الجيش التركي كصندوق ظلّ مقفلاً لنحو قرن على أساس أنه يحتوي ذهباً. وعندما فُتح، فاحت رائحة ما في داخله. آخر ما ظهر عن «البقرة المقدّسة» التركية كان خلية دعارة مرتبطة مجدداً بـ«إرغينيكون»
أرنست خوري
منذ عام 2007، لم يعد الحديث عن فساد الجيش التركي، مؤسِس الجمهورية وحامي قيمها، من الممنوعات. ولا يكاد أسبوع واحد يمرّ إلا تخرج فضيحة من العيار الثقيل تثبت تورط الجيش في أسوأ المؤامرات والممارسات اللاقانونية التي صار عنوانها الأشهر عصابات «إرغينيكون». أول من أمس، اعتقلت الشرطة 40 شخصاً في 9 محافظات تركية، معظمهم ضباط رفيعو المستوى في الجيش و4 مسؤولين في «مجلس الأبحاث العلمية والتكنولوجية في تركيا» وآخرون من المديرية العامة للصناعات العسكرية التركية (الحكومية)، بتهم تأليف خلية اختصاصها ابتزاز سياسيين وعسكريين وموظفين إداريين، من خلال التجسس عليهم وضبطهم بعلاقات جنسية كانت الخلية نفسها هي مصدرها. أكثر من ذلك، فإنّ التهم تتضمن «تدمير أو تزوير وثائق تتعلق بالأمن القومي» و«استخدام معلومات سرية للتجسس السياسي والعسكري». حتى إنّ التقرير القضائي الرسمي تضمّن كلاماً خطيراً عن أنّ العمل جارٍ لتبيان إمكان وجود علاقات بين أفراد هذه الخلية وأجهزة استخبارات أجنبية.
ومن بين الموقوفين عقيد حالي في الجيش وعقيد متقاعد هو إيراهيم س. وأدميرالان وضابط في قيادة المعلومات الإلكترونية في وحدة التجهيز التي تعمل تحت إمرة رئاسة أركان الجيش. وأحد الأدميرالين هو شفق يوركلي، المتهم بالارتباط بعصابات «إرغينيكون» التي رجّحت المعلومات التركية أن تكون هي أيضاً متصلة عضوياً بخلية الدعارة.
وتفاصيل إحدى التهم المسوقة بحق أفراد هذه الخلية هي ابتزاز شخصيات معروفة، وخصوصاً عسكريين، من خلال توفير بائعات هوى لهم وتصويرهم لابتزازهم بالمال أو بالسياسة أو بالقرارات العسكرية تحت التهديد. وقد بدأ التحقيق في القضية منذ 5 أشهر سراً، وجرت حملة اعتقالات بقيت بعيدة عن الأضواء في منازل وفنادق مدن تركية عديدة في الثالث من آب الماضي. وكشف ضباط في الشرطة أنّ الخلية استهدفت بالأساس مجموعة من ضباط الجيش على خلفية اقتناعاتهم وانتماءاتهم الدينية والإيديولوجية والسياسية.
والفضيحة الجنسية الأخيرة جاءت لتضاف إلى مسلسل مشابه من القضايا كان آخرها قضية اليخت الخاص بمصطفى كمال (أتاتورك) الذي اضطرت وزارة الثقافة والسياحة التركية إلى مصادرته، بعدما تبيّن أنه تحوّل منذ فترة إلى فندق نقّال للدعارة يجوب شواطئ العالم. وكان اليخت المذكور «سافارونا» مؤجَّراً لرجل أعمال تركي يُدعى كهرمان صادق أوغلو لـ49 عاماً، في مقابل 60 مليون دولار. وقد اعتُقل 14 شخصاً كانوا على متنه في 27 أيلول الماضي، بعدما عرفت الشرطة التركية أنّ أعمال دعارة على متنه تُستغَل فيها فتيات قاصرات من روسيا وأوكرانيا، ويتورط فيها أثرياء من بينهم مستشار لرئيس الحكومة الكازاخستانية. في النهاية، صادرت الحكومة التركية اليخت التاريخي، وهي تنوي تحويله إلى متحف وطني.