أطلقت الولايات المتحدة أمس قطار المفاوضات المباشرة، ومعها مسار التنازلات الفلسطينية التي يبدو أنه سيكون طويلاً، ما دام الرئيس محمود عبّاس قرر أن يبدأه بالموافقة على التوصّل إلى «اتفاق إطار» خلال عام يكون ممهداً للاتفاق النهائي المفتوح على أجل غير مسمّى
واشنطن ــ محمد سعيد
«اتفاق إطار»، عبارة هي أهمّ ما يعلق بالذهن من حفلة إطلاق المفاوضات المباشرة، التي دشنت بها الولايات المتحدة «الإنجاز» الذي لطالما سعت إليه. مفاوضات وضعت الولايات المتحدة بدايتها، وحددت شكل نهايتها خلال عام. نهاية بات من المؤكد أنها لن تكون الاتفاق السلمي الشامل الذي روّجت له في المرحلة السابق للتفاوض، بل مجرّد اتفاق على الخطوط العامة ليترك التنفيذ على مدى سنوات تحدّدها المعطيات والتطورات.
ورغم أن الرئيس الفلسطيني محمود عبّاس كان يدأب على إعلان رفضه صيغة اتفاق الإطار، إلا أن المبعوث الأميركي جورج ميتشل خرج إلى الإعلام بعد الجلسة المغلقة ليعلن أن أبو مازن ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو توافقا على مثل هذا الاتفاق. بداية «مبشّرة» من الرئيس الفلسطيني، تشير إلى مسار تنازلي آتٍ مع مقبل الأيام، ولا سيما بعد الاتفاق على عقد جلسة تفاوضيّة كل أسبوعين، ستكون أولاها في 14 و15 أيلول الجاري.
البداية التفاوضية أمس كانت فولكلوريّة، وأشبه بحملة علاقات عامة، إذ أطلّت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون على منصة واحدة مع عبّاس ونتنياهو لإلقاء كلمة افتتاحية، تبعها خطابا شروط من الرئيس الفلسطيني ورئيس الوزراء الإسرائيلي، قبل أن يدخل الجميع إلى اجتماع مغلق استمر نحو 90 دقيقة.
بعد الاجتماع المغلق، خرج ميتشل ليعقد مؤتمراً صحافياً، ويعلن «الإجواء الإيجابية»، التي أثمرت اتفاقاً من الجانبين على أن «نجاح المفاوضات يتطلب أن تكون سرية وبعيدة عن الصحافة، كذلك اتفقا على الانتهاء من المفاوضات في غضون عام يجري خلاله حل كل القضايا الجوهرية، مشيراً إلى أن الولايات المتحدة «ستلقي بكل ثقلها» وراء المفاوضات.
وكشف ميتشل عن أن عباس ونتنياهو اتفقا على أن «الخطوة المنطقية التالية هي البدء في العمل للتوصل إلى اتفاق إطار عمل، الغرض منه تقديم تنازلات أساسية ضرورية يمكنهما من العمل على التفاصيل واستكمال معاهدة شاملة تنهي الصراع وإقامة سلام دائم بين إسرائيل والفلسطينيين». كذلك ذكر أن «الجانبين اتفقا على أنهما في أفعالهما وبياناتهما يستهدفان خلق أجواء من الثقة تمهد للوصل إلى اتفاق نهائي».
وأعلن المبعوث الأميركي أن نتنياهو وعباس، اللذين عقدا اجتماعاً منفرداً في واشنطن بعد لقاء ثلاثي مع وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون، اتفقا على الالتقاء مجدداً في 14 و15 أيلول الجاري «في المنطقة» ثم كل أسبوعين، من دون أن يحدّد مكان الاجتماع، الذي تحدثت تقارير صحافيّة عن أنه سيكون في شرم الشيخ في مصر.
على هذه الأسس أُسدل أمس الستار على الجلسة الأولى من المفاوضات المباشرة، التي كانت قد بدأت فعليّاً بجلسة علنيّة مشتركة ضمت عباس ونتنياهو وكلينتون، التي أعلنت
أن هذه «المفاوضات خطوة مهمة باتجاه مستقبل من السلام والكرامة». ووجهت حديثها إلى منتقدي هذه العملية وطالبتهم بالانضمام إلى الجهود الجارية حالياً، مشيرة إلى أن الفرصة سانحة ليبدأوا المساهمة في هذه العملية.
