أطلق الرئيس الأميركي باراك أوباما المفاوضات بعد توقف دام أكثر من عام ونصف عام. الحال الجديدة لن تكون مختلفة عن سابقاتها، والفلسطينيون داخلون بنفسيّة الفشل
حسام كنفاني
انطلقت عجلة المفاوضات على النحو وبالمعطيات التي أرادها الرئيس الأميركي باراك أوباما، رغم المعارضة الفلسطينية التي صمدت لفترة وجيزة قبل أن تنهار تحت وطأة الضغوط. انهيار فلسطيني متعدد الأشكال، بدأ مع التراجع عن المطالب ومرّ بالأزمة المالية، ووصل إلى الموافقة على المفاوضات من دون الإجماع المطلوب في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير. وبغض النظر عن المسببات والمبررات التي تسوقها السلطة لتزيين دخولها المفاوضات مجدداً، ومن دون مرجعيات واضحة، يبقى واقع أن العملية السياسية عادت لتسير على عجلة التسوية. لكن السؤال سيكون إلى أين؟ وهل الوضع مختلف هذه المرة عن المرات السابقة، سواء في واي ريفر أو كامب ديفيد أو أنابوليس وما تلاه؟
لا شيء يوحي أن الوضع مختلف. والفلسطينيون أكثر من غيرهم يدركون هذا الواقع. معطيات كثيرة تدلّ على هذا الأمر، ولا سيما أنه لا شيء واضحاً في مسار قضايا الوضع النهائي التي ستكون مطروحة على طاولة المفاوضات.
القضية الأولى في مفاوضات الوضع النهائي ستكون الحدود، التي يؤدي فيها الواقع الاستيطاني دوراً رئيسيّاً في تحديد شكل الدولة الفلسطينية المستقبلية وحدودها.
من الواضح أن الرئيس الفلسطيني محمود عبّاس لم يستطع أن يحقّق شيئاً يذكر في الموضوع الاستيطاني. وتاريخ السادس والعشرين من أيلول، المحدد لانتهاء فترة التجميد التي أعلنها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بات على الأبواب. نتنياهو يجاهر باستئناف البناء، ليس في الكتل الاستيطانية الكبرى فقط، بل حتى في بعض المستوطنات المعزولة. واقع يبدو أن السلطة الفلسطينية مستعدة للتعايش معه. هذا ما نقلته «يديعوت أحرونوت» عن «مصادر نافذة» في السلطة. تعايش في مقابل قبول إسرائيلي بقيام الدولة على حدود الرابع من حزيران 1967. لكن الإجابة جاءت من نتنياهو أيضاً بأنه لن تكون دولة على الحدود، ولا سيما في منطقة الأغوار المتاخمة للحدود الأردنية.
إذاً لا مجال لحدود الرابع من حزيران، ولا حتى الحدود نفسها التي احتلت في ذلك التاريخ، بحسب الموقف الإسرائيلي، لتسقط بذلك النقطة الأولى من ملفات الوضع النهائي.
النقطة الثانية، القدس المحتلة. الملف جزء لا يتجزّأ من منظومة الحدود، لكن له معطيات خاصة تجعل منه ملفاً منفصلاً، رغم أن واقع حدود الرابع من حزيران ينطبق عليه أيضاً.
فالقدس الشرقية المحتلة، على النحو الذي كانت عليه قبل حرب الأيام الستة، لن تكون هي نفسها في أي دولة فلسطينية ستقوم في المستقبل القريب أو البعيد. هذا ما كانت عليه المفاوضات منذ بدء التطرق إلى ملفات الوضع النهائي، في جنيف وكامب ديفيد وطابا، وحتى ما بعد أنابوليس. ولا شيء يوحي بمتغيرات في قمة واشنطن، بل على العكس فالأمور تسير إلى مزيد من التنازلات ما دام الرئيس الفلسطيني محمود عبّاس بدأ طرح حل الملف، بحسب الورقة التي قدمها للرئيس الأميركي باراك أوباما (راجع الأخبار العدد 1170)، من الطروحات التي رفضها الزعيم الراحل ياسر عرفات في كامب ديفيد، وهو لا شك سيكون خاضعاً للمساومة. وضع ملف اللاجئين ليس بأفضل حالاً، وأيضاً سقفه قابل للانخفاض عمّا كان عليه في المفاوضات السابقة، ولا سيما أن الحديث يدور حول صيغة حل قديم بالعودة المتدرجة لأقل من عشرة آلاف فلسطيني من المفترض أن تتوافر فيهم شروط الولادة في فلسطين التاريخية، ووجود أقارب لهم في داخل ما يسمّى الخط الأخضر. ورغم هذه الصيغة المجحفة بحق اللاجئين، إلا أنه لا ضمانة لتطبيقها.
معطيات يبدو أن الفلسطينيين مدركون لها جيداً، ومع ذلك فهم ذاهبون للتفاوض لأسبابهم الخاصة. أسباب ساقها أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير ياسر عبد ربه خلال الجلسة الأخيرة للجنة، حين ووجه برفض معظم المجتمعين غير المنضوين تحت خيمة «فتح».
عبد ربه شرح، بحسب مصادر مطلعة لـ«الأخبار»، أن «هناك اصطفافاً دوليّاً وحتى عربياً، وضغطاً على الجانب الفلسطيني لقبول الذهاب إلى المفاوضات المباشرة». عبد ربه وضع اجتماع لجنة المتابعة لمبادرة السلام العربية وما تمخّض عنه في إطار الضغط العربي على الجانب الفلسطيني، إضافة إلى ما شهدته الأسابيع الماضية من قمم مفاجئة في عدد من العواصم العربية، وفي مقدمتها الأردن ومصر.
وخلص عبد ربه إلى نتيجة بأن «الخسارة في رفض الذهاب إلى المفاوضات المباشرة ستكون أكبر وأفدح من قبول الدعوة، وفي نهاية المطاف سنذهب إلى المفاوضات المباشرة وربما بشروط أسوأ».
وزاد عبد ربه في شرحه لمعطيات الذهاب إلى المفاوضات بالقول: «نبني على بيان الرباعية ونخوض المعركة حول المرجعية وقضايا الوضع الدائم والاستيطان من خلال المفاوضات، وإذا ما تبين أن نتنياهو يرفض تحديد المرجعية ويرفض وقف الاستيطان ويرفض تقديم موقف إسرائيلي في مقابل ما قدمه الجانب الفلسطيني من تصورات مكتوبة إلى الإدارة الأميركية بشأن القدس والحدود والأمن واللاجئين والمياه والعلاقات الثنائية، نذهب إلى البحث في خياراتنا الأخرى، على أمل أن يكون المجتمع الدولي معنا في الضغط على إسرائيل».
على هذا الأساس يذهب الفلسطينيون إلى طاولة المفاوضات، مع واقع أن الفشل هو سيّد الموقف.