الحركة الشعبية تعتمد الحوار قبل فتح الخياراتجمانة فرحات
يعوّل شريكا الحكم في السودان تعويلاً كبيراً على نجاح مفاوضاتهما للتوصل إلى تفاهمات تسمح بإجراء استفتاء تحديد مصير الجنوب وأبيي في موعدهما المقرر في التاسع من كانون الثاني المقبل، بعيداً عن أي اضطرابات أمنية، ولا سيما مع تولي كبار المسؤولين من الطرفين زمام المحادثات، بعدما كانت موكلة إلى لجان مصغّرة لم تستطع التوافق على حلول ناجعة.
وفي وقت تتحدث فيه مصادر الحركة الشعبية عن توجه نحو نهج جديد في المفاوضات قائم على طرح كل القضايا معاً للتوصل إلى حل لها ضمن رزمة واحدة، وخصوصاً قضيتي أبيي والحدود، تنفي مصادر حكومية سودانية تبني الحكومة رسمياً خيار تأجيل الاستفتاء، مؤكدةً أن التركيز حالياً منصبّ على تنفيذ ما هو متفق عليه، أي إجراء الاستفتاء في وقته على أن يكون حراً ونزيهاً، وبما يضمن أن العلاقات الأخوية بين الشمال والجنوب سوف تستمر.
وتضع المصادر الحكومية دعوة بعض المسؤولين الشماليين إلى تأجيل الاستفتاء في سياق تقديرات خاصة بهم من حكم المواقع الرسمية التي يشغلونها، مشيرةً إلى أن أي إرجاء لا يمكن أن يجري بمعزل عن موافقة حزب المؤتمر الوطني والحركة الشعبية. وهو ما يفسر إعادة توضيح وزير الدفاع السوداني، عبد الرحيم محمد حسين، لما نقل عنه من دعوته الى تأجيل الاستفتاء خلال زيارته قبل يومين القاهرة.
وإذ تؤكد المصادر تمسك الحكومة السودانية بشرط الانتهاء من ترسيم الحدود بين الشمال والجنوب وحل قضية أبيي، ترى في الدور الأميركي عائقاً أمام التوصل إلى أي حل وسط على اعتبار أن مقترحات الإدارة الأميركية، ممثلة بمبعوثها سكوت غرايشن، سيئة جداً وغير موفقة، وخصوصاً في ما يتعلق بحل أزمة من يحق له التصويت في منطقة ابيي الغنية بالنفط.
وتجزم المصادر بوجود رفض قاطع من حزب المؤتمر الوطني لاقتراحين تقدم بهما غرايشن خلال مفاوضات اديس أبابا التي فشلت، ويتوقع استئنافها الأسبوع المقبل بمشاركة البشير وميارديت. الاقتراح الأول تضمن إصدار مرسوم رئاسي يُلحق ابيي بالجنوب على أن تحافظ قبائل المسيرية على حقوقها التقليدية المتمثلة في رعي الماشية والتنقل عبر المنطقة التي كفلها بروتوكول أبيي، فيما قضى الاقتراح الثاني بإعطاء قبيلة المسيرية حق الإدارة والرأي دون حق التصويت.
وتشدد المصادر على أن الحل الوحيد هو تطبيق بروتوكول أبيي، مع ما يعنيه من إعطاء الحق لأفراد قبيلة المسيرية الذين يتنقّلون بين أبيي ومدن الجنوب في التصويت بعد الاتفاق على معايير الإقامة في المنطقة، ضمن مهلة زمنية حدها الأقصى 6 أشهر، على اعتبار أن مشاركة أفراد المسيرية من الذين يقيمون إقامة دائمة في المنطقة هو أمر محسوم ولا خلاف عليه.
وفي سياق الحديث عن الدور الأميركي السلبي، تتطرق المصادر إلى مسارعة المندوبة الأميركية في مجلس الأمن الدولي، سوزان رايس، إلى تلقف اقتراح رئيس حكومة الجنوب بنشر قوات عازلة في بعض النقاط الساخنة على الحدود بين الشمال والجنوب، إلا أن المصادر تؤكد أن ما يشاع عن طرح الموضوع في مجلس الأمن الدولي لا يعدو كونه «بالون اختبار» لجس ردّ فعل الحكومة المركزية، التي لم يناقش معها أيّ من مسؤولي بعثة الأمم المتحدة هذا المقترح، الذي يحمل في طياته «تجاوزاً لسيادة السودان وللحكومة المركزية» في آن واحد.
وفي ظل مسارعة بعض المسؤولين السودانيين إلى الحديث عن توجه لـ«طرد» القوات الأممية عند انتهاء تفويضها، تفضل المصادر الحديث عن وجود «استراتيجية خروج» معدة في الدوائر الحكومية لرحيل هذه القوات بعد إنجاز استحقاق الاستفتاء وليس قبله.
والتفاؤل المستجد الذي تبديه المصادر الحكومية بالتوصل إلى اتفاق مع الحركة الشعبية، يعود بالدرجة الأولى إلى اقتناع سائد لدى دوائر صنع القرار السوداني بأن الحركة الشعبية دائماً ما ترفع من سقف مطالبها، لكنها عندما تفقد الأمل توافق في نهاية المطاف على حلول منطقية. كذلك فإن الحركة الشعبية تشعر بضغط كبير جداً، ولا سيما أنها من تصر على إجراء الاستفتاء، وبالتالي فلا بد أن تقدم تنازلات بشكل أو بآخر، في ظل إدراكها أنه في حال فشل المفاوضات وتعنّت حزب المؤتمر الوطني الحاكم لن يُجرى الاستفتاء.
ورغبة الحركة في إجراء الاستفتاء تفسر التحول الذي طرأ على خطابات مسؤوليها خلال الأيام القليلة. فبعد أيام من التهديد، عادت مصادر من داخل الحركة الشعبية لتركز على نقاط التلاقي مع حزب المؤتمر الوطني، وإن حاولت هذه المرة أن تعزز موقفها من خلال إظهار توحد مختلف الأحزاب الجنوبية خلف مطلب عدم تأجيل الاستفتاء، وأهمية احترام الخيار الذي يؤدّي إليه.
ومحدودية الخيارات المتوافرة للحركة الشعبية نابعة من تلقيها نصيحة أميركية بعدم المراهنة على تنظيم الاستفتاء بمفردها لما يحمله هذا الخيار من مخاطر وتداعيات على علاقتها مع الشمال، وهو ما دفعها إلى ملاقاة حزب المؤتمر الوطني الحاكم في دعوته إلى تأمين نزاهة وحيادية الاستفتاء، والحؤول ضمن أي عنف قد يتمخض عن العملية، من دون أن يمنعها ذلك في الوقت نفسه من إبداء توجسها من دعوات الإرجاء الصادرة عن مسؤولين شماليين، واضعةً إياها في سياق تكتيكات وتبادل للأدوار يمارسها حزب المؤتمر الوطني الحاكم.
ولذلك لم تستبعد مصادر الحركة الشعبية إمكان عدم التوصل إلى حلول جذرية، محذّرة من تفاقم الأوضاع وعندها «لكل مكان مقال. ولكل عمل مكان لتبقى جميع الخيارات مفتوحة من وجهة نظرها!».