وقالت كلينتون إن «الولايات المتحدة تعهدت بتقديم الدعم الكامل لهذه المحادثات وستواصل العمل كشريك نشط ودائم حيث تعتقد أنّ بإمكان الطرفين النجاح، وتدرك أن هذا النجاح يصب في مصلحة الأمن القومي الأميركي»، مؤكدة في الوقت نفسه أن الولايات المتحدة «لا تستطيع ولن تفرض حلاً للنزاع». وأضافت: «وحدكم يمكنكم اتخاذ القرارات اللازمة للتوصل إلى اتفاق وضمان مستقبل سلمي للشعبين الفلسطيني والإسرائيلي».
وأوضحت كلينتون أن القادة المجتمعين عادوا إلى طاولة المفاوضات لأنهم يعرفون تكلفة استمرار الصراع ويدركون أن شعوبهم تستحق الاستمتاع بمزايا السلام. وذكرت أن «القضايا الأساسية التي تقع في قلب هذه المفاوضات، كالحدود والأمن والقدس واللاجئين والمستوطنات وغيرها، لن تصبح أسهل إذا ما انتظرنا، ولن تحل نفسها بنفسها. والنجاح يتطلب صبراً ومثابرة».
ووجهت كلينتون حديثها إلى عباس ونتنياهو قائلة: «لديكما الفرصة لإنهاء هذا الصراع وعقود من العداء بين شعبيكما للأبد». كذلك وجهت كلمة إلى شعوب المنطقة قالت فيها: «ربما جلس قادتكم إلى طاولة المفاوضات، لكنكم من سيقرر في نهاية الأمر مستقبل أسركم ومجتمعاتكم وأهلكم وتمتلكون مستقبل هذه المنطقة في أيديكم. ولكي تنجح الجهود المبذولة هنا نحن بحاجة إلى دعمكم وصبركم».
بدوره، كرر نتنياهو ما قاله للرئيس الفلسطيني خلال القمة التي جمعتهما في البيت الأبيض أول من أمس مع الرئيس الأميركي والرئيس حسني مبارك وملك الأردن عبد الله الثاني، «إننا معاً يمكننا قيادة شعبينا صوب مستقبل تاريخي يمكن أن يضع حداً للخلافات، إلا أن ذلك لن يكون سهلاً».
وذكر نتنياهو، في كلمة هي أشبه بحملة علاقات عامة، «أن السلام الحقيقي الدائم سيتحقق فقط عبر بذل تضحيات متبادلة ومؤلمة من الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني»، مضيفاً أنه ـــــ بصفته رئيساً لوزراء إسرائيل ـــــ والشعب الإسرائيلي «مستعدان للمضي قدماً في طريق السلام وقطع مسافة طويلة في وقت قصير لإحلال الأمن والرخاء للشعبين»، لافتاً إلى أن ذلك يستلزم خوض مفاوضات جادة نظراً لوجود العديد من القضايا محل خلاف، مؤكداً ضرورة الخروج من المفاوضات من حالة الخلاف إلى حالة الاتفاق. وتابع: «كما يتوقع الجانب الفسطيني منا الاستعداد للاعتراف بدولة فلسطينية كموطن للشعب الفلسطيني، فإننا نتوقع منه أيضاً الاستعداد للاعتراف بإسرائيل دولةً للشعب اليهودي». واستطرد قائلاً: «هناك ما يزيد على مليون من غير اليهود يعيشون في إسرائيل موطن اليهود، ويحظون بكل الحقوق المدنية»، مشدداً على «عدم وجود تناقض بين دولة تضمن الحقوق القومية للغالبية وتضمن في الوقت ذاته كل الحقوق المدنية للأقلية».
وتطرق إلى واقعة مقتل أربعة مستوطنين في الضفة الغربية وإصابة اثنين آخرين بجروح يومي الثلاثاء والأربعاء، ليرى أنه «لا بديل من تحقيق الأمن، لأنه أساس السلام، ومن دونه لا يمكن ضمان استمرار السلام». واختتم كلمته موجهاً حديثه إلى الرئيس عباس قائلاً «إن التاريخ يمنحنا فرصة نادرة لإنهاء الخلاف القائم بين شعبينا، الخلاف الذي دام لما يقرب من قرن، إن هذه فرصة غير مسبوقة لإنهاء الخلاف، إننا في مهمة لوضع حد لإراقة الدماء وضمان مستقبل أبنائنا وأحفادنا».
أما الرئيس الفلسطيني فدعا الحكومة الإسرائيلية إلى تنفيذ التزاماتها بوقف كل النشاطات الاستيطانية ورفع الحصار رفعاً كاملاً عن قطاع غزة ووقف كل أشكال التحريض.
