فلسطين الطائفية!!!
نسمع كثيراً بمشاكل لبنان، خصوصاً لجهة الموضوع الطائفي والتوترات المذهبية بين مختلف الطوائف والمذاهب، ونرى هنا وهناك رسوماً تنتقد الطائفية وتستهزئ بها. فلسطين أيضاً فيها طوائف كثيرة لكنها ليست، لسبب ما، بالشكل التي هي عليه من الظهور في لبنان. والمعروف أن الأغلبية في فلسطين من المسلمين السنة. وهناك وجود واضح للمسيحيين (الروم الارثوذكس خاصة) في العديد من المدن وخصوصاً المقدسة منها، كبيت لحم والناصرة والقدس، إضافة إلى بعض المدن هنا وهناك. وفي فلسطين أيضاً، وتحديداً في مدينة نابلس، هناك الطائفة السامرية، وهي طائفة داخل الديانة اليهودية، وأهم ما فيها أنها لا تعترف بكيان إسرائيل، ولا ترى أنها دولة اليهود. بل ترى القائمين عليها صهاينة، أي حركة سياسية، لا علاقة لهم بشريعة موسى النبي. أضف الى كل هؤلاء طائفة الموحدين الدروز بنوعيها المتصهين والوطني، وهناك البهائيون ومدينتهم المقدسة حيفا وهناك القديانيون والأحمديون وطبعاً الأحباش والطرق الصوفية الكثيرة، أضف الى ذلك وجوداً خجولاً للشيعة في شمال فلسطين، خاصة في بعض قرى الناصرة والضفة. ولعل الوجود الذي يمكن أن نسميه ملحوظاً للشيعة الفلسطينيين هو في مدينة قلقيلية، حيث هناك بعض العائلات المتشيعة، وطبعاً في فلسطين هناك السلفية الوهابية، والأشاعرة والعديد من الطوائف الإسلامية، ونسبة كبيرة من الأغنوصيين «اللاأدرية» والكثير من الملحدين واللادينيين، لكننا لم نسمع يوماً بمشكلة بين مسيحي ومسلم، بين درزي وبهائي أو سامري ومسيحي، رغم حدوث بعض المهاترات هنا وهناك بسبب جمعيات «المحافظة على القرآن» ومدارس «السنة والجماعة»، وهي التي ترى تنظيم القاعدة تنظيماً جهادياً، ودعوة محمد بن عبد الوهاب توحيداً وتجديداً. هؤلاء بدأوا بإثارة بعض النعرات ووزعوا منشورات ضد الشيعة والأحباش والصوفيين، ومع ذلك فإن كل هذا يبقى زوبعة في فنجان. ولطالما سألت نفسي في معرض المقارنة، ما سبب عدم وجود مشاكل طائفية في فلسطين، سواء في الضفة الغربية أو فلسطين التاريخية، أو قطاع غزة «تقريباً»؟ هل الهم الذي يوحدنا ينسينا الاختلاف؟ أم أن الطبيعة الفلسطينية (إن جاز التعبير) ترفض هذا التقسيم على الرغم من أن الشعب الفلسطيني «غاوي تمييز»، بين ضفاوي وغزاوي لاجئ ومش لاجئ؟ فعلاً السؤال يراودني!!
ربى حسن

■ ■ ■

الطائفة الفلسطينية..

عزيزتي ربى، لا أعرف من أين أبدأ، سواء بالطوائف أو بغير الطوائف، فلسطين همها الوطني أكبر من الطوائف وتقسيماتها. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى كلامك يا عزيزتي منطقي جداً، فبرغم تعدد الطوائف في فلسطين، إلا أن الخلافات غير موجودة لهذه الناحية، لا بل إن ما قد يحصل هو مجرد خلافات عادية. لن أقول إن الهمّ الوطني ينفرد الفلسطينيون بحمله. فلبنان عانى جنوبه احتلالاً شنيعاً، وعدوانات اسرائيلية متكررة وحروباً شرسة، لكن مازالت النعرات للأسف الشديد موجودة هنا وهناك، تنحسر حيناً لتعود «وترجع قوية». ومما يزيدها في لبنان هؤلاء المتشددون الرحّل، بين الخليج والعراق وبلاد الشام، حمَلة الشعارات المذهبية الفارغة، تارة يدافعون عن السنة من «الرافضة» وتارة عن أهل البيت من «الناصبة»، وإذا تحولوا عن تلك البلاد، ذهبوا لمصر ليصفوا المسيحيين الأقباط بكلاب شنودة، وهات يا مهاترات.
نقطة أخرى عزيزتي ربى، إن ثقل الطوائف في فلسطين ليس متساوياً. فالمسيحيون ليسوا أكثرية متوازنة مع المسلمين، لأن الكثيرين من بينهم اضطروا للهجرة القسرية أيام الاحتلال التركي لفلسطين ليكونوا أول موجة لاجئين من بلادهم التي ستشهد المزيد من الهجرات في السنوات التالية على مدى نكبة من هنا ونكسة من هناك، وبعض الترحيلات الخفيفة بالمقارنة مع ما سبق. فنزوح المسيحيين إلى أميركا اللاتينية وخصوصاً إلى التشيلي، جعل المسلمين أكثرية، لكن هذا لم يمنع الأب إبراهيم عياد وهو كاهن فلسطيني من بيت ساحور، من أن يجوب الأميركيتين لجمع التبرعات لبناء مسجد للمسلمين في سانتياغو، وهو مسجد ما زال يحمل اسمه، مسجد الأب إبراهيم عياد الكبير.
عزيزتي ربى!
إن الفلسطينيين مهما كان عددهم في العالم ومهما كان تعدادهم وتنوعهم الطائفي والديني، فإن الهم الوطني والحزن والشتات يجمعهم، فلو فرقتهم الأرض والسماء فإن الحنين لرائحة التراب بعد أول المطر سيوحدهم.
معاذ عابد