بالناس، وخصوصاً بعدما دخل نفاع إلى الكنيست في 25/4/2007 عن التجمع الوطني الديموقراطي بعد استقالة بشارة، لأنه كان رابعاً على القائمة بدعم من الأخير.
المرحلة المفصلية في علاقة نفاع بحزب التجمع كانت أثناء التحضير للانتخابات الكنيست الأخيرة. ويروي عضو المكتب السياسي أيمن حاج يحيى كيف أن نفاع يتباهى اليوم بأنه حاز نسبة تصويت بلغت 67 في المئة في مؤتمر التجمع الخاص بانتخاب أعضاء الحزب المرشحين إلى الكنيست. وبحسب الحاج يحيى، فإن نفاع حصل على هذه النسبة في الجولة الثانية من مؤتمر التجمع، بعدما حصل في الجولة الأولى على 49 في المئة. ويضيف: «حتى أيام قبل المؤتمر، كانت حظوظ نفاع بالفوز بثقة المؤتمر بانتخابه على المقعد الثاني أقل من حظوظ السعودية بالفوز بكأس العالم». ويتابع «بعد عدة لقاءات معه، قرر غالبيتنا دعمه المشروط بالمؤتمر، وذلك بتقديم إقرار شخصي منه، بأن المقعد ملك الحزب ولا يحق له التصرف به، وأنه إذا قرر الحزب تنحيته عن المقعد لتنفيذ تناوب مع أي مرشح حسب حاجات الحزب، فإن ذلك سيكون من حق الحزب بغض النظر عن الأسباب والظروف».
وبحسب الحاج يحيى «فإن نفاع أبدى موافقته التامة على هذا المطلب من دون نقاش، ولكننا لم نكتفِ بالتعهد أمامنا بل طلبنا منه أن يقدم هذا التعهد رسمياً لرئيس الحزب واصل طه، وهذا ما حصل. ولولا هذه التعهد لما حصل نفاع على الـ67 في المئة من أصوات المؤتمر في الجولة الثانية».
عزز نفاع خطواته واستكمل أجندته الطائفية من خلال تفرّده، دون استشارة الحزب، بقرار اللقاء بالنائب جنبلاط مجدداً في أواخر عام 2009 في جزيرة قبرص. وبحسب معلومات استقصائية لـ«الأخبار»، فإن هذا اللقاء، وما سبقه من لقاءات عقدها نفاع مع مساعد جنبلاط الوزير وائل أبو فاعور في عدة عواصم أوروبية، كانت العامل المساند في قرار نفاع عدم التخلي عن مقعده في الكنيست. ويأتي التحريض الجنبلاطي لنفاع على خلفية أن تحسن علاقة جنبلاط بسوريا وحزب الله لم تشمل العلاقة مع بشارة، الذي رفض الالتزام بمثل هذا التحسن. وقال في مقابلة مع «المنار» إنه «لا يقرر مواقفه بموجب تقلب علاقات زعماء الطوائف في لبنان، أو ضرورات الدول».
ومن قبرص إلى تركيا وصولاً إلى لبنان، تعززت علاقة جنبلاط بنفاع وتوسعت، حتى أن أبو فاعور لم يخف في جلساته نية الحزب التقدمي الاشتراكي «عدم السماح لعزمي بشارة بإسقاط نفاع في الانتخابات الإسرائيلية المقبلة»، رغم أن نفاع لم يعد عضواً في التجمع، الذي لا يملك آلية للتحكم بترشحه من عدمه. وبشارة، الذي وافق سابقاً على طلب جنبلاط التنسيق مع دروز الداخل استناداً إلى موقف جنبلاط الداعم لنشاط الحركة الوطنية ضد تجيند الدروز للجيش، سرعان ما اكتشف أن هدف جنبلاط هو تشبيك طائفي من خلف ظهر الحركة الوطنية، ونقل العلل اللبنانية إلى فلسطين.
في 26/1/2010 رفعت لجنة الكنيست الحصانة عن النائب سعيد نفاع، ممهدة للمستشار القضائي الإسرائيلي تقديم لائحة الاتهام بسبب زيارة دولة «عدو» هي سوريا والاتصال «بعملاء أجانب» (خالد مشعل وطلال ناجي). ولقد لقيت هذه الخطوة تعاطفاً مع نفاع داخل فلسطين وخارجها. لكن الموقف الأبرز جاء من الرئيس الروحي للطائفة الدرزيّة، الشيخ موفق طريف، الذي وجه رسالة للمستشار القضائي طالبه فيها بالامتناع عن اتهام نفاع، مشدداً على أن «الزيارات إلى سوريا كانت وستبقى ذات طابع إنساني». وليس معلوماً منذ أن وجهت هذ الرسالة مصير محاكمة نفاع المفتوحة منذ عام 2007 على كل الاحتمالات.
لكن نفاع قرر في تموز الماضي المضي قدماً في تثبيت مكانته لدى أوساط الدروز، حتى الذين يخدمون في الجيش الإسرائيلي. ونجح، بمساعدة جنبلاط، في تسهيل وصول وفد مشايخ لحضور مؤتمر اللجنة الاغترابية للمجلس المذهبي الدرزي في لبنان. ورغم أن جدول أعمال المؤتمر لا يمت بصلة إلى قضايا دروز فلسطين، طغى حضور الوفد إلى المؤتمر على ما عداه من أنشطة، وبعد عودة هؤلاء تم التحقيق معهم ومصادرة جوازات سفرهم، إلا أن أياً منهم لم يسجن أو يقدّم إلى المحاكمة. وحاول جنبلاط ترتيب لقاء بين هذا الوفد ورجال دين من حزب الله الذي رفض الأمر بصورة مطلقة.

