إيمان بشير
يومٌ وبعده يوم، تمتلئ المخيمات الفلسطينية في لبنان بعدد كبير من الباحثين والصحافيين والمصورين الأجانب الذين قطعوا مسافات طويلة من أوروبا وأميركا لرؤية «مخيم اللاجئين». والحق، لا بد من أن يُقال. البعض منهم قدّم ما يمكن لأبناء المخيم أن يستفيدوا منه، من دورات مجانية باللغة الإنكليزية والإسبانية وغيرها، والتي تطوّع بها الأجانب خدمةً (أضعف الإيمان)، هذا على الأقل، وغيرهم من أخذ يُشغل أبناء المخيم في بحثه ومقابلاته وترجمتها مقابل مبالغ مادية في مساهمة لتشغيل الأيدي العاملة الشبابية. والحق يُقال أيضاً، فالبعض الآخر منهم لم يأتِ إلى المخيم إلا ليجعله حقلاً لتجاربه، أو للقيام بالاستخبارات اللازمة داخل ما يسميه البعض «بؤراً أمنية».
هذا كلّه لم يعد يُفاجئني، أصبحت أشعر بأن وجود الأجانب في المخيم أمر طبيعي، بل أنهم يؤلّفون نسبةً من الكثافة السكانية في المخيمات بعدما أصبحوا هم يسكنون المخيم أيضاً للقيام بأبحاثهم، يتقنون العربية أو اللهجة الفلسطينية على وجه الخصوص، لا يشترون الخضرة إلا من سوق صبرا ويتشاجرون مع البائعين إذا حاول أحدهم خداعهم بالسعر (أو بالعربي الدارج بيفاصلوا وبيحارجو)! كل هذا لم يعد يفاجئني، فبيروت تستقبل من هبّ ودب، والمخيم قلبه كبير وبيساع كتير، إنما ما يُفاجئني هو اللبناني الذي لا يزال يخاف دخول المخيم. أتذكر سنتي الثانية في الجامعة اللبنانية، عندما دعوت زملائي في الصف إلى زيارة شاتيلا من أجل حفلة يُقيمها النادي الثقافي هناك، عندها بادرني شاب بسؤال ساذج أمام الجميع: «بركي وقّفوني على الحاجز؟»، «أي حاجز؟» سألته مستغربة، فأجابني: «حاجز الفلسطينية، بركي طلبوا هويتي؟ بركي حجزوني لأني...؟». النقاط الثلاث تعني أنه ذكر طائفته المبجلة، فلم أستطع أن أجيبه من كثرة الضحك! تقول في نفسك إن الشباب اللبناني متعلّم ويفهم، لكن التعميم يثبت دائماً أنه خطأ، فقد اتضح أن بعضهم، وهذا أمر طبيعي، لا يفهم للأسف ولو كان من حملة الدكتوراه، كتلك السيدة التي ما زلت أحاول إقناعها منذ زمن طويل، بأن الفلسطيني «مش قادر يفل على بلده عشان ترتاحوا منه، ولو قادر كان فلّ من زمان يا ستنا»! أو تلك الأُخرى التي لا تزال تسألني في كل مرة نتقابل فيها: «عن جد ولا مرة رحتي على فلسطين؟»، أسالها «كيف بدي روح على فلسطين؟» فتجيبني بكل: «براءة» إذا أردنا أن نكون مهذبين «بالطيارة!».
ما يُفاجئني هو التالي: كيف يعرف أولئك الأجانب تاريخ فلسطين العربية، والصراع العربي ـــــ الإسرائيلي، لا بل تاريخ المخيم الذي لا يقل عمره عن 63 سنة، أكثر من اللبنانيين الذين نعيش بينهم، وهم لا شك يحتكّون بـ«ضيوفه» يومياً. إيه والله، وفينيقية!