في عين الحلوة الأطفال يكبرون قبل أوانهم، يهجرون طفولتهم لينخرطوا في شظف الحياة، وبالرغم من ذلك لهم أحلامهم المعلقة التي تبقى في النهاية أكبر من آلامهم
خالد الغربي
على الكورنيش البحري لمدينة صيدا يجر الطفل الفلسطيني محمود طحيبش (10 أعوام) عربته التي يبيع عليها الترمس للمتنزهين.من مبلغ العشرة آلاف ليرة الذي يجنيه من عمله هذا يدّخر القليل، بعد حسم الكلفة: ثمن الترمس، واستهلاك «حفايته» لكونه يمشي «ذهاباً وإياباً» إلى عين الحلوة سيراً على قدميه، لكن لمحمود طموحاته المعلقة، وعمله في بيع الترمس بدا جزءاً من خريطة طريق إلى المستقبل وضعها بنفسه إذ قال «أبيع الترمس لأني أريد أن أصبح طبيباً أعالج أبناء عين الحلوة».
محمود واحد من «جيل أطفال عين الحلوة»، حوّلتهم صعوبة العيش إلى فتية يشاركون في تحمل المسؤولية «فبحصة ما قد يجنوه من مال، قد تسد خابية جيوب ذويهم الفارغة». ساحة اللعب غير الموجودة أصلاً في عين الحلوة تبدو غائبة عنها شيطنات أطفال المخيم، هنا لا مؤسسات تهتم بالأطفال والحد الأدنى من رفاهيتهم، لا ملاعب لهؤلاء أو متنزهات وأماكن ترفيه أو تسلية. يخترع أطفال المخيم تساليهم، فهم لا يمتلكون كباقي الأطفال لعباً، ما خلا بعض اللعب الحربية و«الطخطخة» بأسلحة بلاستيكية، يلهون بها داخل الأحياء البائسة في مخيمهم.
عمل «جيد» نفّذته الصيف الماضي مؤسسة خيرية دولية تعنى بالطفولة داخل المخيم، حيث نظمت «كولوني» أي مخيماً لعشرات من أطفاله، كشف على حد ما قالته المشرفة الفنلندية كارينا لوز «عن مواهب إبداعية خلّاقة لهؤلاء الأطفال وعن وعيهم المبكر على الرغم من افتقارهم لممارسة حياة طفولية سليمة، كما سائر أطفال العالم، وعيشهم في بيئة قلقة ومتوترة». وتعترف لوز في تقرير لها لصالح مؤسسة فلسطينية «بأن الظروف القاهرة التي تعيشها المخيمات الفلسطينية في لبنان هي التي تجعل أطفال عين الحلوة معطائين ولديهم قدرة على فهم المسائل والواجبات والمسؤوليات». لكن لوز حذّرت «من أن العمالة المبكرة لهؤلاء، والأوضاع المأساوية التي يعيشونها، وغياب الحقوق الاجتماعية والإنسانية والرعاية، وعدم ممارسة حقوق الطفل قد تؤدي دوراً سيئاً في بناء شخصية سلبية لهم». الواجبات والمسؤوليات التي تحدثت عنها لوز قد تدفع العديد من الأطفال الفلسطينيين إلى تأليف فرق فنية وغنائية تعنى بالتراث الفلسطيني، وتركز على هموم اللاجئين وحقهم بالعودة إلى الديار التي هُجّروا منها، حتى بدا واضحاً أن أغاني «البيارة» و«فلسطيني»، «وانت يامسافر وين ع رام الله» باتت شائعة لدى اطفال عين الحلوة يحفظونها عن ظهر قلب. لعين الحلوة أطفال ناضجون يتمسكون بفلسطين التي ماعرفوها، لكنهم يستعيضون عن المعرفة المباشرة بروايات الأهل. يرسمون مستقبلهم ويخطّون أحلامهم على الرغم من آلامهم. التلميذ محمد فرهود البالغ من العمر ثمانية أعوام، بدا في حديثه مع «الأخبار» كأنه ابن 18 عاماً. هكذا يقف متحدثاً بثقة عن حق أطفال عين الحلوة في العيش بسلام. «أين حقوق الطفل؟ يسأل، ولماذا لا نعيش كباقي أطفال العالم؟». لكن هذا السؤال بدا تحدياً بالنسبة لفرهود، لذلك قال «إحنا الفلسطينية سلاحنا العلم، ولازم نتعلم لنقول للعالم إحنا مش إرهابيين، إحنا اصحاب حق وإلنا قضية، ومش قصة إن حرمنا من اللعب ومن المتنزهات في المخيم، المهم أن نكبر لندافع عن بلادنا». الطفل ياسر عوض (8 سنوات) رسم بدوره مستقبله «أريد أن أتعلم وأكبر وأتزوج»، فجأة يتذكر عوض أنه فلسطيني وقد تكون هويته الفلسطينية عائقاً أمام تحقيق طموحاته «أريد أن أصبح مهندساً، بس أنا فلسطيني، يمكن ما يمشي الحال!».


«مس»: ليش ما عم نتظاهر؟

ككل أفراد المخيمات، اعتاد أطفال عين الحلوة أن يكونوا ناشطين في جميع التحركات التي تخص قضيتهم. هكذا، خرجوا واحتلوا شوارع المخيم في تظاهرات منددة بالعدوان على غزة أيام العدوان عليها، وكذلك يوم استهدف اسطول الحرية. اليوم غابت التظاهرات لعدم وجود حدث محرك، أمر دفع عدداً من تلامذة مدارس عين الحلوة إلى الاستفسار من معلماتهم «مس: ليش ماعم نتظاهر؟».