حاول جنبلاط ترتيب لقاء بين وفد المشايخ ورجال دين من حزب الله، لكن الحزب رفض الأمر
عودة الوفد كانت مناسبة لتهليل نفاع والقول على الملأ إن من يريد الدخول إلى لبنان وسوريا عليه أن يكون بإمرته، شامتاً بكل الذين حاولوا في مرات سابقة الدخول إلى سوريا ولم ينجحوا. مع أنه زار سوريا بنفسه من خلال قوائم كان يوافق عليها التجمع وعزمي بشارة. مع الفرق أن التجمع الوطني الديموقراطي كان يرفض طلب الإذن من إسرائيل لزيارة أي دولة عربية لكي لا يصبح تطبيعاً. أما نفاع فقد ذهب أبعد من ذلك، فلم يكتف بفكرة تقديم طلبات الموافقة على الزيارة إلى المحاكم الإسرائيلية بهدف الحصول على موافقة الجهات القضائية والأمنية، بل تقدم باقتراح إلى الكنيست بـ«إلزام مكتب رئيس الحكومة ووزير الداخليّة رفع منعهم عن الدروز في التواصل والقيام بشعائرهم المذهبيّة في الأماكن المقدسة في لبنان وسوريا»، أي إنه حوّل الموضوع إلى تطبيع رسمي. ولكن نجم هذه الجلسة، التي بُثّت مباشرة على القناة التلفزيونية للكنيست، لم يكن نفاع بل النائب الدرزي عن حزب ليبرمان اليميني المتطرف «إسرائيل بيتنا» حمد عمار، الذي أيّد مشروع نفاع شرط أن تكون الزيارات دينيّة فقط.
هل يحق لسعيد نفاع أن يسأل محتاراً كيف تصنّف وفود المشايخ التي زارت سوريا في السنوات السابقة بمبادرة د. عزمي بشارة «قومية ووطنية»، ولماذا أصبح ينظر إليها اليوم «طائفيّة وتطبيعيّة»؟


البشير والكمال

طرفة نادرة تروى، في معرض فهم طريقة تعاطي نفاع (الصورة) مع وليد جنبلاط وتقديم فروض الولاء له. حاول نفاع في العام الماضي الاحتفال بذكرى اغتيال الشهيد كمال جنبلاط عبر ترميم قبر بشير جنبلاط في قرية يركا، الذي أعدمه والي عكا عبد الله باشا سنة 1775. إلا أن المحاولة باءت بالفشل بعد اعتراض آل معدي، الذين أكدوا أن ترميم القبر يقع على عاتقهم. وبمعزل عن المحاولة ودوافعها، هل تكريم كمال جنبلاط يكون بترميم قبر بشير جنبلاط، الإقطاعي، المستبد، البراغماتي، غير المتمسك بالثوابت، محبّ المال والسلطة، والذي ذبح أولاد عمه نجم جنبلاط طمعاً بالاستفراد بالزعامة؟ وهل محاربة التجنيد الإجباري تكون بتعزيز «الجنبلاطية السياسية» على حساب العمل الجاد على ملف التجنيد الإجباري، الذي لا يكفي أن يكون أولاد سعيد نفاع الخمسة قد رفضوا الامتثال له للقول إن الوضع بألف خير وإن نسب رفض التجنيد إلى ارتفاع؟