وأكد التزام الفلسطينيين بكل ما ترتب عليهم من التزامات بما يشمل الأمن ووقف التحريض.
وأشار الرئيس الفلسطيني إلى أنه خلال المفاوضات المباشرة ستُعالَج جميع قضايا الوضع الدائم، بما فيها القدس والمستوطنات والحدود والأمن والمياه، وكذلك الإفراج عن المعتقلين «لكي ينتهي الاحتلال الذي وقع عام 1967 للأراضي الفلسطينية ولكي تقوم الدولة الفلسطينية إلى جانب الدولة الإسرائيلية ولنضع نهاية للصراع في الشرق الأوسط وليتحقق الأمن والأمان للشعبين وكافة شعوب المنطقة».
وقال عبّاس: «إننا لا نبدأ من الصفر في هذه المفاوضات لأن تراث جولات التفاوض بين منظمة التحرير الفلسطينية والحكومة الإسرائيلية استكشفت جميع الآفاق وشخص جميع القضايا».
«الأجواء الإيجابية» التي رآها ميتشل مع انطلاق المفاوضات في واشنطن، رافقتها أجواء مختلفة في الضفة الغربية، حيث أعلن مستوطنون يهود خططاً لإطلاق مشاريع بناء جديدة في مستوطناتهم في الضفة الغربية.

نتنياهو يشدّد على أولويّة الأمن ويطلب اعترافاً فلسطينياً بيهودية إسرائيل

كلينتون: الولايات المتحدة لا تستطيع ولن تفرض حلاً للنزاع

جولة المفاوضات المقبلة في 14 و15 أيلول «في المنطقة» وبعد ذلك كل أسبوعين

وقال مدير مجلس المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية، نفتالي بينيت، إن المستوطنين «سيبدأون بناء منازل ومنشآت عامة في 80 مستوطنة على الأقل»، في انتهاك للحظر الجزئي الذي أعلنته الحكومة على بناء المنازل، والذي ينتهي في 26 أيلول. وتابع أن «الحظر انتهى على أرض الواقع»، منتقداً المحادثات الإسرائيلية ـــــ الفلسطينية، قائلاً إنها تهدف إلى «سلام زائف».
وأشار بينيت إلى أن المستوطنين «قرروا مضاعفة عدد مشاريع البناء الجديدة بعد أنباء عن إصابة اثنين من المستوطنين الإسرائيليين في حادث آخر في الضفة الغربية».
وبدأت معدات منها مركبات وخلاطات إسمنت العمل في عدة مستوطنات لتمهيد الطريق لإقامة منازل ومراكز تجمع، أول من أمس.
في هذا الوقت، أكد النائب الأول لنتنياهو، سلفان شالوم، أنه «يجب على إسرائيل أن تصمد أمام الضغوط التي قد تتعرض لها بشأن مواصلة تجميد مشاريع البناء الجديدة في المستوطنات». وأوضح أنه «لا يجوز لرئيس الوزراء تجاوز ثوابت حزب الليكود»، متشككاً في احتمال «المضي قدماً في المفاوضات».
من جهتها، أكدت حركة «حماس» أن مفاوضات واشنطن لا تتمتع بأي شرعية لأن الشعب الفلسطيني، صاحب القضية، يرفضها. وأضافت أنه «لا قيمة لأي غطاء عربي أو دولي ما دامت لا تتمتع بأي غطاء وطني فلسطيني»، مشيرة إلى أن «محمود عباس لا يملك الحق في التفاوض باسم الشعب الفلسطيني أو ادعاء تمثيله».
وقال الناطق باسم الحركة، سامي أبو زهري، إن المفاوضات يراد لها أن «تكون رافعة لإدارة أوباما قبيل الانتخابات النصفية للكونغرس». ورأى أن «عباس ورئيس الحكومة سلام فياض وفريق أوسلو لا يمثلون إلا أنفسهم».
وفي ردود الفعل، حذّرت الممثّلة العليا للأمن والسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، كاثرين آشتون، من وجود قوى في الشرق الأوسط «مصمّمة على تقويض عملية السلام والمحادثات المباشرة»، فيما دعا الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، إلى أن تتناول المحادثات المباشرة القضايا الجوهرية والأساسية من أجل تحقيق سلام دائم في الشرق الأوسط. بدوره، أعرب وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف عن دعم بلاده للمفاوضات المباشرة، ولو أنها «لا تضمن النجاح»، فيما رأى وزير الخارجية البريطاني، وليام هيغ، أن «الانتقال إلى المفاوضات المباشرة يمثّل أهمية تاريخية».


«حماس» تتوعّد بمزيد من الهجمات

اختارت المقاومة الفلسطينية إيقاعها الخاص للردّ على مسرحية المفاوضات، فتوعّدت بشنّ المزيد من العمليات بعد الهجومين اللذين نفذتهما في الضفة الغربية، وسط ارتفاع وتيرة التنسيق الأمني بين سلطة رام الله وقوات الاحتلال في حملة الاعتقالات ضدّ «حماس»، بلغ أعلى مستوى له منذ أوسلو، بشهادة ضابط إسرائيلي.
وبعد إعلان المسؤولية عن الهجوم الثاني، توعّدت كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة «حماس»، بشن المزيد من الهجمات. وقالت في بيان إنها «تفي بعهدها وتنفذ عملية بطولية شرق رام الله بعد ساعات على عملية الخليل»، اعتبرتها «أبلغ رد على الأبواق التي قالت أمس إن عملية الخليل لن تتكرر، وعهدنا لكم يا أهلنا في القدس والضفة والقطاع ولأسرانا البواسل وأهلنا في المنافي والشتات ألا تكون هذه العملية هي الأخيرة بإذن الله».
وقال مسؤول من حماس في الضفة الغربية «الهدف من وراء هذه العملية بعث رسالة لإسرائيل وأبو مازن (الرئيس الفلسطيني محمود عباس) وآخرين مفادها أن «حماس» فعلاً موجودة وتستطيع أن تشوّش على خططكم». وأضاف «الرسالة الأخرى هي أن أبو مازن لا يستطيع حماية أمن الإسرائيليين والمستوطنين بالرغم من الاعتقالات».
من جهته، أكّد المتحدث «الحمساوي»، سامي أبو زهري، أن الحركة ستستمر في شن الهجمات على الدولة العبرية رغم الحملة التي تستهدف نشطاءها بالضفة الغربية.
أما السلطة الفلسطينية فواصلت حملة اعتقالات طالت أكثر من 550 ناشطاً حمساوياً في الضفة الغربية، بحسب تأكيدات «حماس»، التي قالت في بيان صادر من غزة «إن حملة أجهزة عباس مستمرة ومتواصلة في جميع محافظات الضفة». وأضافت إن «إحصائية أولية تشير الى أن عدد الذين اختطفوا وصل حتى صبيحة هذا اليوم (أمس) الى أكثر من 550 من أبرز قيادات ونشطاء وأنصار الحركة في الضفة».
ووصف عضو المكتب السياسي للحركة، عزت الرشق، الاعتقالات «بالهجمة المسعورة والجبانة، بالتزامن مع انطلاق المفاوضات بين سلطة رام الله والحكومة الصهيونية في واشنطن». وقال «ما التصعيد الخطير لحملة الاستهداف التي تشنّها قوات عباس و(رئيس الحكومة سلام) فياض بحق أنصار وكوادر وقيادات الحركة في الضفة الغربية إلا واحد من تلك الاستحقاقات» المتعلقة بالمفاوضات. وأضاف إن «المعلومات تؤكد أن أبناء الحركة يتعرضون في زنازين سلطة دايتون لتعذيب لا يقلّ فتكاً ووحشية عما يتعرض له الأسرى في سجون الاحتلال».
لكن مسؤولاً أمنياً فلسطينيّاً نفى أن تكون السلطة اعتقلت أياً من أعضاء «حماس» على خلفية الهجومين الأخيرين، إلا أنه قال «إن استدعاء نشطاء من الحركة يأتي في إطار العمل الروتيني»، واستجوابهم من دون اعتقالهم.
وقد أثنى الاحتلال على تعاون السلطة الفلسطينية، وقال ضابط في الإدارة العسكرية الإسرائيلية في الضفة الغربية إن «التعاون مستمر رغم هذه الهجمات حتى إنه بلغ مستوى يعدّ الأعلى منذ اتفاقات أوسلو في 1993». وأضاف إن «الأجهزة الأمنية الفلسطينية اعتقلت المئات من إرهابيي حماس منذ وقوع هذه الهجمات».
في هذه الأثناء، ذكرت صحيفة «يديعوت أحرونوت» أن قوات كبيرة من الجيش الإسرائيلي اقتحمت مدن رام الله والخليل وبيت لحم ونفذت حملة دهم واسعة فجر أمس تركزت في محافظة رام الله، واعتقلت 8 شبان فلسطينيين.
(أ ف ب، يو بي آي، رويترز، أ ب)